من ميشال إده “المؤسس” إلى نعمة فرام “المؤسساتي” -بقلم: دافيد عيسى
قبل عدة أيام جرت في بكركي برعاية وحضور البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عملية تسلّم وتسليم في رئاسة “المؤسسة المارونية للإنتشار” بين رئيس المؤسسة الوزير ميشال إده ونائبه المهندس نعمة جورج فرام.
هذه المناسبة مع ما تعنيه من انتقال هادئ وسلس للمسؤولية والأمانة في واحدة من اهم المؤسسات المارونية، تنطوي على معانٍ وابعاد وعِبَر لا بدّ من التوقف عندها, من هنا كتبت واردت ان اسجل الملاحظات التالية :
يُسجّل لميشال ادّه انه بنى مؤسسة قائمة على أسس راسخة ومبادئ وطنية نجحت وفي فترة زمنية قصيرة في تحقيق جزء اساسي من هدفها المتمثل في جمع شمل الموارنة خصوصآ والمسيحيين عمومآ حول العالم وتجميع وتفعيل طاقاتهم وتمتين اواصر العلاقة والتفاعل مع وطنهم الأم وكنيستهم المشرقية.
نجاح هذه المؤسسة يعود بشكل اساسي الى اعتمادها طريقة علمية وعملية في مقاربة الأمور والملفات وفي التعاطي مع قضايا المغتربين ومحاكاة هواجسهم وتطلّعاتهم.
فقد اثبتت هذه المؤسسة قدرة فائقة على التخطيط والتنفيذ وإقران القول بالفعل واتباع منهجية علمية وتحقيق انجازات عملية.
ولعلّ المؤسسة المارونية للإنتشار من خلال ما حققته وانجزته تبعث برسالة الى الدولة والحكومة اللبنانية تحثّهما فيها على تغيير جذري في نمط التعاطي مع المغتربين اللبنانيين والإنتقال من مرحلة الأقوال التي طالت كثيراً الى مرحلة الأفعال التي بدأت مع “المؤسسة المارونية للانتشار”…
لقد تعوّدنا في لبنان ان نتغنّى دوماً بالمغتربين ونسمعهم الكلام الجميل ولكن يبقى السؤال ماذا فعلت هذه الدولة تجاههم؟ ولماذا استطاعت “المؤسسة المارونية للانتشار” ان تفعل ما لم تستطعه دولة “بقدها وقديدها” واجهزتها ومؤسساتها ان تفعله تجاه ابنائها المغتربين من خطوات عملية ؟ ولماذا تبقى دولتنا العلية متقاعسة تجاه المغتربين والمقيمين على حد سواء وبدل ان تشجع المغتربين على العودة تشجع المقيمين على الهجرة ؟.
كما تعودت الدولة ان تتوجه الى المغتربين وتزورهم في بلدان الاغتراب الواسعة عندما تحتاجهم ولتأخذ منهم مالاً وتبرعات، ولم تزرهم يومآ من اجل اعطائهم حقوقهم في استعادة جنسية بلدهم الام او لمعرفة احتياجاتهم والاهتمام بمطالبهم ورعاية مصالحهم الى ان اتى من يفكر بهم جديآ ويتابع همومهم من دون اية مصلحة او غايات او مطالب .
وهذا كله ما كان ليتحقق لولا ميشال ادّه الذي أضحى رمزاً للعطاء والتفاني والتواضع والمحبة والثقافة، وفريق عمل يضمّ كوكبة من رجال الفكر والأعمال في داخل لبنان وخارجه نذروا انفسهم من اجل خدمة وطنهم لبنان.
يُسجّل للوزير ميشال اده المعروف باخلاقه ووطنيته انه بنى مؤسسة فاعلة وناجحة، وانه عرف كيف ينسحب من رئاستها بهدوء وكبر في توقيت هو اختاره وبطريقة هو ارادها, من اجل تأمين انتقال سلس وتأكيد استمرارية ما كان بدأه واضعاً هذه الامانة الغالية على قلبه وعلى قلوب المسيحيين في عهدة من يستحق ذلك ومن هو اهل لتحمّل المسؤولية.
في هذا القرار المسؤول والشجاع يعطي ميشال اده عبرة وامثولة لرجال السياسة وقادة الأحزاب التي تتعاطى الشأن العام ان تداول السلطة والمسؤولية هو في صلب واساس التجدد والتقدم وحيوية المجتمع والمؤسسات الدينية والوطنية كون ادّه تخلّى طوعاً عن رئاسة المؤسسة راغباً في افساح المجال امام الطاقات الشابة مع انه ما زال قادراً على العطاء وتولي المسؤولية, هذا مع العلم ان لبنان والمسيحيين والموارنة خسروا في تنحيه عن المسؤولية خسارة كبيرة في هذا الظرف الدقيق الذي يعيشه المسيحيون في المنطقة العربية.
