هل لبنان مستعد لخطر إيبولا؟
تحت عنوان "إيبولا: استعدادات لبنان جيّدة لا مثالية"، كتبت ملاك مكي في جريدة السفير:
تشير أرقام «منظمة الصحة العالمية»، حتى 17
تشرين الأول الجاري، إلى تسجيل 9216 حالة «إيبولا»، منها حالات مثبتة أو محتملة أو
مشتبهة في سبعة بلدان، وتم تسجيل 4555 حالة وفاة. تعتبر غينيا، ليبيريا، سيراليون
بلدان موبوءة بينما تسجل حالات في نيجيريا، السنغال، اسبانيا والولايات المتحدة
الأميركية. لم تسجل أي إصابة بفيروس «إيبولا» في لبنان أو عند الجاليات اللبنانية.
وتقوم وزارة الصحة العامة بالتعاون مع «منظمة الصحة العالمية» والقطاعات المعنية
بوضع الإجراءات الضرورية للوقاية والاستجابة للوباء ومعالجة الثغرات والتحديات.
قامت وزارة الصحة، وفق رئيسة دائرة الأمراض
الانتقالية في الوزارة الدكتورة عاتكة بري، بتعديل تعريف الحالة وفق خصائص انتشار
الوباء في المرحلة الحالية، وبتدريب الأطباء والعاملين الصحيين في المستوصفات
والمراكز الصحية على التنبه إلى الحالات والاستفسار من المرضى الذين يظهرون بعض
العوارض (اسهال وتقيؤ وغيرها) إذا كانوا عائدين من بلدان موبوءة، وبتدريب العاملين
في «الصليب الأحمر اللبناني»، والدفاع المدني على كيفية نقل مصاب بفيروس «إيبولا»،
وتزويد كل جهة بثمانين بدلة واقية، مع جميع المستلزمات من نظارات وجزم وغيرها، مع
الإشارة إلى أن البدلات تقسم إلى نوعين تلك التي تُستعمل في الحالات ذات الخطورة
المرتفعة أو الخطورة الضئيلة، وتستخدم لمرة واحدة فقط. وتتوافر 20 بدلة واقية في
المطار، وكانت الوزارة قد وفرت، بالتزامن مع الهجوم الكيميائي في سوريا، 80 مستشفى
ببدلات واقية يمكن استخدامها في حالات «إيبولا».
تم تجهيز وحدة مركزية ذات ضغط سلبي (negative room pressure) في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، تُنقل إليها الحالات المشتبه فيها.
تحد تلك الوحدة من انتقال الجرثومة وانتشارها ولها مدخل خاص لمنع احتكاك المريض مع
المرضى الآخرين، يتوافر فيها 3 أسرّة ويعمل على تجهيزها حتى تستوعب 8 أسرة. وعلمت
«السفير» من أكثر من مصدر أن الوحدة تحتاج إلى بعض التجهيزات الإضافية لتصبح جاهزة
بشكل مثالي.
وأصدرت الوزارة تعميماً على شركات الطيران
بالإرشادات الضرورية لمتابعة الحالات المشتبه فيها، على أن يتم ابلاغ الوزارة قبل
هبوط الطائرة في مطار بيروت. وأظهرت الشركات، وفق بري، في أكثر من سابقة تجاوباً
مع تلك الإجراءات. وتقدر بري وصول نحو 20 شخص أسبوعياً من البلدان الموبوءة
فستباشر وزارة الصحة بمتابعة يومية لهؤلاء الأفراد هاتفياً لفترة 21 يوماً (فترة
حضانة المرض) وإن كانوا لا يظهرون العوارض.
تتوافر في المطار أربع كاميرات مراقبة لرصد
حالات ارتفاع الحرارة ومتابعتها في قسم الحجر الصحي. في المقابل، يوجد نقص في
الطاقم الصحي في فترة الليل فتسعى الوزارة إلى توظيف عاملين إضافيين لتأمين
المتابعة على فترة 24 ساعة.
كان قد دعا وزير الصحة العامة وائل أبو
فاعور جميع المغتربين اللبنانيين، الذين لديهم شكوك في احتمال اصابتهم بفيروس
إيبولا، والراغبين في تلقي العلاج اللازم في لبنان إلى ابلاغ وزارة الصحة. تشير
بري إلى أنه من حق المواطن اللبناني، في حال إصابته، أن يعود إلى وطنه ويتلقى
العلاج المناسب، غير أن المشكلة الأساسية تكمن في كيفية نقله، وهل ستقبل طائرات
الشركات أو طائرة خاصة نقل المصاب؟ وطلب أبو فاعور من المستشفيات التي يزيد عدد
أسرتها على 100 سرير أن تجهز قسماً خاصاً لعزل المرضى المصابين. بينما لا تقوم،
حتى اليوم، سوى إدارتي مستشفيين فحسب بتجهيز وحدة عزل تراعي المعايير المطلوبة.
