مجلس النوّاب يغتال الشرعية والنظام يواجه فراغه السياسي
كتب مسعود ضاهر في "ملحق النهار":
منذ بدء التحضير لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، امتلأت الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية بتصريحات وافدة من الخارج تتناغم مع مثيلاتها في الداخل حول ضرورة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، من صنع اللبنانيين أنفسهم، وقبل الخامس والعشرين من أيار 2014. فقد أمل الأمين العام للأمم المتحدة بأن يمارس النواب اللبنانيون حقهم الطبيعي وواجبهم تجاه وطنهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن الموعد الدستوري، لأن شغور مركز الرئاسة يؤثر سلباً في استقرار لبنان. وكان المجتمع الدولي يتوقع إنجاز الإنتخاب الرئاسي بنجاح في موعده المحدد حرصاً على استمرار مؤسسات الدولة اللبنانية، ويأمل في أن يكون لبنانياً بالكامل، ومن دون تدخل خارجي. بدوره، طمأن رئيس الحكومة تمام سلام اللبنانيين أن الاستحقاق الرئاسي مسألة لبنانية بالكامل، وأن الحكومة تضع كل امكاناتها لتحقيق لبننة هذا الإستحقاق، على قاعدة استمرار التوافق اللبناني – اللبناني الذي تجلى في قيام "حكومة المصلحة الوطنية" التي يرئسها.
لم يقتنع اللبنانيون بتلك التصريحات
العاطفية. فقد عايشوا الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية أكثر من مرة منذ الإستقلال.
وأكدت وسائل الإعلام اللبنانية، على اختلاف توجهاتها السياسية، أن الفراغ مقبل لا
محالة بسبب الخلافات المستعصية بين زعماء الطوائف الذين يمثلون امتدادا لقوى
إقليمية ودولية تريد للبنان أن يبقى ساحة لتصفية الحسابات في ما بينها. ذلك يطرح
تساؤلات أساسية حول مدى قدرة النظام السياسي الطائفي في لبنان على الإستمرار في ظل
الفراغ المستشري في جميع مؤسسات الدولة من جهة، وقدرة زعماء الطوائف على الإستمرار
في تعطيل بنود الدستور أو تعديله وفق مصالحهم الشخصية من جهة أخرى.
بات اللبنانيون يتخوفون من شلل تام في
مؤسسات الدولة بعد دخول لبنان مرحلة الفراغ في رأس الهرم السياسي اللبناني، وفي
غياب التوافق على قانون جديد للإنتخاب مما يسمح لمجلس النواب بإعادة التمديد
لنفسه، وفي ظل هيمنة التفاهمات الوزارية في التعينات الأخيرة على قاعدة المحاصصة
الطائفية والمذهبية. فما هو مصير النظام الطائفي اللبناني الذي بات الآن في عهدة
الفراغ السياسي؟
أولا: دل الفشل الفاضح للطبقة السياسية في
إدارة العملية الانتخابية وفق نصوص الدستور اللبناني، على أن مجلس النواب كان
شريكا أساسيا في التعطيل من خلال توزيع الأدوار والإمتناع الطوعي عن حضور جلسات
الانتخاب. فتكرر التعطيل مراراً إلى أن دخل لبنان مرحلة الفراغ في منصب رئاسة
الجمهورية من دون شعور نواب الشعب بأنهم ارتكبوا خطيئة سياسية، ودستورية، وأخلاقية
في حق لبنان واللبنانيين.
ثانيا: أيقن اللبنانيون منذ البداية أنهم
أمام مسرحية متقنة لكنها مملة لمن تابع حلقاتها عبر شاشات التلفزيون. ولم تنفع
مناشدات المرجعيات الدينية والإقتصادية والشعبية في حمل مجلس النواب على انتخاب
رئيس جديد للجمهورية. فمن مدد لنفسه بصورة غير شرعية وغير دستورية، لم يعمل طوال
مرحلة التمديد على إعادة الإنتظام إلى العمل السياسي والدستوري لتلافي الفراغ في
لبنان. ولم يقر سلسلة الرتب والرواتب بطريقة عقلانية تنصف الفئات الشعبية المطالبة
بحقوقها المشروعة. المسرحية مستمرة قبل الفراغ وبعده. وهي مرشحة لمزيد من التأزم
بسبب الإنقسام الحاد بين الكتل البرلمانية وتحالفاتها الإقليمية.
