الراعي سيتصدّى لمحاولات التمديد للنواب
كتب آلان سركيس في "الجمهورية":
لأنّ المرحلة تاريخية وخطرة على الوجود المسيحي في لبنان والشرق، وبعد عرقلة كلّ مساعيه، إتخذ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قراراً بمخاطبةِ المسيحيين مباشرةً، وهزّ العصا التي يحملها كما كان يفعل أسلافه من البطاركة، بعدما عجز عن إقناع بعض ممثّليهم من النواب بضرورة انتخاب رئيسٍ للجمهورية، رافضاً بقوة التمديد للمجلس النيابي منعاً لالتفاف النواب المسيحيين المعرقلين، لأنّ التمديد لهم، يُعتبر تمديداً للفراغ الرئاسي وإلّا إسقاطهم في الانتخابات النيابية المقبلة.
كان اللقاء الذي عقد في مطرانية بيروت
للموارنة بين الراعي ووزير خارجية أميركا جون كيري كفيلاً، ليُدرك البطريرك أنّ
الإستحقاق الرئاسي يقع على كاهله، فقد قال كيري بصريح العبارة إنّ «أميركا ليست في
وارد الاهتمام بملفّ رئاسة الجمهورية اللبنانية حالياً، وهي غارقة في ملفات كثيرة،
وعليكم أنتم كلبنانيين عموماً، وكموارنة خصوصاً حلّ هذه القضية بأنفسكم".
تلقَّف البطريرك كلام كيري «المعروف»
بالنسبة إليه، والذي رمى فيه حمل رئاسة الجمهورية على الموارنة والبطريرك منفرداً،
فسارع الى تحليل هذا الكلام، والعمل بموجبه. وبما أنّ النواب المسيحيين المقاطعين
قدّ صمّوا آذانهم ورفضوا الإصغاء الى الاصوات المنادية بضرورة انتخاب رئيس، فقد
اجتمع البطريرك أمس، بالمؤسسات المارونية التي جالت على الأقطاب الموارنة بعد
جوجلتها نتائج اللقاءات، لتبلغ إليه أنّ «كلّ زعيم يغنّي على ليلاه، حتى ضمن
الفريق الواحد".
وعلمت «الجمهورية» أنّ «المؤسسات المارونية
والبطريرك الراعي قرّرا مراقبةَ الوضع حتّى الموعد المقبل لانتخاب رئيس، أي في 9
حزيران، فإذا تجاوب النواب المسيحيون المقاطعون، وأمّنوا النصاب وحتّى لو لم
يُنتخب رئيس في هذه الجلسة، يبدأ البحث عن الرئيس الأوفر حظّاً، أو عن أيّ اسم توافقي
آخر من ضمن الأطر الانتخابية الرئاسية. وبما أنّ هذا الأمر مستبعدٌ، فقد ناقش
المجتمعون التحرّك الذي يوجع المعرقلين، وهو التظاهر أمام منازل النواب المسيحيين
المعطلين".
وفي التفاصيل، أنّ «المؤسسات المارونية
وبكركي قرّروا أنّ كلّ شيء مباح من أجل انتخاب رئيس ضمن القانون والدستور. وبما
أنّ منازل النواب المسيحيين معروفة، سيكون الخيار تنظيم تظاهرات حاشدة أمام
منازلهم، ورفع المطالب المحقّة من الشعب بضرورة نزولهم الى جلسة الإنتخاب، فيُحرَج
هذا النائب أمام ناخبيه في كلّ دائرة انتخابية، ويُضطر الى التوجّه للمجلس، لأنّ
الانتخابات النيابية قريبة والبطريركية المارونية تؤثر في الشارع المسيحي، لكن هذه
الخطوة تحتاج الى مزيد من الدرس، خصوصاً أنّ الشارع المسيحي منقسم بين 8 و14 آذار،
والبطريرك يريد أن تثمر الخطوة نتائج إيجابية لا أن تزيد التشرذم والتعقيد".
تملك بكركي ما يكفي من عناصر قوّة للتأثير
على الرأي العام المسيحي خصوصاً واللبناني عموماً. ففي العام 1992 دعا البطريرك
الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير المسيحيين واللبنانيين الى مقاطعة
الانتخابات، فالتزم الشعب.
وبما أنّ البطريرك صفير كان يمثّل
المسيحيين طوال فترة الإحتلال السوري للبنان، واستطاع التعبير عن هواجسهم
وتطلعاتهم بعد نفي قياداتهم وسجنها، يصرّ الراعي على تحريك الشارع، لكنّه سيقف في
المقابل بحزمٍ في وجه أيّ محاولة تمديد لمجلس النواب، لأنّه «لا يريد التمديد
لنواب فشلوا في انتخاب رئيس، ويريد استباق أيّ محاولة قد يلجأ إليها النواب
المسيحيون بالتمديد لأنفسهم للتهرّب من الانتخاب، لأنه يعتبر أنّ التمديد لهذا
المجلس هو تمديد للفراغ الرئاسي".
سيبدأ البطريرك بتصعيد لهجته في الشارع،
بهدف تحريكه، ليكون عنصراً مؤثراً في الانتخابات النيابية، ومن بعدها الرئاسية،
خصوصاً أنّ اللحظة الحالية هي لحظة مصيرية، وسيتدخل بقوّة لقيادة المسيحيين بعد
فشل القيادات السياسية، إذ إنّ العناصر المحلية والإقليمية والدولية عجّلت في
قراره بقيادة السفينة المسيحية، فترك ملف الإنتخابات الرئاسية للتسويات الإقليمية
والدولية، التي تحتاج الى مدّة طويلة لتتبلور، سيُبقي قصر بعبدا بلا رئيس.
وينتظر النواب المسيحيون المقاطعون الذين
ينتمون الى أقضية زغرتا، وجبيل وكسروان والمتن وبعبدا وجزين، إستقبال ناخبيهم، ليس
لتجديد التأييد لهم في مهرجانٍ انتخابي، إنما للتنديد بعدم قيامهم بواجبهم، بعدما
بات الوضع المسيحي على حدّ قول أحد المشاركين في اجتماعات المؤسسات المارونية أمس:
«زفت وكارثي".
يستطيع البطريرك مخاطبة المسيحيين اليوم
أكثر من أي وقت مضى، فهم يستمعون اليه وينتظرون منه اشارة الإنطلاق، مثلما كانوا
يصغون ويؤمنون بعمل البطاركة الذين مرّوا على الكرسي البطريركي. فاللحظة مؤاتية،
والبطريرك لا يزال يدرس خطواته بتأنٍّ، وهو لن يكشف كل أوراقه اليوم، لأن خطواته
ستأخذ منحى تصاعدياً.