Follow us

image

ليس بالحبّ وحده تحيا الأوطان! – بقلم: فاديا سمعان

كلمة لو سمحتوا – جبلنا ماغازين

(رسالة إلى الانتشار...)

في العام 2011 أطلقتُ بمساعدة ومواكبة من عدد غير قليل من الأصدقاء المغتربين في الولايات المتحدة حملة أسميتها "لبناني مغترب وبدي إنتخب"، وكان الهدف منها حينذاك حث مجلس النواب اللبناني على إقرار آلية اقتراع المغتربين في بلدان الإقامة في الانتخابات النيابية اللبنانية.

كنت لا أزال حينها مغتربة "طازة"، حيث لم تكن قد تجاوزت المدة التي أمضيتها كمغتربة السنوات الخمس. وكنت أنظر إلى الانتشار اللبناني كخشبة خلاص للبنان مما هو فيه وأعتبر أن المغتربين - لو كان لهم صوت صارخ في العمليات الانتخابية - لغيّروا مجرى التاريخ وأعادوا لبنان بصوتهم، إلى خارطة العالم المتطور.

كنت أرى كيف أن هؤلاء المغتربين، يتعايشون بسلام مع القوانين المتبعة في بلدان الانتشار... بدءاً من قانون السير، مروراً بالقوانين التي ترعى حقوق الأطفال والمعوقين والمتقدمين في السنّ والمرأة والتوظيف والمساواة وحرية المعتقد إلخ...، وصولاً إلى الحق في إبداء الرأي والمعارضة والممارسة الديمقراطية بكافة أشكالها. علماً أن هؤلاء لم يتعايشوا وحسب مع قوانين البلدان المضيفة، بل الحق يقال إن عدداً كبيراً منهم ساهم في تطوير هذه القوانين من خلال اندماجه في السياسات المحلية في وطنه الثاني وإفادته من علمه وذكائه وخبرته ومركزه الاجتماعي أو المالي أو السياسي.

وكنت أرى كيف أن هؤلاء، خصوصاً من يحملون من بينهم جنسية البلد المضيف، يحترمون العلم والنشيد والجيش والقوى الأمنية وكل ما يمكن أن نسميه "دولة"، وأهم من كل ذلك كنت أرى كيف أنهم ينتفضون ويتوحدون أمام أي خطر يتربص بالبلد الذي يحتضنهم....

انطلاقاً من كل هذه الأسباب، كنت أرى في الاغتراب خشبة الخلاص.

نعم. كتبت كل ذلك بصيغة الماضي. فما كنت أراه في عامي الخامس كمغتربة، تغير إلى حد ما في سنتي العاشرة!

المغتربون بالفعل هم كذلك في دول الانتشار. ولكنهم ليسوا كذلك عندما يتعلق الأمر بلبنان.

فرغم كل الحب الذي يحملونه للبلد الأم، تراهم يختلفون على القشور ويتلهون بمعارك صغيرة هنا وهناك وينسون أن الهدف الأشمل والأجمل الذي يجب أن يجمعهم – لا أن يفرقهم – هو مصلحة لبنان وصدّ الخطر الذي يتربص به. وبدل أن ينشغلوا بأمور جانبية - كلها بسيطة تُحلّ بقرار ومصافحة – من الأجدى أن يضعوا لبنان نصب أعينهم ويعملوا من أجله. فهو وحده رب العمل، ومن أجله وحده يجب أن تنصب الجهود، ومن أجل خيره ووحدته ومستقبله وبقائه يجب أن نعمل؛ لا من أجل شخص، ولا من أجل جمعية، ولا من أجل مركز، ولا من أجل صورة على غلاف! فماذا يفيدنا لو هزمنا كل الأنداد ووصلنا إلى قمة الهرم وخسرنا لبنان؟

ليتنا... كما توحدنا المصيبة إذا طالت بلد الإقامة، توحدنا المصائب والأخطار التي تتهدد لبنان.

ليتنا نكون حلاً، لا مشكلة.

ليتنا نكون أرزاً يزين العالم، لا واجهة لأحقاد السياسة اللبنانية في أرجاء هذا العالم.

ليتنا نكون مثلاً جميلاً ساطعاً يتمثل به لبنان المقيم، لا مرآة لما يجري فيه من مناكفات تقعده عن التقدم.

ليتنا نكون الأمل بخلاص لبنان ونضعه في ضمائرنا، لا في قلوبنا فقط. فليس بالحب وحده تحيا الأوطان، بل بالإخلاص لها والعمل من أجلها!

تحية وبعد...