حزب الله هو الدولة إذا استمر الشغور وشريك مضارب إذا لم يستمرّ
كتب إميل خوري في "النهار":
يمكن القول أن "حزب الله" هو الحزب الوحيد المرتاح إلى وضعه في خضم أزمة الشغور الرئاسي التي قد تتفاقم وتجعل هذا الشغور يتمدد إلى الحكومة وإلى مجلس النواب إذا لم يتدخّل الخارج لردع اللبنانيين عن فعل ذلك.
ويقول سياسي مخضرم في هذا الصدد إن
"حزب الله" يبقى هو الدولة إذا لم تقم في لبنان دولة. وإذا قامت الدولة
فإنه يبقى الشريك المضارب فيها... ففي عام 2008 عندما لم يستطع إيصال المرشح الذي
يريد الى رئاسة الجمهورية عطّل نصاب جلسات الانتخاب ولم يكن في الإمكان الخروج من
لعبة التعطيل إلاّ بعد أحداث 7 أيار التي فرضت عقد مؤتمر الدوحة الذي توصل إلى فرض
اتفاق على الجميع كان لمصلحة الحزب وحلفائه، وتجرأ الحزب وحده على مخالفة هذا الاتفاق
فأطاح حكومة الرئيس سعد الحريري وفرض حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي.
وحاول الرئيس ميشال سليمان عبثاً إخراج البلاد من دوامة الازمات حول كل موضوع لا
يرضي "حزب الله" فلم يستطع وضع موازنة عامة مدة ولايته، ولا ملء المراكز
الشاغرة وهي كثيرة في الادارات العامة، ولا استطاع اجراء الانتخابات النيابية في
موعدها لخلاف على قانون جديد للانتخاب صار التمديد للمجلس الحالي، ولا استطاع أن
يجعل أقطاب الحوار يتوصلون إلى اتفاق على استراتيجية دفاعية تضبط استخدام سلاح
"حزب الله" لأن الحزب يرفض ذلك ويريد أن تبقى يده حرة في استخدام هذا
السلاح في الزمان والمكان اللذين يحددهما.
وكان أكثر ما جعل الرئيس سليمان يرتاح الى
انجاز مهم حققه قبل انتهاء ولايته هو خروج أقطاب الحوار باتفاق على "إعلان
بعبدا" الذي يحيّد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية
ويجنبه الانعكاسات السلبية للتوترات والازمات الاقليمية وذلك حرصاً على مصلحة
لبنان العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي. لكن الرئيس سليمان فوجئ بتنكر
"حزب الله" لما وافق عليه في طاولة الحوار ونكر وجود مثل هذا الاتفاق كي
يبرر لنفسه التدخل عسكرياً في الحرب السورية، وهو تدخل كان لا بد منه لمنع سقوط
دمشق في أيدي المعارضة السورية المسلحة وأتى بطلب من إيران التي لا مردّ لطلبها...
ولم يتقيّد الحزب حتى بسياسة الحكومة المشارك فيها بفعالية وهو سياسة النأي بالنفس
التي نالت ثقة مجلس النواب على أساس اعتمادها. وقد أدى هذا التدخل العسكري المكشوف
للحزب في الحرب السورية إلى استقالة الحكومة وإلى استمرار أزمة تأليف حكومة جديدة
برئاسة تمام سلام أكثر من عشرة أشهر ولم تكن لتتألف لولا تدخل كل خارج نافذ
وتحديداً السعودية وإيران، وقد تألفت من غالبية القوى السياسية الأساسية في البلاد
حتى إذا ما حصل شغور رئاسي، فإن هذه الحكومة تكون صالحة ومؤهلة لممارسة صلاحيات
الرئيس عند انتقالها إليها. وبات يخشى إذا ما حصل خلاف على ممارسة هذه الصلاحيات
أن تنفجر الحكومة من الداخل إذا شاء الخارج، الذي صنعها، ذلك، بحيث لا يعود سبيل
للخروج من الفراغ الشامل سوى تعديل دستور الطائف أو وضع صيغة نظام جديد للبنان
يكون لـ"حزب الله" المسلح الكلمة الفصل فيه لأن أي صيغة وإن سيئة تبقى
أفضل بكثير من فراغ أسوأ قد ينهي وجود لبنان وحدة وكياناً.
ولم يكتفِ "حزب الله" بمخالفة
"إعلان بعبدا" لأن "واجب التدخل العسكري في الحرب السورية هو واجب
مقدس"، إنما خالف كل بنود هذا الاعلان فلم يلتزم نهج الحوار والتهدئة الامنية
والسياسية والاعلامية والتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة، ولا العمل على تثبيت
دعائم الاستقرار وصون السلم الاهلي والحؤول دون اللجوء الى العنف والانزلاق
بالبلاد الى الفتنة وعدم اللجوء الى السلاح والعنف ايا تكن الهواجس والاحتقانات
وتعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام الى القانون والمؤسسات الشرعية لحل أي
خلاف أو إشكال طارئ إلا عند تأليف الحكومة الحالية لأن تأليفها تم بإرادة خارجية
وليس بإرادة لبنانية، وبات يخشى أن يذهب بها الخارج ساعة تقضي مصالحه بذلك.
ولا همّ اليوم عند الحزب اذا استمر الشغور
الرئاسي أو تم التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية يملأ هذا الشغور لأن الحزب بات
دولة بكل مقومات الدولة المالية والعسكرية والاقتصادية، فلا اتفاق على انتخاب رئيس
للجمهورية إلا اذا كان هذا الرئيس مقبولاً من الحزب وإلا استمر تعطيل جلسات
الانتخاب، ولا شيء يمنع ذلك سوى أن يقرر النواب المسيحيون ولا سيما الموارنة كسر
حلقة التعطيل بحضور جلسات الانتخاب وليفز من يفوز رئيساً ينال الاكثرية النيابية
المطلوبة. وإذا استمر الشغور الرئاسي وتمدد إلى الحكومة ومجلس النواب فإن المؤتمر
التأسيسي يصبح أمراً لا مفرّ منه للخروج من أزمة حادة لا أفق لها، وإذا انتخب رئيس
سواء كان مقبولاً من الحزب أم غير مقبول منه، تبقى في لبنان دولتان وجيشان إلى أجل
غير معروف... أو إلى حين يتمّ التفاهم بين أميركا وإيران والسعودية على إقامة دولة
واحدة في لبنان كما تم التفاهم على تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، كما سمّاها
الرئيس سلام أو حكومة التسوية كما سمّاها "حزب الله".