ما مصير الحراك الشعبي في ظل تكبير حجم المطالب وكيف تتحدّد الأولويات؟
تحت عنوان "استقالة الحكومة لا معنى لها والرئاسة ليست للموارنة"، كتب محمد نمر في جريدة "النهار" ما يلي:
لا يختلف اثنان على أن التظاهرات الشعبية حرّكت عجلات السياسة في لبنان، وأظهرت لفريقي "8 و14 آذار" أن الساحة ليست مقتصرة عليهما فقط، بل هناك فئة "طفح الكيل" بالنسبة إليها جراء حال هذه الجمهورية التعيسة.
السياسيون لا يرون أي نتيجة من استقالة الحكومة "لن تقدم ولن تؤخر" برأيهم، وفي ظل التخبّط الذي تعيشه حملات المجتمع المدني لناحية المطالب، خصوصاً بعدما اعتمدت بعض الحملات سياسة "تكبير الحجر"، التي قسمت القوى السياسية بين طريقين لإنهاء حال المرض، فمنهم من يعتبر أن البداية تكون بانتخاب رئيس جمهورية، فيما يرى آخرون الانطلاقة ان الامر يبدأ من قانون انتخاب عصري وانتخابات نيابية مبكرة، في حين يتمترس المجتمع المدني خلف مطالبه المتنوّعة، ما فرض تساؤلات عدّة عن مصير حراكه الشعبي.
نيابيّة أو رئاسيّة أولاً؟
"عودوا إلى الكتاب" يقول الوزير
السابق شارل رزق ويدعو إلى
"الاعتماد على الكتاب في تحديد الأولوية"، ملمحاً بذلك إلى الدستور الذي يعطي الأولوية لانتخاب رئيس في ظلّ الشغور الحالي، ويشترط بألا
"يكون الانتخاب فقط لمجرد الاتيان برئيس، بل أن يكون ذلك جزءاً من عملية
اصلاحية متّفق عليها. لا نريد أي رئيس كي نضعه في بعبدا ونعطيه سيارات "وزمور خطر"، بل نريد رئيساً يحمل برنامجا
ورؤية يقرّرها مع فريق عمله الذي ينتمي إلى جميع الفئات اللبنانية".
وينتقد رزق الحديث
المتداول بأن "الرئاسة مارونية"، ويقول لـ"النهار":
"صحيح ان الرئيس يجب أن يكون مارونيًّا لكن الرئاسة ليست للموارنة بل لجميع
اللبنانيين، كذلك رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، فهناك فريق يحيط بالرئيس يكون
من كل الطوائف"، مشدداً على أن "انتخاب رئيس جمهورية لن يكون له معنى
إلا إذا كان عبر انتخاب برنامج، وشرط أن يفهم الرئيس أن الرئاسة للجميع، ولديه
فريق عمل من كل الفئات"، محذراً من أن "انتخاب أي رئيس سيدفع الامور نحو
الخطر".
ونبّه إلى "اننا إذا اتجهنا نحو انتخابات نيابية من دون فهم معنى البرلمان ودوره وكيفية صياغة قانون الانتخاب سنكون في مشكلة"، متسائلاً: "ماذا يعني قانون انتخابات عصري؟" ويضيف: "هذه الكلمة الخفيفة والسخيفة تعني قانوناً حديثاً، وهنا علينا أن نتذكّر أن بريطانيا أم البرلمانات والديموقراطية تَقرّر قانون الانتخابات الانكليزي فيها في القرن التاسع عشر على يد الملكة فيكتوريا، لهذا ليس من الضروري أن يكون حديثاً بمعنى انه مولود اليوم بل يجب أن يكون مدروساً، ولا بد من اعتماد الاكثرية في المجلس وليس الاتجاه نحو ثلثين أو غيره، ففي الخارج الأكثرية تنتخب، وإذا لم نطبق هذا الأمر فيعني أننا لا نفهم الديموقراطية".
قرطباوي
في المقابل يعتبر الوزير السابق شكيب قرطباوي أن "الانتخابات المبكرة هي الحل الوحيد، وحينها يقرّر اللبنانيون
من يريدون"، ويضيف: "لا بدّ من قانون انتخاب جديد ويمكن الاعتماد على الحالي لكن الأفضل أن يكون جديداً،
ويعبّر الناس عن رأيهم لتغيير الطبقة السياسية وإذا اختاروا الاشخاص أنفسهم تكون
مشكلتهم".
