إلى متى تُحرم الأمّ اللبنانية من إعطاء الجنسية لأسرتها؟
تحقيق سمار الترك – جريدة اللواء
مؤخراً احتفلنا سوياً بمناسبة عيد الأم أحب الأعياد على قلوبنا جميعا، لكن هذه المناسبة مرَّت علينا هذا العام أيضا وفي القلب غصّة وحسرة، ولا سيما أنه ما يزال هناك نساء كثر في العديد من البلدان العربية ولبنان طبعاً محرومات من حقهن في المواطنة الكاملة، إذ لا يحق للنساء العربيات المتزوجات من أجانب منح جنسيتهن لأزواجهن وأولادهن، حيث يقتصر هذا الحق بالآباء دون سواهم.
وخير دليل على ذلك، قضية سميرة سويدان التي
صارت قضيتها قضية رأي عام وأثارت العديد من ردود الفعل العربية والدولية. ففي
العام 1985 تزوجت سميرة سويدان (لبنانية) من رجل مصري الجنسية ورزقت منه بأربعة
أطفال: «زينة، فاتن، سمير ومحمد».
الزوج كان يقيم ويعمل
في لبنان إلى أن توفي سنة 1994، تاركاً لها أولاد قاصرين. فوقعت على عاتقها
مسؤولية التربية والرعاية والكفالة، وبدأت تعمل جاهدة ليل نهار لتكفي حاجاتهم.
لكن المفارقة أن
سميرة وجدت نفسها عاجزة عن منح أولادها جنسية البلد الذين ولدوا وعاشوا فيه...
فظلوا غرباء عنه ووجودهم كان مرتبط بمعاملات تجريها الأم سنويا مقابل مبلغ من
المال لتحديد إقامة أولادها وفي حال عدم استطاعتها تسديد المبلغ، تصبح مجبرة على
ترحيل الأبناء الأربعة.. ترحيلهم إلى بلد يحملون جنسيته، ولم تطأ أقدامهم أرضه
يوماً.
سميرة سويدان أطلقت صرخة تحدّت فيها الظلم، فرفعت دعوى بتاريخ 7/4/2005 أمام القضاء اللبناني طالبت فيها بإعطاء أولادها الجنسية اللبنانية، إلا أن هذه الدعوى بقيت تتأرجح لمدة 4 سنوات وبتاريخ 16/6/2005 صدر الحكم عن القاضي جون قزي واعتبر فيها أن الأولاد القصّر هم لبنانيون وقيدهم على خانة والدتهم في سجل الأحوال الشخصية وأعطى كلاً منهم بطاقة هوية.
لكن مع الأسف، القرار لم ينفذ، لا بل استأنفت هيئة القضايا في وزارة العدل ممثلة الدولة اللبنانية الحكم لاحقاً لانتزاع الحق الذي كادت سويدان تصله، وهو منح الجنسية لأولادها. وبتاريخ 13 نيسان 2010 كانت جلسة الإستئناف، وفي 18 أيار 2010 أصدرت محكمة الإستئناف الحكم برد دعوى سويدان، وهنا لم يجهض القضاء عزيمة سميرة التي خرجت لتعلن بأن المعركة لم تنتهِ مؤكدة إكمال المسيرة متجهة نحو محكمة التمييز علّ الجولة الثالثة تكون الحاسمة.
وهكذا في كل نشاط وتحرّك كانت هذه المرأة تمثل رمزاً لكل لبنانية تعاني من الإجحاف بحقها في الجنسية إلى حين تحقيق المساواة بين المرأة والرجل بهدف رفع الظلم المستشري في قوانينا.
بالأمس، ولمناسبة عيد الأم تحديداً عادت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» التي انطلقت منذ العام 2002 في لبنان وفي 5 بلدان عربية أخرى هي: سوريا، مصر، الجزائر، االمغرب، والبحرين، إلى متابعة النضال من أجل المساواة في قانون الجنسية تكريساً لحق النساء في المواطنة الكاملة، فاعتصمت أمام السراي الحكومي، وذلك للتعبير عن رفضها لنظام الطوائف العقيم الذي يعطّل حقوق الناس.
