جواز السفر اللبناني ضحية الوضع الأمني والقدرات المحدودة
تحت عنوان "عاشِر أسوأ جواز سفر" نشرت جريدة النهار تحقيقاً عن التراجع الذي لحق بالقيمة المعنوية لجواز السفر اللبناني وأسبابه. جاء فيه:
غالباً ما ينتظر اللبناني حصوله على تأشيرة السفر أو الـ"فيزا" من السفارة المعنية، حتى يسافر خارج الأراضي اللبنانية. فجواز السفر المحلي يتيح له الدخول بلا "فيزا" إلى 38 دولة فقط، أي 17% تقريباً من دول العالم. هذا "الضعف" الذي يعانيه جواز سفر اللبنانيين لا يزال مستمرّاً، فهو يُصنَّف من أسوأ جوازات السفر عالمياً لناحية المحدودية التي يقدّمها للمواطن اللبناني في حرية سفره.
عاشِر أسوأ جواز سفر
تختلف قدرة وصول الراغب في السفر إلى دولة معينة بحسب جنسية جواز سفره، فتجواله في العالم يكون صعباً وطويلَ العناء إذا ما كان جواز سفره لبنانياً، وهو ما بينه التقرير السنوي للمؤسسة القانونية العالمية المتخصصة بالهجرة Henley & Partners بالتعاون مع اتحاد النقل الجوي الدَّولي. ففي تقريرها الأخير (عن عام 2013) الذي نُشِرت خريطة بيانية عنه في مجلة GOOD Worldwide في حزيران الماضي، يتبين أن جوازات السفر ليست متساوية "القوة"، بما أن بعض الدول توفر حرية سفر كبيرة لمواطنيها، فيما لا يتمتع مواطنو دولٍ أخرى بهذه الحرية، ما يشرح حاجتهم للـ"فيزا".
جواز السفر الأميركي "يفتح" العالم أمام الأميركيين، إذ يتمتعون بحرية الدخول إلى أراضي 172 دولة (في زيادة على عام 2012) من غير الحاجة إلى أي تأشيرة سفر، ما يجعله أحد أفضل "الباسبورات" عالمياً لناحية السفر غير المقيّد الذي يوفّره. لكن قدرة الأميركي على أن يكون "ماجيلان" فَيدورُ حول العالم، يفتقدها المواطنون العراقيون مثلاً، إذ لا يمكنهم دخول إلا 31 دولة عبر جواز سفرهم، الباكستانيون 32 دولة، أما الأفغانستانيون فـ28 دولة، أي 13% فقط من دول العالم.
إذ إن جواز السفر من دولة أفغانستان هو أسوأ جواز سفر في العالم، بحسب تقرير Henley & Partners، و"الباسبور" العراقي هو في المرتبة الثانية سوءاً، أما اللبناني فهو العاشِر سوءاً، تماماً مثل "الباسبور" السوداني. من جهةٍ أخرى، يُبرز التصنيف في التقرير أن "الباسبورات" الفنلندي والسويدي والبريطاني هي الأفضل في العالم بعدما احتلت المرتبة الأولى في حرية السفر، فبإمكان مواطني هذه الدول السفر إلى 173 دولة، من غير الحاجة إلى "فيزا". وأتت دول الدانمارك وألمانيا ولوكسمبورغ والولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الثانية، حتى أصبح الحصول على "باسبور" أميركي يُعتبَر كربح اليانصيب عند مواطني الدول النامية.
"قوة" جواز السفر من "قوة" الدولة
بعد التدقيق بالتقرير المذكور، يظهر أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي الأفضل لحمل "باسبورها"، فهي احتلت تسعة مراكز بين المراكز العشرة الأولى كأفضل "باسبور" في العالم. يؤدي هذا "الإنجاز" الأوروبي إلى ملاحظة مدى تأثير تطوّر الدولة على جواز السفر فيها.
إذ أوضحت المؤسسة القضائية Henley & Partners، التي ترصد الضبوطات على تأشيرات السفر في العالم وتحلّل تغيّراتها سنوياً، إلى أن حاجة الشخص إلى تأشيرة دخول إلى دولةٍ ما أو عدمَ حاجته إليها، يدل إلى العلاقة بين الدولتَين (الدولة التي يحمل "باسبورَها" والدولة المستقبِلة له)، وإلى سمعة دولته في المجتمع الدَّولي.
فبشكلٍ عام، يتمتع حاملو "الباسبورات" من أميركا الشمالية وأوروبا بأكبر قدر من حرية السفر، فيما تَحُدّ "الباسبورات" من أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا منها. إذ إن العلاقات الدَّولية تضطلع بدور كبير في "قوة" جواز السفر، بما أنه يتأثر بمكانة كل دولة بالنسبة إلى أخرى. هذا ما يشرح الزيادة في حرية السفر مؤخّراً عند كوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة والهند جرّاء تطور علاقاتها الدَّولية.