تم التشكيك، حتى اليوم، بثلاث حالات
«إيبولا» في لبنان وتم ارسال عينات الدم إلى مختبر في مدينة ليون الفرنسية بسبب
عدم وجود مختبر مجهز في جميع الدول العربية. ولم تظهر النتائج المخبرية، في
الحالات الثلاث، إصابة بـ«إيبولا». واستغرق الحصول على النتائج في الحالة الأولى،
التي تعود إلى شهر نيسان عشرة أيام بينما تم الحصول على النتائج في الحالة الثالثة
في غضون يومين فحسب، ما يدل على تطوير نظام الاستجابة. مع الإشارة إلى أن هناك شركة
مختصة تقوم بنقل عينة الدم من المستشفى إلى الطائرة مباشرة.
وعيّنت وزارة الصحة العامة 5 أطباء متخصصين
بالأمراض الجرثومية كمرجع طبي: عيد عازار (بعلبك)، وفاء جريج (طرابلس)، جاك مخباط
(بيروت)، بيار ابي حنا (جبل لبنان)، عبد الرحمن البزري (الجنوب).
تنوي وزارة الصحة العامة تدريب 6 مراقبين
صحيين في مرفأي بيروت وطرابلس على كيفية التعاطي مع الحالات المشبوهة والجثث في
حال توفي أحد المصابين على متن السفينة.
ترتكز التحديات الأساسية التي يعانيها
لبنان على عدم جهوزية بعض المستشفيات الكبيرة والصغيرة لاستقبال الحالات، وعلى عدم
وجود آلية واضحة للتخلص من النفايات البيولوجية، فهل ستقبل جمعية «Arc en ciel» بحرق
النفايات الناجمة عن معالجة المريض، علماً أن براز المريض يصرف في الصرف الصحي من
دون أن يشكل ذلك مصدر خطر على الصحة العامة.
تنقل إحدى العاملات الفنيات في المختبر
أنها كانت تعاين عينة دم لحالة مشتبه في إصابتها بفيروس «إيبولا» من دون علمها
بذلك، ما يطرح مسألة السلامة الإحيائية في المختبرات اللبنانية في فحص العينات
المشتبه فيها. وتتفاوت إجراءات السلامة الإحيائية في المختبرات اللبنانية، وفق
بري، ما يشكل مشكلة إضافية في أسس مواجهة الوباء.
وتقول بري إن «الاستعدادات لمواجهة فيروس
إيبولا جيدة: لا يغفل لبنان أهمية الإجراءات الوقائية من تدريب وتجهيز ولا يقف
مكتوف الأيدي، من دون أن تُعتبر الإجراءات مثالية، فحتى الولايات المتحدة والدول
الأوروبية تواجه ثغرات في مواجهة الوباء. وستقوم وزارة الصحة، في المدى القريب،
بمناورة لتقويم نظام الاستجابة في لبنان».
منع الاستيراد
أصدر وزير الزراعة أكرم شهيب، في آب
الماضي، قراراً رقمه 622/1 منع بموجبه استيراد حيوانات حية من دول أفريقية أُعلن
فيها عن ظهور مرض فيروس «إيبولا»، وجاء في القرار: منع ادخال الحيوانات التالية:
قردة الشمبانزي، والغوريلا وخفافيش الفاكهة، والنسانيس وظباء الغابة وحيوانات
النبص وأي حيوان يشتبه بكونه ناقلاً للمرض من دول أفريقية ظهر فيها انتشار مرض
فيروس إيبولا إلى الأراضي اللبنانية. وتشير مصادر الجمارك اللبنانية لـ«السفير»
إلى أنه يتم التقيد بالقرار وتعميمه على المراكز الجمركية.