ثالثا: بات في حكم المؤكد أن الدور
الإقليمي أساسي في اختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. وهو رهن بالتوافق على
رئيس وسطي تمتد ولايته لست سنوات، وتوكل إليه إدارة الأزمات السياسية والإقتصادية
والثقافية والإجتماعية والتربوية المتفجرة في ظل عجز الإدارة اللبنانية عن إيجاد
حلول عقلانية لها. هناك شروط إضافية تفرض على الرئيس التوافقي، منها تبني سياسة
حياد لبنان تجاه الأوضاع المتفجرة في سوريا من جهة، وتجاه الخطوات التنفيذية
لمشروع الشرق الاوسط الجديد من جهة أخرى. وبعدما فاخرت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي
بسياسة "النأي بالنفس" تجاه تلك المشكلات، باءت تلك السياسة بالفشل
واصبحت موضع سخرية. واستفحلت المشكلات الداخلية التي دفعت مئات الألوف من
اللبنانيين إلى الشوارع مطالبين الحكومة بإنصافهم. ويتخوف اللبنانيون من النتائج
الكارثية لحجم النزوح السوري المتزايد إلى لبنان، الذي بات يهدد أمنه واستقراره.
رابعا: بعدما تأكد عجز النواب اللبنانيين
عن إنتخاب رئيس للجمهورية "صنع في لبنان"، بات الشعب اللبناني على
اقتناع راسخ بأن الفراغ أو الإنتخاب لا يقرره زعماء لبنانيون على علاقة تبعية بقوى
خارجية. فهاجسهم الأساسي هو تعزيز مواقعهم في التركيبة السياسية اللبنانية وليس
الدفاع عن لبنان وحماية نظامه الجمهوري الديموقراطي. دلت تجارب سابقة على أن رئيس
الجمهورية في لبنان غالبا ما كان يتم اختياره عبر تفاهمات إقليمية ودولية يجري
تسويقها في اللحظات الأخيرة، وتنتهي بفرض رئيس جديد على قادة السياسة في لبنان.
خامسا: أكدت مسرحية تعطيل النصاب أن
المواطن اللبناني اليوم يتقبل فكرة الفراغ في أيّ موقع سياسي أو إداري في لبنان.
فالفراغ قائم على أرض الواقع لأن مجلس النواب مدد لنفسه بصورة غير دستورية وتنكر
لمواد الدستور اللبناني التي تؤكد أن الشعب هو مصدر جميع السلطات في لبنان ويعبّر
عن إرادته بالإنتخاب الديموقراطي الحر. وتقبل اللبنانيون مسألة الفراغ عند تشكيل
الحكومة الحالية بعد أكثر من عشرة أشهر على تسمية رئيسها، إلى حين التوافق الداخلي
والإقليمي على تقاسم مناصب الوزارة وفق تفاهمات طائفية ومذهبية. الأخطر من ذلك أن
اللبنانيين اعتادوا على انتظار قرارات مصيرية تطال نظامهم السياسي، تؤخذ في الخارج
ويصفق لها الزعماء اللبنانيون.
سادسا: بعد خيبات أمل متلاحقة أضعفت ثقة
اللبنانيين بنوابهم وبأحزابهم السياسية، تولد لدى المتنورين اللبنانيين اقتناع
راسخ بضرورة العمل الجاد لإعادة ثقة اللبنانيين بأنفسهم أولا، وبقدرتهم على اختيار
نواب أكفاء وغير مرتهنين إلى الخارج، للقيام بإصلاحات جذرية تفضي إلى تغيير شامل
على مختلف الصعد. برزت نخب شبابية وعمالية وثقافية وأكاديمية تطالب بثورة بيضاء
عبر نزول اللبنانيين الى الشارع بأعداد كبيرة لفضح تحالف رجال السلطة والمال
والإقتصاد الذي يهدد حياة الغالبية الساحقة من الفئات الفقيرة والمتوسطة في لبنان.
