Follow us


على المسلمين أن يحموا مسيحيّي الشرق الأوسط

إعداد: بيار مارون - كمال نواش

صياغة باللغة العربية: فاديا سمعان

(دراسة نشرت عام 2011)


السنوات العشر الأخيرة لم تمرّ بسهولة على المسيحيين في الشرق الأوسط. فالعديد من الأحداث، بما فيها الغزو الأميركي للعراق، رسّخ الاعتقاد الخاطئ في أن "الغرب المسيحي" قد أعلن الحرب على "الشرق الأوسط المسلم". فغالبية المسلمين تنظر إلى العمليات العسكرية الأميركية ضد الدول ذات الاغلبية المسلمة على أنها ذات طابع ديني، لأن الولايات المتحدة هي في نظر المسلمين أمة مسيحية. 

للأسف، وانتقاماً للهجمات العسكرية الأمريكية ضد دول ذات الأغلبية المسلمة، مثل العراق، نفذ مسلمون متطرفون هجمات على المسيحيين في عدد من دول الشرق الأوسط. فاستهدفت كنائس في مصر والعراق من قبل متطرفين باتوا ينظرون بريبة إلى المسيحيين في بلدانهم على اعتبار أنهم يتشاركون الديانة نفسها مع غالبية الشعب الأميركي. 

يجري كل ذلك وسط مزاعم تفيد بأن قادة بعض الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط قد سمحوا بحصول هجمات ضد الكنائس في بلدانهم من أجل تعزيز موقف الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، والتي تتهم اسلاميين متطرفين بالوقوف وراء هذه الهجمات بهدف إقناع الرأي العام الدولي بضرورة وجود انظمة متسلطة من أجل قمع هؤلاء. مع الإشارة إلى أن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك اتهم بمثل ذلك مؤخراً. 

العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط لم تكن دائماً متوترة على مرّ التاريخ. ففي الواقع، لطالما كانت العلاقات الإسلامية – المسيحية في العالم العربي جيدة جداً ومفيدة للعالم بأسره. ونذكّر على سبيل المثال، بأنه مع بداية انتشار الدين الإسلامي، قام العرب ومسيحيو الشرق الأوسط بترجمة الفلسفة اليونانية والأعمال الدينية إلى اللغة العربية، مما أحدث نهضة في الدول الإسلامية في مجالات العلوم والرياضيات والفلك والفنون، في وقت كانت لا تزال أوروبا غارقة في ما يعرف باسم "العصور المظلمة".

في المقابل، وبعد مئات السنين، قام المسيحيون في الدول العربية بترجمة أعمال المسلمين العلمية في مجالات العلوم والرياضيات وعلم الفلك والطب والعلوم الإنسانية، وذلك من اللغة العربية إلى اللغتين اللاتينية واليونانية. الأمر الذي أسهم في انطلاق النهضة الأوروبية وتحول القارة ككل إلى قوة عالمية رائدة. وهذه الثروة من المعرفة لم تكن لتوجد لولا تلك العلاقة الإسلامية المسيحية المتميزة. 

معظم العرب المسلمين في بلدان مثل سورية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق ومصر، وهي المنطقة المعروفة باسم بلاد الشام، هم من أصول مسيحية. وأحد الأسباب التي وثّقت العلاقات المسيحية - الإسلامية على مر التاريخ يعود إلى حقيقة أن معظم المسلمين العرب لهم أقارب مسيحيون. لذا، فقد أثمرت العلاقات الأُسرية بين العائلات المسلمة والمسيحية في الشرق الاوسط تاريخيا نتائج غير عادية. أضف إلى ذلك أنه في عصر الخلافة الإسلامية لم يكن غريباً على مسيحيّ أن يكون قائداً في جيش الخليفة المسلم. 