لبنان يساعد الدول الموبوءة
لم تسجل أي إصابة بفيروس «إيبولا» عند
الجاليات اللبنانية في البلدان الموبوءة. ولم يعد يتجاوز عدد الأفراد اللبنانيين
الموجودين في البلدان الموبوءة 10 آلاف شخص وفق المدير العام للمغتربين في وزارة
الخارجية هيثم جمعة، إذ عادت نسبة الثلثين إلى لبنان. وما زالت العائلات في لبنان
بسبب تأخر العام الدراسي هناك. تتخذ الجاليات اللبنانية معايير الحيطة والحذر،
وتتعاون مع السلطات الحكومية. في المبدأ، وافقت الحكومة اللبنانية على تقديم
مساعدة بقيمة 450 مليون ليرة للدول الموبوءة، على شكل أدوية وأمصال وغيرها وفق
معايير «منظمة الصحة العالمية»، وتتابع السلطات اللبنانية مع الجاليات واللجان وضع
الجاليات. ولم يترك موظفو السفارات اللبنانية، وفق جمعة، أعمالهم وسفير لبنان في
سيراليون نضال يحيى في إجازة. ويكشف أحد المصادر أن السفارات اللبنانية في الدول
الموبوءة طلبت من موظفيها غير اللبنانيين عدم زيارة أقاربهم في فترة الإجازات
تجنبا لالتقاط العدوى.
يشير رئيس «الجامعة اللبنانية الثقافية في
العالم» أحمد ناصر إلى أن مستوى الوعي في شأن الوقاية من فيروس «إيبولا» مرتفع عند
الجاليات اللبنانية ويوجد شعور بالخوف والترقب. ولا ينوي بعض الأفراد العودة إلى
لبنان بسبب ارتباطهم بأعمالهم وأرزاقهم هناك. وساعدت الجاليات اللبنانية الدول
الموبوءة بمبلغ مليون دولار.
العزل والطوارئ
تقوم المستشفيات اللبنانية بالتعاون مع
وزارة الصحة و«منظمة الصحة العالمية»، وفق نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون،
منذ عام بتعزيز التدريب على مكافحة الأمراض المعدية ومنها «إيبولا». ليس من
الضروري أن تكون المستشفيات كلها في لبنان مجهزة لاستقبال إصابات «إيبولا»، بل على
العكس، إن تحديد بعض المستشفيات، التي يزيد عدد أسرتها عن 100 سرير، لاستقبال
المصابين يساهم في حصر انتشار الوباء في حال ظهور إصابات. وتضم معظم المستشفيات في
لبنان غرف عزل غير أن المشكلة تكمن في عدم توافر الاجهزة المخبرية داخل تلك غرف
العزل، وعدم توافر غرف عزل في أقسام الطوارئ. يوجد نقص اليوم، وفق هارون، في إعداد
الطواقم التمريضية، وفي توافر الألبسة الواقية، وفي المعدات داخل غرف العزل، وفي
غرف العزل في أقسام الطوارئ . وستعمل القطاعات المعنية على معالجة تلك الثغرات
خلال فترة ثلاثة أسابيع.
تجهيز الممرضين
تشير نقيبة الممرضات والممرضين هيلين سماحة
نويهض إلى أنه يتم تدريب الممرضين والممرضات في مراكز الرعاية الصحية الأولية في
شأن الأمراض المعدية وخصوصاً «إيبولا». وطلبت وزارة الصحة من النقابة حاجتها إلى
12 ممرضاً أوممرضة للعمل في المطار. وكان الممرضون والممرضات في المستشفيات
اللبنانية تلقوا تدريباً منذ شهرين على فيروس «كورونا»، وبالتالي لديهم الكفاءة في
التعامل مع الأمراض المعدية الأخرى.
في المقابل، تشير سماحة إلى أن ليس جميع
الممرضين والممرضات في المستشفيات مجهزين بالمعدات اللازمة، خصوصاً في غرف
الطوارئ، ما يوجب تجهيز الطاقم التمريضي وتحصينه أمام الشعور بالخوف الذي ينتاب
العاملين الصحيين في حالات مشابهة. وتذكر أرقام «منظمة الصحة العالمية»، حتى 12 من
الشهر الحالي، تسجيل 427 إصابة عند العاملين الصحيين توفي منهم 236 شخص.
خوف
تعتبر رئيسة «الجمعية اللبنانية للأمراض
الجرثومية» الدكتورة رولى حصني سماحة أن الخطة التحضيرية التي وضعتها وزارة الصحة
العامة مع النقابات المعنية مقبولة غير أنه يجب العمل على رفع الوعي عند الأفراد
لتجاوز حالة الخوف. فعلى سبيل المثال، تذكر سماحة أن إحدى المريضات التي ظهرت
عليها بعض الأعراض خــافت من أن تفصح عن أنها كانت تقيم في سيراليون.