وأثبتت أزمة سلسلة الرتب والرواتب أنها رأس جبل الجليد الذي كشف حجم الفساد السياسي
والإداري والمالي والأخلاقي على مستوى الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان. لكن قادة
هذا التحالف، في السلطة والإقتصاد، يصرّون على صمّ آذانهم عن الدعوات المطالبة
برفع الظلم عن الطبقات الشعبية. وهم يحتكرون السلطة لأنفسهم ولا يقيمون وزناً
لجماهير الشعب اللبناني التي تتحضر لخوض معركة تطوير النظام أو إسقاطه بعدما بدت
عاجزة عن محاسبة نواب يمنعون ولادة قانون عادل للإنتخاب، وبعدما عجز القضاء عن
معاقبة الفاسدين.
سابعا: من السهل القول إن انتخاب رئيس جديد
للجمهورية اللبنانية كان هامشياً بالنسبة إلى عدد كبير من اللبنانيين. فالرئيس
التوافقي لا يتمتع بالصلاحيات الواسعة التي كانت له قبل دستور الطائف. ولم يعد
دوره مؤثرا في الحياة السياسية اللبنانية في ظل الإنقسامات الحادة بين الكتل
السياسية الكبيرة. لكن الفراغ المتمادي في مركز رئاسة الجمهورية يشير إلى أزمة
حادة في بنية النظام الطائفي في لبنان. وهو الآن موضع إنتقادات حادة تطالب بنسف
ركائزه لإقامة نظام سياسي جديد لا ينبني على الطائفية بل على مساواة اللبنانيين
جميعا أمام القانون، في الحقوق والواجبات. أما زعماء الكتل السياسية الكبرى
فيرفضون الجلوس إلى طاولة الحوار لتعديل النظام السياسي أو تطويره. وبدا الرئيس
التوافقي عاجزاً عن أن يكون حكماً بين الأطراف المتنازعين. ولا بد من إعادة بعض
صلاحياته ومنها حل البرلمان وفق مواد يحددها الدستور عند عجز النواب عن إنتخاب
رئيس جديد للجمهورية، أو عجزهم عن إقرار الموازنة السنوية، أو تقاعسهم عن محاسبة
الحكومة أو عن إنجاز قانون عادل للإنتخابات البرلمانية.
ثامنا: لم تكن مواصفات رئيس الجمهورية ومدى
تمتعه بقاعدة شعبية عريضة، وبتحالفات سياسية قوية، وبالكفاءة الشخصية لإدارة دفة
الحكم في لبنان، على جدول أعمال القوى الإقليمية التي لم تتفق حتى الآن على إختيار
رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. كل ما رشح عن تصريحات بعض المسؤولين فيها أنها
تريد رئيسا توافقيا لإدارة الازمات اللبنانية. وعندما فشل التوافق على مرشح واحد
يرضي القوى الإقليمية الفاعلة في الأزمة اللبنانية قبل نهاية الفترة الدستورية
لإنتخابه، دخل لبنان مرحلة فراغ قد تكون مصيرية وطويلة الأمد. من يتحمل مسؤولية
الفراغ هم نواب الشعب اللبناني أولا، ومن جميع الكتل البرلمانية. فقد تمنعوا عن
القيام بواجباتهم الدستورية والوطنية والأخلاقية في حضور الجلسات. وتنكروا لرغبات
الشعب اللبناني الذي منحهم الشرعية الدستورية للمشاركة في إدارة دفة الحكم وليس
لتعطيل مؤسسات الدولة اللبنانية.