ألا تحتاج الانتخابات
المبكرة تعديلاً دستورياً؟ يجيب قرطباوي: "لا تحتاج إلى شيء، وعلينا أن ننسى
الدستور في لبنان لأننا في مشكلة، ومن يمدّد لنفسه أربع سنوات إضافية لا يجب أن
يتمسّك بالدستور". وسبق أن خاضت القوى السياسية لعبة البحث عن قانون وفشلت في
ايجاد الجديد، ويؤكد قرطباوي: "إن كانت هناك رغبة سياسية فسيتفقون، وإن كان
هناك قرار بإبقاء يدهم على الدولة بالطبع فلن يتّفقوا على قانون، وإذا وجد القرار
السياسي فمن السهل الوصول إلى قانون انتخاب، وحينها يُعاد تكوين السلطة لأن
الحالية لا شرعية لها".
ويسأل: "من
سينتخب رئيس جمهورية حالياً؟ هل النواب الـ 128 الحاليّون يمثّلون الشعب اللبناني؟
من أعطاهم الوكالة بذلك؟"، وفي رأي قرطباوي: "مهما كانت هوية الرئيس
المنتخب، فأنا ضد ان ينتخب هذا المجلس رئيسًا للجمهورية لأنه لم يعد لديه شرعية
شعبية".
مصير الحراك الشعبي
بات واضحاً ان القوى السياسية بأكملها باتت في مواجهة مع الحراك الشعبي، خصوصا بعد التصعيد الاخير بدخول وزارة البيئة، لكنهم يرون فيه أهمية ويقول رزق: "أهمية الحراك ليست في المطالب المتناقضة التي يرفعها، بل في أنه الدليل على أن "الكيل طفح" بالنسبة إلى اللبنانيين، وتكمن أهميته في أنه تجاوز كل التشكيلات السياسية التقليدية كـ "8 و14 آذار"، وأنه صرخة شعب وهذا امر ايجابي دفع أهل النظام إلى ادراك انهم ليسوا وحدهم في الساحة، وأن الخلاف بين "8 و14 آذار" لا يَختزل الحياة السياسية، بل ان هناك شعباً عريضاً لم يعد يتحمّل وعلى السياسيين أن يفهموا"، متسائلاً: "لكن هل سيفهمون؟ هذا ما لا نعرفه".
مطلب "استقالة الحكومة" بالنسبة
إلى رزق "لا يقدّم ولا يؤخّر والاستقالة لا تعني شيئاً"، مشيراً إلى أن
"مقياس نجاح الحراك يكون في مدى اتعاظنا جميعاً، وفي أن يتجه الطاقم السياسي
الحالي إلى انقاذ نفسه، فأنا لست مع إطاحته، بل المطلوب أن يصطلح ويعود إلى
المسلمات الأولى ويقلع عن الهرطقات التي وقع فيها، خصوصاً في موضوع أن الرئاسة
للموارنة والحكومة للسنّة لأن هذا يكرّس الطائفية بأبغض معانيها".
أما بالنسبة إلى
قرطباوي فإن "نجاح الحراك يتوقّف على مطالب الحملات"، ويقول: "إذا
كبّروا الحجر ستصغر امكانية النجاح، ولا بد من مطلبين اثنين الاول اجتماعي يتعلق
بالنفايات، والثاني سياسي بإجراء انتخابات نيابية بحسب قانون حديث لإعادة تكوين السلطة. وإذا عدنا إلى انتخاب النواب أنفسهم فنحن نكون شعبًا غير فاعل، وإذا
غيرنا فتكون بداية حقيقية للتغيير"، مشدداً على أن "استقالة الحكومة لا
تقدّم ولا تؤخّر".
حوار ينقذ البلد
تتجه القوى السياسية في 9 أيلول إلى حوار بمبادرة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويرى فيها رزق "مناسبة
للافرقاء لكي يفهموا انه علينا وضع لبنان المريض على الطاولة ونفهم مشكلته، أما أن
نتحاور ونرتجل فذلك لن ينفع"، مشيرا إلى أن "التظاهرات دليل مرض في
مجتمعنا السياسي، وآن الاوان لنفهم ذلك، والحوار فرصة لإنقاذ البلد، لكن هل
سيفهمون هذا الموضوع؟"
على الرغم من تأييده
للحوار إلا أن قرطباوي لا يرى فيه نتيجة ويسأل: "إلى أين سنصل بالحوار؟ طالما
ليس هناك اتفاق على انتخابات لإعادة تكوين السلطة فلن نكون قد فعلنا أي شيء"،
ويضيف: "قانون الانتخاب يحتاج إلى مجلس نواب وإذا اتفقوا في الحوار على قانون
فهذا أمر جيد، لكن هل هناك قرار بذلك؟"