من جهة أخرى، دعت «نقابة الأطباء» الأطباء
إلى الاستفسار عن حالة المريض وأخذ المعلومات الضرورية (إذا كان مسافراً) قبل
المجيء إلى العيادة تجنبا للعدوى في حال كان مصاباً بـ«إيبولا».
وباء الفقراء: لا لقاح وعلاجات تجريبية
تنتقل عدوى فيروس «إيبولا» إلى الإنسان من
خلال ملامسة دم الحيوانات المصابة بالمرض (القردة، الشمبانزي، الغوريلا..) أو
سوائل جسمها الأخرى. وتنتقل العدوى من إنسان إلى آخر من خلال الاحتكاك بدم المصاب
أو إفرازات الجسم الأخرى. وترتكز أعراض الإصابة، وفق «منظمة الصحة العالمية»، على
الشعور بالحمى والوهن الشديد والآلام في العضلات والصداع والتهاب الحلق والتقيؤ
والإسهال وظهور طفح جلدي وإضطراب في وظائف الكلى والكبد ونزيف داخلي أو خارجي.
وتمتد فترة حضانة المرض (منذ الإصابة بالعدوى حتى ظهور الأعراض) من يومين إلى 21
يوماً. ولا يعتبر الشخص معدياً إلا بعد ظهور الأعراض ويتم تشخيص الإصابة من خلال
إجراء التحاليل المخبرية. وتشمل سبل الوقاية من التقاط العدوى عدم الاحتكاك
بالمصابين وغسل اليدين وعزل المصابين. ويجب على العاملين في الرعاية الصحية اتخاذ
التدابير الوقائية من ملابس وقفازات واقية وغيرها.
تناقلت بعض وسائل الإعلام أن الفيروس لا
ينتشر سوى في المناطق ذات المناخ الاستوائي، فتوضح رئيسة دائرة الأمراض الانتقالية
في وزارة الصحة العامة الدكتورة عاتكة بري أن الفيروس يمكن أن ينتشر في المناطق
غير الإستوائية وتنقل عن مركز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC) أن خطورة انتشار الفيروس خارج البلدان الموبوءة منخفضة خصوصاً في
المناطق غير المكتظة سكانياً، وذات البيئة النظيفة.
لا يتوافر، حتى اليوم، لقاح ضد الفيروس،
غير أن هناك تجارب على لقاحين: واحد من انتاج شركة «غلاكسوسميث كلاين» بالتعاون مع
معاهد الصحة الأميركية؛ والثاني بدعم من الحكومة الكندية. ويشير البروفسور جيل
بيالو، نقلاً عن المجلة الفرنسية «لونوفيل أوبسرفاتور»، إلى عدم وجود أي عائق نظري
في انتاج اللقاح، غير أنه لم يتم الاهتمام بهذا المرض كونه وباء الفقراء.
لا يوجد علاج للمرض. وقد وافقت المنظمات
الدولية على وصف العلاجات التجريبية قبل أن تنتهي جميع المراحل التقويمية بسبب
حالة الطوارئ. وترتكز العلاجات، وفق المتخصص في الأمراض الجرثومية الدكتور جاك
مخباط، على إعطاء أجســـام مضادة مستخرجة من دم شخص مصاب شفي من المرض إلى مصاب
آخر، أو إعطاء أجسام مضادة مصنعة، أو أدوية كيميائية مضادة للفيــروس. وتستوجب
الحالات المرضية الحفاظ على معدل ضغط الدم ووظــائف الكلى والكبد والحد من جفاف
الجسم. وتتــماثل نسبة خمسين في المئة من المصابين إلى الشفاء، إذ يقاوم جهاز
المناعة الفيروس.
يفرق مخباط بين وعي الأفراد في المجتمع
اللبناني وبين التعاطي مع المرض. فإذا كانت سبل التعاطي مع الفيروس واضحة غير أن
الجسم الطبي والإداري سيرفض التعاطي مع الحالات بسبب الخوف ونقص الثقة بإرشادات
وزارة الصحة، علماً أن المعايير والإرشادات التي تضعها وزارة الصحة واضحة وعلمية.
يستطيع كل مستشفى، وفق مخباط، أن يكون مؤهلاً لاستقبال الحالات في حال اتبع
البروتوكولات الموضوعة.
في المقابل، يقول مخباط إن المشكلة
الأساسية لا تكمن في حال وصول إصابة إلى مستشفى بل الخطورة في حال وجود أحد
المصابين في الطوارئ أو في عيادة الأطباء من دون علم مسبق بحالته.
*نقلاً عن جريدة السفير