Follow us

image

النقد الذاتي أولاً – بقلم: غازي المصري

غازي المصري – جبلنا ماغازين

قدّم أحبار اليهود لعيسى المسيح امرأة زانية كي يحكم عليها بالموت فما كان منه إلا أن قال من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر". عندها أدرك اليهود أنهم فيما لو حكموا عليها بالموت، لكان عليهم أن يحكموا على أنفسهم أولا، فرموا الحجارة و غادروا. فما كان من المسيح إلا أن نظر إليها و قال "ولا أنا أدينك أيضاً. إذهبي و لا تخطئي فيما بعد".

أما نحن... فلقد بلغت بنا الوقاحة أن نحمل سلاح التخوين أو حتى البنادق لنهدد أو نستهدف كل من نعتبره مخطئاً في مفهومنا الخاص للأمور ومن خلال حكمنا عليه مسبقاً. فندوس على الأنسانية ونسير وكأننا بلا خطيئة... ونحن لا نحسن التصويب بل الاستفزاز... ولا نتنازل أونضع انفسنا مكان الأخر ولو للحظة لنتعرف على هواجسه أو حالته. وكذلك نحن لا نحسن التدقيق بما يقال لنا او بما ينقل إلينا. ولشدة التعصب لفكرنا أصبحنا بعيدين عن المنطق والواقع ولا نثق إلا بالبروباغندا المناسبة لحماستنا وجماعتنا. فنستمر بالتشبث في الرأي بسبب اعتقاد سابق في عقولنا بأننا وحدنا من يملك الحقيقة المطلقة.  ونحن دائماً جاهزون متربصون لأي فعل يظهر من الآخرين، واضعين في عقلنا ان ردة فعلنا يجب ان تكون باللجوء إلى السلبية ولغة التخوين والتهديد... ولا شيء آخر!

فإذن، عن أي عيش مشترك نتكلم؟ وعن أي وطن نتحدث؟

إن من عاش في بلاد الأغتراب وتعرف على الحضارات وأصول الحوار لم يعد يفهم مجتمعنا وثقافتنا المليئة بالحقد والثأر وازدراء بعضنا لآراء بعضنا الآخر وبعدنا عن التسامح والمقاييس الإيجابية لأننا نرى الآخر دائما من الناحية السلبية، وكأننا لا نؤمن بالمستقبل والعيش سوياً بقدر ما نتمنى الانفراد بالحياة والعيش بين القبور ووسط الأموات بحجة انهم شهداء وقدموا دماءهم لأجلنا.

هذا حالنا مع الأسف! ولن نتطور دون الأعتراف بالأخر وبحقه في الاختلاف بالرأي والتعرف على هواجسه ومشاكله بغض النظر عن معتقده وطائفته وبيئته وانتمائه السياسي والمناطقي. ولن يُبنى مستقبل الوطن إذا لم يمارس كل فرد منا وكل جماعة منا نقداً ذاتياً واعترف بأخطائه. ولن نستطيع التعايش إذا لم نضع في عقولنا لغة المحبة التسامح والعفو والاعتذار بدل لغة التهديد والوعيد والكراهية.

علينا ان نتحاور ايجابيا كي نبني الثقة بين بعضنا البعض أولاً ونصبح قادرين على التطلع نحو المستقبل. وعلينا ان نقدر تضحيات كل مجموعة منا وأن نحترم شهداء كل فريق منا لكي يصبح باستطاعتنا الجلوس معاً ودفن الماضي.


         كاتب المقال: غازي المصري