في العصر الحديث، واصل المسيحيون لعبَ أدوار قيادية في العالم العربي. ففي أوائل القرن العشرين، كان القادة القوميون العرب مسيحيين، برز من بينهم مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا، المسيحي، ميشال عفلق. كما برز مسيحيون فلسطينيون كجورج حبش ونايف حواتمة من بين كبار قادة ومؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية. أما في العراق، فكان الرجل الثاني في قيادة الدولة في عهد صدام حسين هو المسيحي طارق عزيز. وفي الأردن وسوريا ومصر والسلطة الفلسطينية يشغل مسيحيون مناصب رفيعة في الحكومات. وفي لبنان يشغل المسيحيون أعلى منصب في البلاد حيث يتعين على رئيس الجمهورية ان يكون مسيحيا. أما الدول العربية التي تتشكل بنسبة 100 ٪ من المسلمين، فهي تعتمد اعتمادا كبيرا على العرب المسيحيين. وعلى سبيل المثال، المملكة العربية السعودية وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة تعتمد على المسيحيين اللبنانيين في كل ما له علاقة بالتجارة والبناء ووسائل الإعلام، فضلا عن جعلهم بلعبون دور صلة الوصل بين بلدانهم والدول الغربية. أما في الولايات المتحدة، فمؤسسو المنظمات العربية الاميركية التي تدافع عن المسلمين والحقوق المدنية العربية هم مسيحيون بمعظمهم، ومنهم: جيمس زغبي وجيمس أبو رزق وخليل جهشان ونائلة العسلي.

وبالتالي، فإن الهجمات الأخيرة على الكنائس المسيحية في العراق ومصر أمر غير مألوف على الاطلاق في نظر المسلمين المحليين، وهو استهداف غير مقبول - بل مرفوض- من قبل جميع المسلمين الحقيقيين في أنحاء العالم. تبعا لذلك ، فإن من واجب كل مسلم حماية المسيحيين والحفاظ على وجودهم ودورهم في الشرق الأوسط، سواء أكانوا من الكلدانيين أوالموارنة أو الأقباط الأرثوذكس، لأن هؤلاء المسيحيين هم جزء من النسيج الرئيسي لمجتمعات الشرق الأوسط وليسوا دخلاء كما يحاول بعض المتطرفين تصويرهم. ووفقا للقرآن الكريم ، فإنه يتوجب على المسلمين حماية جميع الناس الذين يعيشون بينهم والدفاع عنهم. والمسيحيون في الشرق الأوسط لا يعيشون مع المسلمين فحسب، بل يشكلون معهم عائلة واحدة. 
الهجمات التي يشنها المتطرفون على المسيحيين في الشرق الاوسط أدت إلى تضاؤل تدريجي في عدد هؤلاء في هذه المنطقة من العالم، وعلى هذا ان يتوقف الآن. ويجب على المسلمين الحفاظ على مسيحيي الشرق الأوسط لما لهم من دور تاريخي أساسي في ازدهار منطقة الشرق الأوسط. كما يتعين على القادة المسلمين أن يعربوا عن دعمهم لجيرانهم المسيحيين ويحموهم بكل الوسائل المتاحة، لأنهم بذلك يحمون عائلاتهم.

مسيحيو الشرق الاوسط هم جوهرة الشرق الثمينة. هم الأتباع الأوائل ليسوع المسيح الذي يشيرإليه القرآن الكريم باسم عيسى بن مريم، أو الابن البكر للعذراء مريم التي يعتبرها القرآن الكريم أشرف وأطهر امرأة في تاريخ البشرية. وعلاوة على ذلك ، فإن كنائس الشرق الاوسط هي الكنائس الاولى التي أنشئت في العالم. 
منطقة الشرق الأوسط هي مهد المسيحية كما هو معلوم، والمسيحيون في هذا الشرق هم تاريخ حي ينبض بالحياة، وكما كان لهم تاريخهم في هذه المنطقة من العالم، فإن لهم حاضرهم الباهر ومستقبلهم الواعد فيها.

 

American Lebanese Center for Cultural Research - 2011