لتسليط الضوء على نشاط الحملة والإعتصام التقت «اللواء» مسؤولة الوحدة القانونية في «الحملة» كريمة شبو التي تحدثت بكل إسهاب عن أبرز المطالب، الصعوبات وأهم الإنجازات التي تحققت، فكان الآتي:
مشاركة من كل لبنان
س: بداية لو تعطينا لمحة عن الإعتصام الذي
قمتم به مؤخراً أمام السراي الحكومي؟
- كل سنة نقوم بتحرّك في مناسبة عيد الأم، لأن أول
مرة تم فيها تسليم مشروع قانون الجنسية كان في هذه المناسبة بالذات، كما أن أول
مرة تم رفعه للتصويت كان في هذه المناسبة أيضا. وقد تم رفعه للتصويت عليه في مجلس
الوزراء، كما أنه تم تشكيل لجنة وزارية لدراسة المشروع أيضا في مناسبة عيد الأم.
باختصار، كل التحركات
كانت تقوم بها حملة جنسيتي والأمهات كانت تتم في عيد الأم، علما أن شهر آذار مليء
بالمناسبات.
اعتصامنا في 22
الجاري الفائت كان فرصة لمشاركة الجميع، من كل لبنان، من أقصى الشمال الى
أقصى الجنوب، من البقاع الى بيروت، الى الضاحية الجنوبية، الكل شارك معنا في هذا
التحرّك، أمهات من كل لبنان، نساء من كل لبنان، ناشطين وناشطات من كل لبنان. وقد
نسقنا أيضا مع جمعيات المجتمع المدني، لأن هذا المطلب لا يقتصر على مرجعية وإنما
هو مطلب حقوقي بالدرجة الاولى ويعني الكل.
ومن الملفت أيضا أنه
كان هناك مجموعة من الشبان والشابات من مختلف الدول العربية، خاصة الدول التي عدّل
فيها القانون، 20 شابا وشابة جاءوا ليشاركوا معنا لدعم نساء لبنان، وكان هناك
علامات تعجب في عيونهم، هل يعقل أن لبنان الذي يعتبرونه بلد الانفتاح والحضارة
وحتى الأن لم يعدّل القانون فيه لأقل الحقوق حق المرأة بالجنسية؟!
أيضا كان هناك حضور
لوسائل الإعلام كافة لأننا نعتبر الإعلام شريكا أساسيا، كما نعتبر التنسيق مع
المجتمع المدني أساسيا، إلآ أن الإعلام يبقى الداعم والمساند الأساسي للمطلب
وللحملة».
تعاون وتنسيق.
س: ما هي الخطوات التي ستتبع «التحرّك»؟
-عمل «الحملة» لا
يقتصر فقط على الأرض، العمل على الأرض هو جزئي ومن الأشياء الأساسية للخطة التي
تعمل من أجل تعديل القانون، والتي بدأنا فيها من بداية هذا العام بالتنسيق مع
الوزارات والمؤسسات مثل الأمن العام، خاصة وزارة الداخلية من أجل تسوية وتسهيل
الإجراءات الخاصة بأولاد وأزواج المرأة اللبنانية.
هذه من الأشياء
الأساسية، لأن هناك معاناة وصعوبات وعوائق لا يمكننا أن ننتظر أن تنتهي هذه الأمور
لكي يعدل القانون، ومن الأشياء الأساسية أيضا أننا نلتقي كل المسؤولين المعنيين».
نحاول كسر كل الحواجز.
س: ماذا عن التعاون والتنسيق مع المسؤولين؟
- لقد قمنا بهذا سابقا، وسنستمر بالتعاون والتنسيق مع كل التغيّرات،
وذلك بهدف رصد آرائهم وما يمكنهم أن يقدّموه كسياسيين ومسؤولين وأصحاب قرار، ولا
سيما أنه عندما يكون هناك استحقاق ما فإنهم يتحالفون في ما بينهم من أجل المصالح
المشتركة، ومن أجل مصالح التحالفات، والمصالح السياسية البحتة.
كل مخاوفهم والتي ليس
فيها شيء من الواقع، والتي تشمل التوزيع والخلل الديموغرافي الذي (يصرعوننا) به
دائما، كل هذه الحواجز نحاول كسرها، صراحة نحن لا نقوم فقط بالتوعية للمعنيين
والجمهور، بل أيضا للمسؤولين والسياسيين، لدرجة أنه يمكنك الأن أن تلاحظي بأن
السياسيين عندما يتغنّون بالإنفتاح وبالتمدّن فإنهم يتكلمون بحق المرأة بالجنسية
بمناسبة وبدون مناسبة، وبالرغم من أن هذه المسألة باتت تفاجئ البعض في بعض
الأمكنة، إنما هذا أمر جيد».