فمن أول واجباتهم إنتخاب رئيس للجمهورية
كتعبير عن إحترامهم لبنود الدستور اللبناني، والقيام بأعمال التشريع لمساعدة
السلطة التنفيذية على القيام بواجباتها على أفضل وجه، ومحاكمة من يتخلف عن القيام
بواجباته في خدمة المصالح الأساسية والحيوية للشعب اللبناني. نشرت مقالات عدة
لمثقفين لبنانيين بارزين تتهم مجلس النواب الحالي بأنه أدخل لبنان في المجهول، ولم
يعد يحظى بثقة الشعب الذين طالب النواب مرارا بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتفعيل
مؤسسات الدولة لمساعدة اللبنانيين على مواجهة أزماتهم الداخلية والتحديات
الإقليمية التي تهدد بقاء لبنان.
بعبارة موجزة، لقد فشلت الطبقة السياسية في
لبنان في إدارة شؤون اللبنانيين بعدما عطلت المراكز الأساسية في الدولة. ودخل
زعماء لبنان مرحلة تلقي النصائح الخارجية حول ضرورة توافقهم على كيفية تنظيم
الفراغ بعد 25 أيار 2014 بحيث لا يصيب مؤسسات الدولة بالشلل الكامل. وبرزت مواقف
متباينة حول تفسير الدستور لإدارة مرحلة الفراغ. فهل هذه الحكومة مؤهلة لإدارة
الفراغ الرئاسي؟ وهل لديها الصلاحيات الدستورية لإتخاذ قرارات مصيرية مهمة تتطلب
توقيع جميع الوزراء؟ علما أن وجود رئيس للجمهورية يتمتع بكامل صلاحياته الدستورية
يعني وجود دولة شرعية، في حين أن غيابه مؤشر إلى بقاء دولة شكلية ومنقوصة السيادة.
وهي عرضة للطعن في ميثاقيتها لأن أحد أبرز مكوّناتها الطائفية، أي الطائفة
المارونية، مغيّب. في ظل الفراغ الرئاسي تبرز تساؤلات دستورية وطائفية ووطنية
وميثاقية حول عمل المؤسسات اللبنانية في مرحلة فراغ قد تمتد لشهور عدة. مجلس
النواب العاجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية لا يمتلك الشرعية الكافية لإدارة شؤون
الدولة وفق بنود الدستور اللبناني التي نصت على أن رئيس الجمهورية هو أهم منصب في
الدولة اللبنانية. فهو المؤتمن على الدستور، وحماية النظام، والمحافظة على تماسك
الدولة، وقيادة الجيش الوطني، وتمثيل لبنان في الخارج. وتقدَّم إليه أوراق إعتماد
جميع أعضاء السلك الديبلوماسي بصفتهم ممثلين لدولهم في لبنان، ويوقع الإتفاقات
الدولية بإسم جميع اللبنانيين، ويشارك السلطة التنفيذية في إدارة شؤون الدولة
وحماية المجتمع اللبناني. يضاف إلى ذلك أن دولة بدون رئيس منتخب ديموقراطيا هي دولة
فاشلة وفاقدة الشرعية على مستوى رموزها ومؤسساتها.
نشير أخيرا إلى أن دخول لبنان مرحلة فراغ
سياسي لفترة طويلة، يعرّض المجتمع اللبناني لنزاعات طائفية ومذهبية تهدد وحدته
وتماسكه في ظروف إقليمية ودولية بالغة الخطورة. وعندما فشل مجلس النواب في إنتخاب
رئيس جديد للجمهورية تحول لبنان إلى جمهورية فاشلة كجمهوريات الموز بسبب خضوعها
لتحالف رجال السياسة والمال والأعمال من جهة، ولإملاءات خارجية من جهة أخرى، مما
ساعد على إضعاف الجمهورية، وضرب نظامها السياسي الديموقراطي، وأدى إلى شلل شبه تام
في مؤسسات الدولة التي باتت مزرعة تنهب أملاكها البحرية والنهرية، ويتم إلحاق
اللبنانيين قسريا بزعماء طوائفهم. ومن المتوقع ان يعود ملف اللاجئين السوريين الى
الواجهة بعد صدور تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة دق ناقوس الخطر حول
إنعكاس الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني.
