Follow us


جمال لبنان يتفوّق على “تعثّره”... -كاتيا سعد

كتبت كاتيا سعد:

تعوّد اللبناني على التذمّر، فأصبح جزءاً من حياته اليومية والسياسية. إذا سألته: "كيفك؟"، أجاب: "الحمدالله، بس متلما بتعرف الوضع زفت". وصراحة "لأ، ما بعرف"، فما أرى عكس ما أسمع: عندما أخرج من منزلي وأعلق في زحمة السير أستمتع أحياناً بجولة أفقية على السيارات وألاحظ أن غالبيتها من أحدث الطرازات، وفي جلسة مع أصدقاء في مطعم أو مقهى أيا يكن مستواه أرى المكان ممتلئاً على الدوام. أما في أمكنة السهر، ومعظمها فخمة جداً  (class) فحدّث ولا حرج عما تلقى من وفود، إلى درجة أنّ الكل ملتصق بعضه ببعض، ناهيك بالأزياء والمظهر الخارجي، حتى لتشعر لوهلة بأنك في عرس أو احتفال ضخم، حين أن المناسبة قد تكون على القول الأجنبي سهرة ما بعد عمل "soirée after work".

ولكن في المشهد السياسي، سواء بنشراته الإخبارية أم برامجه الحوارية، لن يكون المشاهد أو القارئ أو حتى المستمع في منأى عن صبغة التذمّر التي تكاد تصل إلى 80% (كي لا أقول 100%) لكأن البلاد على أبواب حرب جديدة. وعندما يسألني أحدهم (مقيم في لبنان) ما هي وجهتك للعطلة وأقول: لبنان، ألاحظ نوعاً من دهشة على وجهه : "ولو مش عم تسمعي كيف الحالة مش منيحة؟"، وأجيب "والله أنا اللي عم بشوفو كل ما إنزل إنو الحالة كتير منيحة وفي كتير إشيا حلوة بس المشكلة باللي عم ينقل الصورة غلط". وأضيف "إنت بتعرف لما يعرف الأجنبي إنو نازلي إجازة ع لبنان قدّيه بيكون مبسوط هوّي وعم يحكيني عن الإشيا الحلوة بلبنان، الجبل والبحر والأكل والسهر والأصحاب…". فليت البعض يرتقي قليلاً عن هذه الصورة النمطية بالتذمّر من كل شيء، وهل من بلد لا يشهد مشاكل وأزمات وحتى إشكالات أمنية خطرة؟ الفرق هو في طريقة التعاطي والأحداث. فلا أزمة تتفوّق مدى السنة العام على الأحداث الثقافية والفنية التي تتمتع بها هذه الدولة أو تلك.

المفارقة أنّ لبنان كلّما قدّم لأبنائه إنجازاً إيجابياً، تصدّى له البعض وواجهه بمشكلة تحكي عن تعثّره. آخر تحفة في هذا التناقض في التعامل مع الأحداث، هو خبر اختيار لبنان ضمن "قائمة أفضل الوجهات السياحية لصيف 2018"، التي نشرها موقع مجلّة "ناشونال جيوغرافيك"(National Geographic) في حزيران 2018. وصُنّف "دولةٍ ممتازة للسفر إليها خلال الصيف، للتمتّع بطعامها اللذيذ ومعالمها الطبيعية الخلاّبة". وعلّلت الصحافية كايت ايثرتون ذلك بالقول: "لبنان يتميّز بمائدة متنوعة من المازة الشهية، كما في إمكانكم التجوّل مشياً في أسواق جبيل وهي من أٌقدم المدن حول العالم. وللتغلّب على حرارة الصيف، توجّهوا إلى بالوع بلعة في منطقة تنورين، ثمّ تذوقوا النبيذ اللبناني تحت شجر الأرز، مع القليل من التبولة والبابا غنوج".

ولكن شاء أحدهم أن يطبّق المثل "بكل عرس في قرص"، فاستعاد صورة تُصنّف لبنان في المرتبة الثالثة في التلوّث (في مقال نشرته، منذ أشهر، ليلي جرجس في جريدة "النهار"، بعنوان "بالأرقام والمعدّلات، أين لبنان من واقع الدول الملوثة؟"). وجاء هذا التصنيف إثر "دراسة تناقلها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي"، ممّا أثار الجدل حول صحة الموضوع؛ وجاء في المقال: "نشرت الجامعة الأميركية في بيروت دراسة جديدة في العام 2017 تشير إلى أنّ لبنان لم يتخطَّ المعدل المنصوص عليه من منظمة الصحة العالمية ضمن العام ،لكنه يشهد ارتفاعا بسيطاً في فصل الشتاء وانخفاضاً تدريجياً في فصل الصيف (…). تستهل الطالبة فاطمة حسين التي اعدت الدراسة مع مجموعة من الطلاب بإشراف الاستاذة في قسم الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة نجاة صليبا، بالقول "لا يمكن الحديث عن اي تلوث من دون تحديد اي نوع من التلوث نحن نتحدث عنه. فهناك انواع منها الجزئيات في الهواء، المواد المسرطنة التي تحتويها هذه الجزيئات والغازات. اذاً، هذه الصورة التي تمّ تناقلها لا تحدد نوع التلوث الذي جعلنا نحتل المرتبة الثالثة (…). تقييماً للأداء البيئي يحتل لبنان المرتبة 67 من اصل 180 بلداً".

هنيئاً للبنان بشعبه الذي يؤمن بإيجابياته، وأسفاً عليك بشعبٍ يحبّ تعكير مزاجك ببعض تعثّراتك.

(المصدر: alsawt.org)

*كاتيا سعد – إعلامية لبنانية مقيمة في باريس