الصعوبات
س: ما هي أبرز الصعوبات التي تواجهكم؟
- الصعوبات هي حجج يخلقها السياسيون، وكما قلنا
فإنها تعود لتمسّكهم بمصالحهم والتي تتمثل بمسألة التوزيع الديموغرافي، من المعيب
أن نقول بأنه سيصبح عندنا طائفة أكثر من طائفة، وطائفة تزيد على طائفة، هذه اشياء
من المعيب أن نبحثها. الأمر الثاني أنهم يتكلمون عن فكرة التوطين التي يتحدثون
عنها دائما، بينما هي ليس لها أي معنى من الصحة، لأننا لا نتكلم عن قضايا
الفلسطينيين وإنما نبحث قضية المرأة اللبنانية بغضّ النظر عن جنسية زوجها، ونحن لا
نساوم ولا نطالب بأي إستثناءات، ولا يمكن أن نقبل بأي استثناءات، لأنه بالنسبة لنا
لا يمكن أن نساوم بين إمراة وامرأة، لان ذلك يجعلنا نطالب بالمساواة بين المرأة
والمرأة في حين أننا نطالب بالمساواة بين المرأة والرجل، وامرأة أخرى كونها متزوجة
من جنسية يعتبرونها وضع شائك، وللتأكيد أن كل ذلك حجج، فإن ما يدحض هذه المسألة
المراسيم التي صدرت قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فقبل أسبوعين
من نهاية ولايته أصدر مرسومين منح فيهما الجنسية لحوالى 700 شخص كلهم من الجنسيات
التي يضعون عليها taboo و«فيتو»، على نسبة من هؤلاء هم من الجنسية السورية ثم تليها الجنسية
الفلسطينية، فإذا كانوا يتكلمون عن التوطين بأنه يعارض الدستور على أي اساس أعطوا
هذه الجنسية، 99% من الذين منحوا الجنسية مؤخرا هم من طائفة واحدة، أو من طائفة
معينة، هذا يعني بأننا هنا ننظر الى الحقوق من منظار طائفي.
وإذا توجهنا الى
المحاكم الدولية أو الى كل العالم لا يمكن أن نجد بأن الحق يقاس من خلال الطائفة،
أو من خلال اللون، أو من خلال الدين لأن هذه عنصرية بحد ذاتها.
الإنجازات
س: ماذا عن الإنجازات التي تحققت؟
- الحملة انطلقت من لبنان، وكما يقال باللبناني:
«لبنان أم الصبي»، هي انطلقت في لبنان وفي عدد من الدول العربية، أي أنها كانت
بمثابة حملة اقليمية. وقد تمكّنا من تعديل القانون في مصر سنة 2004 وفي سنة 2005
عدلنا القانون في الجزائر، وفي آواخر العام 2007 عدلنا القانون في المغرب، وهكذا
حيث عدّل القانون في بلدان كثيرة مثل اليمن والإمارات وحتى السعودية والكويت
مؤخرا، نلحظ بأن القانون عدل في أغلب الدول العربية.
ومن الأشياء الأساسية
التي قامت بها الحملة من خلال عملها، حيث كانت قد أطلقت تعديل القانون لأنها كانت
تعمل على أن تكون قريبة من المعنيين، ووجدت بأن هناك مشاكل بحاجة لأن تعالجها
بالتوازي مع حملتها، فتبيّن بأنه توجد مشاكل كثيرة حيث كان يتم ترحيل الزوج كل 3
أشهر، وترحيل الأولاد إذا أنهوا الدراسة في سن معين... كان هناك أزمات كثيرة وقد
استطعنا من خلال التنسيق والتحركات من تحقيق الكثير من الأمور الإيجابية من خلال
التواصل مع السياسيين والمسؤولين وكان يومها الوزير زياد بارود وزيرا للداخلية،
فتمكّنا من إصدار قانون مجاملة يعطي الإقامة المجانية لأولاد وزوج المرأة
اللبنانية لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد. والحقيقة أن هذه كانت خطوة مسكّنة ولكنها
مريحة، وكان لا بد منها، إنما الأساس هو الوصول لتعديل قانون الجنسية.