الدولة الأخرى تحدد حاجة اللبناني إلى "فيزا" أو عدمها
يوضح رئيس دائرة الجوازات في المديرية العامة للأمن العام النقيب علي ترمس لـ"النهار" أن موقع لبنان المتدني بالنسبة إلى حرية السفر "نتيجة المعايير التي تضعها الدول المستقبِلة للأجانب على أرضها"، مؤكداً أن المسألة ليست بيد الأمن العام اللبناني: "فالدول المستقبِلة هي التي تقرر ما إذا يتطلب سفر اللبناني إليها تأشيرة دخول منها أم لا".
ويشير ترمس إلى أن رقم 38 الذي يدل إلى عدد الدول المستقبِلة اللّبنانيين بلا تأشيرة دخول، "قد يرتفع وقد يقل، بحسب علاقة الدولة الأخرى بلبنان، واستناداً إلى المعايير التي تضعها هي في مسألة استقبالها الأجانب على أراضيها"، مستشهداً بدولة تركيا التي أضحت اليوم مستقبِلةً اللبنانيين بلا "فيزا" بعد الاتفاقية التي حصلت حديثاً بينها ولبنان.
وكان قد أوضح مصدرٌ في الأمن العام لـ"النهار" في كانون الثاني الماضي بعد فترة من صدور التقرير المذكور، أن "الباسبور" اللبناني موثوقٌ به على المستوى الدَّولي من كل النواحي التقنية، وأشار إلى أنه سيجري العمل على جواز سفر بيومتري متطور يوفّر الكثير من الخدمات الإضافية لحامله ويحاكي أفضل جوازات السفر المعتمدة في العالم، مؤكداً أن تصنيف Henley & Partners يتطرق فقط لمسألة حرية السفر التي توفرها جوازات السفر في العالم.
"الباسبور" اللبناني ضحية الوضع الأمني والقدرات المحدودة
الوضع الأمني هو أحد المعايير عند الدول المستقبِلة للبنانيين في تحديد ما إذا ستعطيهم "فيزا" أم لا كي يدخلوا أراضيها، بحسب وزارة الخارجية والمغتربين. إذ يشرح مصدرٌ مسؤولٌ فيها لـ"النهار" أن "هذه الدول تتخذ احتياطاتها الأمنية وتخشى من أي خطر أمني تأتي به عبر إدخال أجانب قد يمسّون باستقرارها".
ويضيف أنه "كلّما تمكّنت الدولة من فرض نفسها كلاعبٍ قويٍّ في ساحتها الإقليمية وفي الساحة الدَّولية، كلّما ارتفعت فعالية جواز سفر مواطنيها"، ويلفت إلى أن "بعض الدول تسمح لمواطني دولة أخرى الدخول إلى أراضيها بلا "فيزا"، بما أن هناك مصالح اقتصادية وعلاقات تجارية كثيفة ومشاريع مشتركة بينهما، فهذا الأمر يكون من أحد التسهيلات في المعاملة بين الدّولتَين".
ويؤكد المصدر نفسه أننا "كوزارة خارجية نقوم بتحركاتٍ كثيرة في سبيل تثبيت موقع لبنان في الساحة الدَّولية وتفعيل دوره"، ويضيف أن "الوزير باسيل يسعى لزيادة عدد الدول التي يمكن اللّبناني السفر إليها من غير أن يحتاج إلى تأشيرة دخول"، ويلفت إلى أننا "نركّز أيضاً على إبراز الصورة الحقيقية للّبنانيين في العالم، عبر إبعاد صورة الإرهاب التضليلية التي تخيف الدول الأجنبية منّا". لكنه يشير إلى أن مساحة لبنان الصغيرة وقدراته المحدودة في العديد من المجالات هي التي تحول دون "لمعان نجمه" في الخارج.
لكن لم يمنع ذلك من تسهيل الوزارة من سفر اللبناني تدريجياً، "فاليوم تستقبل تركيا اللبنانيين بلا "فيزا"، جرّاء العلاقات الثنائية المتطورة بينها ولبنان، وأصبح بإمكان اللبنانيين أيضاً الحصول على "فيزا" لمدة 3 سنوات إلى البرازيل بعدما كانت لمدّة شهر واحد فقط، وذلك عبر الاتفاقية بين لبنان والبرازيل التي عمل الوزير جبران باسيل جاهداً لتحقيقها في 10 تموز الماضي في برازيليا" يوضح المصدر نفسُه.
*عن جريدة النهار