لا بدّ من التنويه والإشارة بمزايا وخصال ميشال اده الذي لم يعطَ حقه وحجمه في هذا الوطن البائس ولم تقدّر قيمته ومكانته كما يجب. فهذا الرجل استثنائي في شخصيته ومزاياه انشأ مدرسة في السياسة والوطنية وفي تعاطي وادارة الشأن العام، عنوانها الأول الأخلاق والعطاء دون مصلحة, وعنوانها الثاني التضحية من اجل اهداف سامية في بلد لا يعرف مسؤولوه الا سياسة الأخذ والكسب واقتناص الفرص.
ميشال اده اعطى الكثير في حياته ولم يأخذ شيئاً ولم يطالب يوماً بمقابل او ثمن… حيث كان ولا يزال رمزآ للعطاء دون حدود ومن دون منّة ودون ان تعرف يمناه ما تفعله يسراه في زمن اصبح فيه عمل الخير في بعض المؤسسات التي تدعي الانسانية “فولكلور متلفز” ودعاية شخصية.
لم يكن ميشال اده طيلة حياته الوطنية والسياسية الغنية بالتجارب والتحديات رجل قيم ومبادئ فقط، ولم يكن قامة كبيرة عالية نفتقدها كثيراً في هذا الزمن البائس، وانما هو ايضاً رجل فكر وموسوعة علم ومعرفة وصاحب رؤية وطنية راقية وسياسة اعتدال وانفتاح وحكمة وتبصّر وبعد نظر وسعة اطلاع.
اليوم انتقلت رئاسة “المؤسسة المارونية للإنتشار” من ميشال اده “المؤسس” الى نعمة افرام “المؤسساتي”، الذي يتمتع بذهنية مؤسساتية وبقدرة على ادارة مؤسسات كبيرة وناجحة ونأمل ان يكون خير خلف لخير سلف من خلال مواصلة عمل المؤسسة مع فريق ملتزم ومتخصص يتقدمه نائب الرئيس الجديد شارل الحاج الرجل الناجح مهنياً والذي اعطى الكنيسة المارونية الكثير من وقته وجهده وماله وكوكبة من السيدات والسادة الناجحين كل في اختصاصه امثال رشيد رزق, جوزيف غصوب, رزق رزق, بيار الضاهر, فرنسوا باسيل, سركيس سركيس, حسان العميل, بيار مسعد, جوزيف فغالي, اميل عيسى, روز انطوان الشويري, ميشال ابي نادر, انطوان واكيم, جوزف اسطفان وغيرهم من الاسماء الذي لا مجال لذكرهم فردآ فردآ والذين يعملون بصمت ووطنية اضافة الى فريق اداري ناجح على راسه مديرة المكتب “الجندي المجهول” السيدة هيام زاهي بستاني العاملة دون كلل او ملل ويوسف الدويهي مسؤول الدراسات والاحصاءات في المؤسسة “والعامل في حقل الكنيسة” منذ سنوات طويلة وغيرهم.
مبروك لنعمة افرام هذا الشاب الواعد والواعي والذي نشأ في كنف والده الوزير الراحل جورج افرام الرجل الوطني واللبناني الهوية والولاء، والسياسي الآدمي الذي كانت عنده السياسة مبادئ واخلاق فيما كانت عند غيره ولا تزال مصالح ومكتسبات.
نعمة افرام بدأ مشواره في مدرسة جورج افرام واكمله في مدرسة ميشال اده والمدرستان تتحدّران من اصول ومبادئ واحدة وتصبّان عند اهداف وغايات سامية ونبيلة ووثيقة الصلة بدور لبنان الوطن والرسالة، ودور الموارنة الطليعي والتاريخي في هذا البلد…
لا خوف ولا قلق على “المؤسسة المارونية للإنتشار” لأنها في ايدي امينة وفي عهدة اشخاص جديرين بتحمّل المسؤولية اخذوا على عاتقهم اكمال ما بدأه الرجل الكبير ميشال اده (اطال الله في عمره) ملتزمين رسالته ومبدأ العطاء في دولة ندُر فيها الرجال المخلصين.
*دافيد عيسى – سياسي ومحلل لبناني