ومن الأمور التي كان
فيها تجاوب أيضا أن وزارة العمل أصدرت ما يشبه القانون بالنسبة لبعض الاعمال التي
كانت حصرا للبنانيين حيث أصبح بإمكان أولاد المرأة اللبنانية القيام بهذه الاعمال،
ولكن تفعيله على الارض بطيء، وهنا يأتي دورنا في تفعيله إلا أن على الدولة أن تعمم
مراسيمها على الأرض وتطبقها فعليا».
مطلبنا المساواة في الحقوق والواجبات
س: ما الذي أردتم إيصاله من خلال هذه
«الحملة»؟
- الإعتصام كان يوما حقوقيا بامتياز، لأنه جاء تحت
شعار: «المواطنة» ونحن عندما نتكلم عن المواطنة الكاملة يعني أننا نشمل كل حقوق
المرأة. مطلبنا المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، وعندما أطلب
المساواة بالقوانين يعني أنني أطلب المساواة بالقوانين في كافة الحقوق، وتحت شعار
المواطنة الكاملة والفاعلة، فأنا كمواطنة أريد أن لا تكون مواطنتي مجرد إسم مواطنة
تنتمي لهذا البلد فقط، فأنا لا أكون فاعلة إلا من خلال حصولي على حقوقي وقيامي
بواجباتي، حقوقي كاملة دون أية مساومات.
لذلك فإن تعديل قانون
الجنسية هو من الأشياء الأساسية في البلد، ولا سيما أن أول دليل لأن يكون الإنسان
مواطنا هو جنسيته، أي أن يحمل جنسية البلد الذي ولد ويعيش فيه، أو أنه ينتمي إليه.
وطبعا نحن ما كنا
لنمرّ في هذه المرحلة الدقيقة لو كان هناك من رئيس للجمهورية، فالبلد شبه مشلول..
والسؤال: ماذا يمكننا أن نفعل؟ بالنسبة لنا الحقوق لا تنتظر، أحيانا كثيرة يقولون:
وضع البلد، الوضع الأمني...
منذ متى ونحن نسمع كل
يوم الكلام عن وضع البلد؟! الأولويات السياسية والأمنية والمصالح لا تأتي قبل
أولويات الحقوق. بالنسبة لنا كل شيء هو أولوية، الحق هو أولوية، ولا أي إنسان يقبل
التجزئة ولا أن يتقدّم ويتأخّر تبعا لمزاجات معينة، مثل «ترمومتر» الطوائف،
و«ترمومتر» المصالح. المرأة دائما موجودة، وأسرتها دائما موجودة والمعاناة مستمرة
دائما سواء اجتمعوا أو لم يجتمعوا، سواء كانوا موجودين أو لم يكونوا موجودين. إن
كان هناك من رئيس للجمهورية أو لم يكن هناك من رئيس.
هن متواجدات
ومعاناتهن موجودة، ورفع هذا الظلم هو أولوية بالنسبة لنا. حين يقع أي إشكال تنزل
قوات معينة لكي تحلّه وتضبط الأمن، نفس الشيء في هذه المشكلة الواقعة على النساء
اللبنانيات لذلك لا بد من أن يتم اصدار أي شيء لأجل رفع هذا الظلم وكلنا نعرف
بأنهم إن أرادوا باستطاعتهم إصدار مرسوم عاجل لحل هذه المشكلة».
أولويات وأحقية
س: إذا أرادوا ذلك؟
-
يجب أن يريدوا، فأنت إن قرأت التجنيسات التي حصلت تجدين بأن
هناك أناسا لم يمروا في لبنان، ولم يمروا في سماء لبنان، تجدين أسماء قد تحتاجين
الى قواميس لكي تستطيعين قولها. نحن لسنا ضد ولكن نحن نقول بأنه توجد أولويات،
توجد أحقية.
وهنا إسمحي لي أن
أطرح السؤال التالي: لو أن الفكرة تؤدي الى خلل ديموغرافي فلماذا عندما يتزوج
الرجل من أي جنسية ليس هناك أي taboo على أي منها وبإمكانه ان يمنح الجنسية اللبنانية لزوجته؟! وإذا كنا
نتحدث عن التوطين لماذا المرأة الفلسطينية حين تتزوج من رجل لبناني تحصل على
الجنسية؟!