هل أضاع لبنان إنجازه الذي تحقق بتحرير الجرود من داعش وخسر الدعم الأميركي لجيشه؟
تحت عنوان "قطع علاقات عسكرية بين أميركا ولبنان"، كتبت جريدة "النهار" اليوم الآتي:
يبدو واضحاً ان سياسيّي لبنان الغارقين في سجالات عقيمة أضاعت الانجاز الذي تحقق بتحرير الجرود اللبنانية من إرهابيي "داعش"، ولو باتفاق منزل بالباراشوت صنع خارج لبنان، لن يتمكنوا من مواجهة عواصف تهب على البلد من كل حدب وصوب، أبرزها الأعاصير الآتية من الولايات المتحدة، ان من واشنطن حيث الادارة الأميركية، أو من نيويورك حيث منظمة الأمم المتحدة.
فالإدارة الأميركية المستاءة من رضوخ لبنان لاتفاق طرفاه النظام السوري و"حزب الله"، اتخذت قرارات حاسمة بعيد قرار وقف النار الذي اتخذه الجانبان السوري واللبناني في وقت واحد صباح السبت الماضي، وما تبعه من خطوات تنفيذية أدت الى اخراج مسلحي "داعش" بحماية سورية ومن "حزب الله"، بوقف الدعم العسكري للبنان واسترجاع نحو 50 دبابة حديثة الطراز كانت واشنطن أقنعت الرياض بدفع ثمنها وتقديمها للجيش اللبناني لدعم معركته في وجه الارهاب. وانتشرت هذه الدبابات في مواقع عدة، وشاركت بقوة وفاعلية مع الأسلحة الأخرى التي استخدمها الجيش في معركة جرود القاع ورأس بعلبك.
وكتب إيلي الحاج:
تكشف معلومات ديبلوماسية واردة من الولايات المتحدة الأميركية أن دوائر القرار المسؤولة في واشنطن عن متابعة تطور الموقف في منطقة الشرق الأوسط، تلقت بسلبية قرار وقف معركة "فجر الجرود" في السلسلة الشرقية للبنان قبل الوصول إلى الخواتيم التي كانت مرسومة لها، تحديداً قبل بلوغ وحدات الجيش اللبناني الحدود الدولية المرسومة مع سوريا، وتحريرها من مسلحي تنظيم "داعش" بمعزل عن التنسيق مع "حزب الله" وجيش النظام السوري. وتشير إلى عواقب فورية للموقف الأميركي، وأخرى على مدى أبعد، مما يوجب على الدولة اللبنانية والمسؤولين السعي، على جناح السرعة، إلى التخفيف من وقعها وانعكاساتها على لبنان، ولا سيما مؤسساته العسكرية والأمنية.
في المعلومات التي توافرت لـ"النهار" أن الإدارة الأميركية كانت قد قررت، وليس من غير تردد، أن تسلم إلى لبنان كمية ضخمة من الأسلحة المتطورة والذخائر عمل على نقلها أسطول جوي استخدم مطار رياق في شكل خاص لإنزالها. والسلاح الأبرز والأقوى الذي تم تسليمه هو 50 دبابة حديثة تكفلت السعودية بدفع أثمانها. ووصل معها 70 خبيراً عسكرياً أميركياً لتأمين الصيانة والتدخل عند الإقتضاء.
وانتشرت هذه الدبابات في مواقع عدة، وشاركت بقوة وفاعلية مع الأسلحة الأخرى التي استخدمها الجيش في معركة جرود القاع ورأس بعلبك. كذلك، رافق 15 خبيراً أميركياً الوحدات اللبنانية المتقدمة. وعندما استشهد ثلاثة من الجنود في آلية بانفجار لغم، ساد اعتقاد في غرف المتابعة لبعض الوقت أن أحدهم خبير أميركي.
تفيد المعطيات المتوافرة من المصدر نفسه أن القيادة السعودية المعنية بالموافقة على طلب الولايات المتحدة تمويل شراء الدبابات والأسلحة للبنان أو رفضه، أبدت تحفظاً في البدء وعرضت أسبابها. في الطليعة، العلاقة الوثيقة بين "حزب الله" الذي تعتبره المملكة فصيلاً إيرانياً، وبين مواقع القرار في لبنان. ولدى المملكة معلومات وافرة عن العمق الذي بلغته هذه العلاقة في بعض المواضع الحساسة في الدولة .
إلا أن إلحاحاً أميركياً حمل أهل القرار السعوديين على تغيير موقفهم والتجاوب مع طلب التمويل، خصوصاً أن الإلحاح رافقته توضيحات تفيد بأهمية الرهان على تسليح القوات الشرعية في لبنان وتقويتها، لدحض مقولة ضعف جهاز الدولة العسكري، في مقابل قوة سلاح "حزب الله" وضرورة الاستعانة به لحماية الحدود وأمن اللبنانيين واستقرارهم.
تتحدث مصادر المعلومات عن أسف وخيبة كبيرين انتابا ديبلوماسيين أميركيين لدى تلقيهم الخبر عن القرار اللبناني بوقف المعركة، قبل تحرير ما تبقى من أراض في الجرود يحتلها تنظيم "داعش" داخل الحدود اللبنانية، وذلك بموجب تنسيق مع "حزب الله" وجيش النظام السوري. كان هؤلاء الديبلوماسيون بذلوا جهداً كبيراً لإقناع رؤسائهم في واشنطن بتبني ما اعتبروه بأنفسهم، لاحقاً، "مغامرة" لم توصل إلى النتيجة الإيجابية التي توخّوها.
وتضيف أن لبنان قد يصبح أمام احتمال مواجهة نوع من "قطع علاقات" في المستوى العسكري، ما لم تتمكن الديبلوماسية اللبنانية من فعل شيء ما يدفع الدوائر الأميركية المعنية إلى تغيير توجهها هذا، علماً أن بوادر "القطع" بدأت فور إعلان وقف تقدم الجيش اللبناني في الجرود، تطبيقاً للتسوية بين قيادتي"حزب الله" و"داعش".
وسوف تُسلَّم الدبابات الخمسون، بعد سحبها من لبنان، وفقاً للمعلومات، إلى السعودية التي تكفلت دفع ثمنها، أو تُعاد إلى الولايات المتحدة. جدير بالذكر أن السعودية كانت قررت وقف تقديم أي مساعدات الى لبنان، في ضوء موقف وزير الخارجية جبران باسيل المدافع عن "حزب الله"، أيام حكومة الرئيس تمام سلام في مؤتمر جدة للتضامن مع المملكة في 10 كانون الثاني 2016، بعد الإعتداء على السفارة السعودية في طهران.
كذلك، شهد الكونغرس الأميركي مناقشات حادة قبل أسابيع بشأن المساعدات العسكرية للبنان. وكان هناك توجه إلى وقفها نهائياً. لكن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي نجحت في إقناع غالبية من النواب والشيوخ بتغيير رأيها، استناداً إلى معلوماتها عن المعركة الآتية بين الجيش اللبناني وتنظيم "داعش"، وأيضاً إلى أهمية التعامل مع المؤسسة العسكرية اللبنانية، أقله كما تتعامل الولايات المتحدة مع الفصائل العسكرية السورية غير الموالية للنظام، والتي تحارب التنظيم الإرهابي.