Follow us

image

الحريري يعود إلى بيروت بعد غياب 3 سنوات وفي عهدته مليار الملك عبدالله للجيش

فجأة وبلا سابق موعد، عاد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى بيروت اليوم بعد غياب 3 سنوات عن لبنان لدواع أمنية.
أول خبر صدر عن مكتبه الإعلامي فور عودته جاء فيه: "فور عودته إلى بيروت فجر اليوم قادما من جدة في المملكة العربية السعودية، استهل الرئيس سعد الحريري نشاطه بزيارة ضريح والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت، وقرأ الفاتحة عن روحه، ثم توجه إلى السراي الحكومي حيث التقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام
."
وفيما أحدثت عودته صدمة إيجابية لدى مختلف الأطراف السياسية في لبنان، أكد الحريري في دردشة مع الصحافيين لدى مغادرته السراي: "عودتي إلى لبنان جاءت بعد الهبة السعودية للجيش التي سنعالج كيفية تنفيذها
." وعن الضمانات لأمنه الشخصي، قال الحريري: "ان شاء الله خير والله يحفظ الجميع." ولم يجب على سؤال عن المدة التي ستستغرقها زيارته لبنان.

وأبلغ الحريري سلام قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تقديم مليار دولار الى لبنان مخصصة لتلبية الحاجات الملحة للجيش وجميع القوى والأجهزة الأمنية اللبنانية. وقد تباحث الرئيسان في آلية صرف هذه الهبة، التي وضعها الملك عبد الله في عهدة الرئيس الحريري، واتفقا على استكمال البحث في الاجراءات التنفيذية ضمن الأطر القانونية اللازمة. كما بحث الرئيسان في الاجتماع، الذي دام قرابة الساعة، الأوضاع العامة في البلاد والتطورات الأمنية الأخيرة التي وقعت في بلدة عرسال ومحيطها.
إلى ذلك، أفيد أن الحريري تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس مجلس النواب نبيه بري "هنأه فيه بسلامة العودة إلى بيروت."

وفور وصوله، ضجّ بيت الوسط بالمهنئين بالعودة بعد أشهر من السكون والحركة الرتيبة التي طغت على البيت، سيّما اثر استشهاد الوزير محمد شطح.
فريق عمل الحريري والمستشارون ووزراء ونواب كتلته وأعضاء في "تيار المستقبل" توافدوا الى البيت لالقاء التحية وكانت عمته النائب بهية الحريري في طليعة مستقبليه، وقد وثّق لحظة العناق بصورة "سيلفي".

 

وتحت عنوان "عودة الحريري: لماذا الآن؟"، كتب الصحافي فارس خشان في موقعه الإلكتروني الآتي (ننشره كما ورد):

يتعرض الرئيس سعد الحريري لهجوم منظّم يقوده طرفان يدّعيان الخصومة: إرهابيو الشيعة الذين يمثلهم "حزب الله" ومن هم مثله، وإرهابيو السنة الذين يمثلهم "داعش"، ومن هم مثله.

ويعتمد هذان الطرفان في الهجوم على الحريري المنطق نفسه. إرهابيو "حالش" يقولون إنه يدعم "الإرهاب العالمي" وهو " الأب الروحي لداعش" ، وإرهابية "داعش" يتهمون الحريري بأنه يتعاون مع "حزب الله"، ويستسلم له، وينفذ مشاريعه.

وإداركا بأساليب هذين الطرفين ضد من يجري "تخوينه" و"تكفيره"، يظن كثير من المراقبين أن سعد الحريري، الذي غادر البلاد، درءا لمخططات "حالش" (عاد العماد ميشال عون وأكدها بنفسه عندما تحدث عن قدرته على توفير أمن الحريري، إن وصل الى رئاسة الجمهورية)، أصبح حاليا تحت خطر "داعش" أيضا.

إذن، في التوقيت الذي ارتفع فيه منسوب الخطر على الحريري، الذي أطاح به "حزب الله" سياسيا، بقوة السلاح، عاد الى لبنان.

من الناحية الأمنية، هذا مشهد غير واقعي.

مشهد لا يمكن فهمه، إلا عند التأمل بالصور الملتقطة للحريري في بيروت. هو يبتسم. من يلتقيهم يبتسمون. وحده أمن الحريري تجتاحه جدية ممزوجة بكثير من الهلع.

وللأمانة، لم تلتقط عيوننا، يوما، عندما مكّنتنا الظروف من لقاء الحريري في الخارج، هذه الإبتسامة التي تمّ التقاطها له في بيروت.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الحريري العودة الى لبنان، ولكنها المرة الأولى التي ينفّذ فيها قراره.

سابقا، حاول أن يعود. كان يتم منعه، لأسباب أمنية.

مرتان، أطفئت محركات طائرته الخاصة، قبل الإقلاع بقليل.

دائما، كان منطق الأمن يتقدم على منطق الحاجة الى التواجد في بيروت.

هذه المرة، منطق الحاجة تقدم كثيرا على منطق الأمن.

