نريد أن نحيا لا أن نموت معكم
كتب غسان حجار في
جريدة النهار:
سئمنا ثقافة الموت، كل ما يحوطنا يذكّرنا
بالموت. في القرى والبلدات صور وأنصاب للشهداء. كلهم شهداء، وفق تصنيف الأحزاب.
وبما أن الأحزاب ليست أحزاباً بالمعنى الحقيقي، فالشهداء أيضاً على هذه الحال.
بعضهم كان يسرق خلال الحرب التي أخذت هدنة، ثم استأنفت أعمالها في حصد أرواح
اللبنانيين، ونحن نشاهد منها فصولاً. شهداء هذه الأيام هم ضحايا التفجيرات
الارهابية، لا حول لهم ولا قوة، لم يختاروا الشهادة عن سابق تصور وتصميم. هم شهداء
بحكم الواقع. ربما كانوا يفضلون الحياة على الشهادة، وممارسة الحب، وإكمال علومهم،
والسفر والسياحة، والعمل... كل شيء الا الموت.
لكن المشكلة ليست في هؤلاء، بل المعصية
الكبرى لدى من اختاروا الشهادة سبيلاً، لا لحب الوطن، ولا خدمة للدين، ولا لأي هدف
نبيل آخر. اختاروا الانتحار، وهذا لا يخدم الوطن في شيء، بل يدمره ويزيده خراباً
ويضاعف خسائره الاقتصادية بعد البشرية. ثم ان العمليات الانتحارية هي ضد الدين،
لأنها أيضاً تقتل “أخاً لك في الدين وفي الانسانية”، وخصوصاً أن العمليات، بشقيها
السني والشيعي، تقتل المسلمين، المؤمنين بنبي واحد، وبقرآن واحد، وان اختلفت بعض
التفسيرات والاجتهادات. كلهم مسلمون، القاتل والمقتول. فماذا بربهم يفعلون؟
ونسأل هل من هدف نبيل آخر؟ هل هو محاربة
العدو الاسرائيلي؟ بالعكس، حتى المقاومة، التي نشأت في مواجهة اسرائيل، لم تعد
تهتم لهذا الأمر بعدما غرقت في سوريا، فكيف يكون الحال مع الجماعات التي لم تقاوم
اسرائيل يوماً؟ هل هو محاربة الفرس كما يتم التداول في أدبيات التكفيريين؟ ان
محاربة الفرس، أي الايرانيين، لا تتم على أرض عربية، فلماذا لا ينقلون معاركهم الى
بلاد الفرس، بدل التلهي بالوكيل وترك الأصيل القادر على تجنيد حلفاء جدد كل يوم.
القضاء على الرأس المدبر أجدى للمشروع، وأنفع لنا.
وتبقى المعضلة في اشتهاء الموت وفرضه على
الآخرين. فالكل يفاخر بتوقه الى الشهادة. وثمة دعوة دائمة الى تعميم هذا الفكر، أو
فرضه على الآخرين، فالذي يستجلب الحروب الخارجية، لا يملك الوسائل لدرء خطرها عن
نفسه وعن الآخرين الذين يموتون بالمجان. وأما الذي ينفذ عمليات انتحارية، فماضٍ في
زهق الأرواح البريئة من دون رادع، لأنه يساوي حياة الآخرين بحياته البلا قيمة.
ومصيبتنا نحن مع الطرفين. كلاهما ينشد
الموت، ونحن نريد الحياة. كلا الطرفين يشدنا الى القبر، يقرر عنا بأن حياتنا ليست
ذات قيمة. ينصبون أنفسهم آلهة، وهم في الحقيقة عبيد الذين يغسلون عقولهم،
فيقودونهم الى جنة موعودة، ربما تكون موجودة، لكنها بالتأكيد غير متاحة لهم، لأن
الاله، بما هو عدل، لن يفتح جنته لقتلة، فمن يساعدنا في إقناع هؤلاء، وعلى علاتهم
الكثيرة، بأننا نفضل أن نحيا معاً لا أن نموت معاً؟