على رغم هذه اللوحة السوداوية، تبدي القوى
الحية في الشعب اللبناني إصرارا واضحا على حماية لبنان، وإقامة نظام سياسي جديد
يعامل اللبنانيين بصفتهم مواطنين أحراراً في دولة ديموقراطية ذات مؤسسات عصرية.
فمع غياب رأس النظام السياسي بدت جميع المؤسسات الأخرى فاقدة للشرعية ولا تعبّر
فعلاً عن إرادة اللبنانيين. أغلب الظن أن زمن الفراغ السياسي المسيء إلى وجه لبنان
الحضاري لن يدوم طويلا، ولم يعد في الإمكان تغييب الدولة وإخضاعها قسريا لطبقة
سياسية فاسدة وعاجزة عن إدارة دفة الحكم من دون تدخل خارجي.
أخيرا، يعاني النظام السياسي الطائفي في
لبنان اليوم أزمة مصيرية على مختلف الصعد، وهذا يتطلب رؤية سياسية جديدة هدفها
تطوير الدستور اللبناني ومؤسسات السلطة بما يتلاءم مع درجة التطور الذي بلغه
اللبنانيون، وإظهار قدرتهم على حكم وطنهم بأنفسهم من دون تدخلات خارجية. وتطالب
النخب الثقافية المتنورة في لبنان بإحترام نصوص الدستور، وعدم الإخلال بالميثاق
الوطني والعيش المشترك، وتلافي الفراغ في جميع مؤسسات الدولة لأنه يضعفها من
الداخل ويؤدي إلى فشل نظامها الديموقراطي. فالتعطيل المتعمد لمؤسسات الدولة جريمة
في حق لبنان، ويضر بمصالح جميع اللبنانيين، على إختلاف طوائفهم ومناطقهم وتوجهاتهم
السياسية. ولم يعد مقبولا على الإطلاق أن ينتظر زعماء لبنان توجيهات من الخارج
لإنتخاب رئيس للجمهورية، أو لتشكيل حكومة جديدة توافقية، أو لوضع إستراتيجيا
دفاعية تحمي لبنان من أخطار الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، أو لوقف النزوح السوري
ودرء أخطاره المدمرة على لبنان. وقد تجاوز زعماء الطوائف والكتل البرلمانية في
لبنان الخطوط الحمر في عملهم السياسي، وأساؤوا إلى الميثاق الوطني والعيش المشترك،
واعتدوا على الحريات العامة والفردية، وهددوا ركائز الصيغة التوافقية التي تضمن
حقوق الأفراد والجماعات المكوّنة للمجتمع التعددي والتنوع السكاني في لبنان.
ختاما، يعاني النظام السياسي الطائفي أزمة
بقاء الدولة المركزية القوية في لبنان. وبات اللبنانيون بحاجة ماسة إلى بناء كتلة
شعبية كبيرة تعمل على حماية الوطن، واحترام الدستور، وقيام دولة عادلة على أسس
ديموقراطية تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين. واللبنانيون مطالبون باستنباط حلول
إصلاحية جديدة من صنع المتنورين اللبنانيين أنفسهم لتطوير هذا النظام أو تعديله
لبناء دولة عصرية شعارها المساواة والتنمية البشرية والإقتصادية المستدامة. هذا
يتطلب تغييرا جذريا في بنية النظام السياسي اللبناني وفق آليات داخلية لبنانية
تتلاءم مع طبيعة عصر العولمة. على أن يتم التغيير بالطرق الديموقراطية السلمية
وليس بالعنف الدموي والإنقلابات العسكرية التي تقود إلى اصطفاف اللبنانيين مجددا
وراء زعماء طوائفهم.
عجزت الطبقة السياسية الفاسدة عن القيام
بواجباتها الوطنية والدستورية، وبات مصير لبنان رهنا بتكاتف قواه الحية والمتنورة
لحماية وطنها في ظروف إقليمية ودولية بالغة الخطورة.