كان سعد الحريري قد بدأ العد العكسي لعودته الى بيروت، منذ بدء الشغور في القصر الجمهوري. كان يتوقع حدثا جللا، تدفع بيئته ثمنه. حاول، بكل ما أوتي من قوة أن يتفادي الفراغ الرئاسي، ولو بملامح هزيمة سياسية، لأنه كان يتحسّب للأسوا... للدماء. الفراغ الرئاسي، في قاموسه، يعني استقطاب الموت. هذا ما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيسين أمين الجميل وأميل لحود، مع أن الظروف الإقليمية، كانت أقل تعقيدا من الظروف الإقليمية الحالية.

وصحّت مخاوفه، فحلّ الموت في عرسال، وهو يستعد ليبسط أجنحته السوداء، في أرجاء لبنانية كثيرة.

دقق في أسلوب التحريض على كل عرسال، وهي التي جرى خطفها خطفا. دقق في أسلوب رفض نجاح أي مفاوضات تُعفي البلدة من مجازر وتدمير وتوفر في آن انتصارا بالسياسية للجيش. وقارن بين ذلك كلّه، وبين مفاوضات إيران مع "داعش" لمصلحة عدد من أسراها في سوريا، وبين مفاوضات برعاية "حزب الله" لمصلحة راهبات معلولا.

أدرك أن ناسه، بالرغم من اعتدالهم ومن طيبتهم ومن سلميتهم، يكادون يكونون بلا حماية، ويكادون يكونون أضاحي على مذبح محاربة الإرهاب. في كل مكان يتم تمجيد مفاوضات تحرير الأسرى والرهائن، إلا في عرسال مطلوب الحسم، بالقتل والتدمير والإزالة عن الخارطة.

وعندما اطلع الحريري على صرخة قائد الجيش العماد جان قهوجي، بخصوص السلاح والذخيرة، لم يُدر الأذن الصمّاء، على اعتبار أن ذلك يقوّي ظروف الهدنة المطلوبة لعرسال. رفض أن تكون الدفة، في المفاوضات، لمصلحة المجموعات التي يصفها هو بالإرهابية. نقل الصرخة، بكل تفاصيلها، إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أمر فورا بوضع مليار دولار بتصرف سعد الحريري، لتكون في خدمة الحاجات الملحة للأمن اللبناني ومؤسساته وأجهزته. بدا هذا المليار، بمثابة الإسفنجة التي احتوت تداعيات صرخة قائد الجيش.

إذن، الخوف على ناسه، من جهة والخوف على الأمن الشرعي، من جهة أخرى شكلا منطقا غلب المنطق الأمني.

عاد سعد الحريري الى بيروت.

العودة بلا ضمانات أمنية.

أساسا، في كتاب التحقيقات في الجرائم المنسوبة الى "حزب الله"، كل ارتكاز الى ضمانات، هو قصور ذهني. قرار "حزب الله" يحتاج الى توافر 3 ضمانات متساوية: حسن نصرالله وأمنه، الحرس الثوري الإيراني، والنظام السوري.

أما في كتاب "داعش"، فعصر التسويات الكبرى والضمانات الحقيقية، لم يبدأ بعد، فـ"داعش" لا يزال يعيش في أولى الإرهاصات الإرهابية المتفلتة، التي عرفها اللبنانيون والعالم، عند تشكيل "حزب الله". (ثمة من يريد أن نزيل من ذاكرتنا مخاضنا العسير عند ولادة حزب الله، في رحم الخطف والإغتيال والرهائن والسيارات المفخخة).

والعودة لا تحمل صفقات سياسية.

في المعطى الرئاسي، ما توصل اليه الحريري في الخارج، لن يتوصل الى أفضل منه في الداخل. فهو لم يبرز معرقلا ليطل في لبنان مسهّلا.ما يعوق الإنتخابات يتخطى سعد الحريري، فميشال عون ، لا يزال حتى الساعة، تلك " الفلّينة" التي يقفل بها"حزب الله" زجاجة الإستحقاق الرئاسي.

وبناء عليه، فإنّ الأهم في عودة الحريري، يكمن في أنّها تحمل في طياتها ضمانات للبنان عموما، ولبيئته المستهدفة خصوصا. وهنا بيت القصيد.

و14 آذار، بحاجة الى سعد الحريري.

تعب الجميع من قبضايات الأحياء، وهم يرسمون سياسية السنة في لبنان. وأرهق "تيار المستقبل" هذا السعي الى صنع آلهة من ذهب العابرين في الصحراء، فيما موسى في أعالي الجبل.

عودة الحريري، تُعيد الى الإعتدال أنيابه. أنياب يحتاج إليها لعقلنة القرارات الأمنية. أنياب يحتاج إليها لعقلنة الإندفاعات السياسية في اتجاه مشنوقي هنا وفي اتجاه ضاهري هناك.

صحيح أن عودة الحريري ، بعد هجرة قسرية دامت لأكثر من 3 سنوات، الى مسرح غاب عنه، بالإرهاب، كل من وسام الحسن ومحمد شطح، لن يصنع المعجزات، على اعتبار أن 7 أيار وانقلاب ذوي القمصان السود، حصل فيما كان الحريري في لبنان.

ولكن الصحيح أيضا، ان إعادة الإعتبار الى الإعتدال الحقيقي، في زمن التنافس بين "داعش" و"حالش"- وهذا ما يمكن أن يكون الحريري مؤثرا به- هي معجزة بذاتها!