لبنان تحت مظلة أمنية واسعة بضمانات دولية
كتبت جريدة "الجمهورية":
فيما يستمر العدوان الإسرائيلي على غزّة،
قفزَ الوضع الأمني في الجنوب إلى الواجهة بعد إطلاق صواريخ كاتيوشا «أصولية» من
الأراضي اللبنانیة باتّجاه شمال إسرائيل التي ردّت بقصف أطراف بلدات كفرشوبا وحلتا
والمجيدية بأكثر من 25 قذيفة مدفعية، فيما عطّلت مخابرات الجيش صاروخين كانا
مُعَدَّين للإطلاق من منطقة حدودية.
وفي حين استبعَد مسؤولون عسكريون
إسرائيليون، حسب ما ذكرت الإذاعة الاسرائيلية، أن يكون «حزب الله» خلف عمليات
إطلاق الصواريخ، واعتبروا أن لا مصلحة للحزب على الإطلاق بالدخول في مواجهة مع
إسرائيل، كان لافتاً سرعة الأجهزة الامنية في التمكّن من توقيف مطلِقي الصواريخ،
وقد رجّحت التحقيقات الأوّلية انتماءَهما الى جهة أصولية.
وأعلنت قيادة الجيش اللبناني، في بيان، أنّ
«جهة مجهولة أقدمت على إطلاق ثلاثة صواريخ من منطقة مرجعيون - حاصبيا باتجاه
الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى الأثر سيّرت قوى الجيش دوريات في المنطقة
المذكورة».
وذكر البيان أنه تمّ تفكيك منصتي صواريخ مع
صاروخين و25 قذيفة في منطقة كفر كفرشوبا. من جهتها، وضعت قوّات «اليونيفيل»
عناصرها في أقصى درجات الإستنفار، فيما سيّرت دوريات مشتركة بالتنسيق مع الجيش
اللبناني على محاور القطاع الشرقي.
لا تغييرات
وتعليقاً على ما شهدته منطقة الجنوب أمس،
قالت مصادر ديبلوماسية غربية لـ«الجمهورية» إن الأمر لم يكن مستبعداً على الإطلاق،
فالخطط التي لجأت اليها وحدات الجيش والقوات الدولية فور ارتفاع نسبة التوتر في
غزة كانت تحسّباً لعمليات من هذا النوع، ما دفعهما إلى اتخاذ تدابير إستثنائية
أدّت الى تحديد مصادر إطلاقها في اقلّ من ثلاث ساعات وصولاً الى مرحلة توقيف
مُطلقي الصواريخ.
ولفتت المصادر الى انّ القوات الدولية أدّت
دوراً كبيراً في حصر بؤرة التوتر ومنع امتدادها في الجنوب جرّاء قناعتها بحرص
لبنان على الحفاظ على الهدوء في الجنوب عملاً بمقتضيات القرارات الدولية ولا سيما
القرار 1701 الذي صدر في تاريخ 12 آب عقب حرب تموز 2006.
وأضافت المصادر انّ الحادث لن يؤدي الى اي
تغييرات امنية او عسكرية دراماتيكية في الجنوب اللبناني. فالإتصالات التي تلاحقت
ادّت الى اعتبار ما حصل حادثاً خارج إدارة الطرفين على جانبي الحدود في معزل عن
الاستعدادات اللبنانية والإسرائيلية للتوجّه الى مجلس الأمن الدولي وتقديم شكوى
متبادلة بين الطرفين. وكانت وحدات الجيش عزّزت تدابيرها الأمنية في المناطق
المرشّحة لتكون ساحة توتر.
وكشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية»
انّ قيادة الجيش نقلت اللواء الثامن من منطقة الجنوب بعد التنسيق مع القوات
الدولية ليتولى تعزيز الإجراءات الأمنية في البقاع الشمالي والحدود اللبنانية -
السورية تحديداً. فانتشر الى جانب فوجَي الحدود والمجوقل في المنطقة المواجهة
للحدود السورية، بهدف منع تسلل المسلحين السوريين الى الأراضي اللبنانية بعد إقفال
عشرات المعابر غير الشرعية بين سوريا ولبنان استكمالاً لإقفال الجيش السوري و»حزب
الله» المعابر.
مراجع أمنيّة: نجهد بلا إدعاء!
تخوض القوى الأمنية والعسكريّة بكلّ قدراتها حرباً إستباقية ضدّ الإرهاب المعَولم والمحلي. فكلّ القدرات وُضعَت في المعركة وتفتَّحت العيون على كل تحرّك مشبوه بتعاونٍ لم يسبق أن نشأ بين المواطنين والقوى الأمنيّة، ما سهَّل الوصولَ الى رؤوسٍ كبيرة. وعلى رغم كلّ ذلك، تُصرّ القوى الأمنية على عدم الإدعاء بالقدرة على الإمساك بالوضع كاملاً. فلا ضمانات!
للمرة الأولى، تتعاطى القوى الأمنية
والعسكرية مع التطوّرات المرتقبة في لبنان بكثير من الواقعية وقليل من الإدعاءات
في مواجهةٍ لا يَستهين بها أحد على الإطلاق. فهي تصارع مجموعات صغيرة لها
تقنيّاتها في التحرّك والحصول على ما تريده من متفجّرات ومكمّلاتها.
فالبلد مليء بمَن يستورد ويُصنِّع ويُجهِّز
بلا هوية سياسية، بعدما تحوّل أمثال هؤلاء «قوةً عابرة» لكل الأحزاب والفصائل منذ
أن تحكَّمت بالبلاد عشرات الخلايا من أجهزة استخبارات جنّدت قدراتها في سبيل
العملة الخضراء.
وعلى هذه الخلفيات، تعترف مراجع أمنية
أنّها لا تخاف من أيّ خرقٍ أمني كبير يؤدّي الى المسّ بنسبة الأمن المتوافرة في
لبنان، خصوصاً المناطق التي شهدت توتّراً في الأشهر القليلة الماضية.
وتضيف: ليس مستحيلاً أن تنجح جماعات مسلّحة
إرهابيّة لها امتداداتها في بعض المناطق التي شكّلت بيئة آمنة لها منذ أعوام، في
تفجير سيّارة أو اغتيال مسؤول من المسؤولين او قياديّ حزبي، لكنّه وأيّاً يكن حجمه
لن يؤدّي الى أيّ فتنة مذهبية. فمنطقة التوتر لن تكون «بقعة زيت» قابلة للتمدّد،
ولن تنتقل الى أيّ منطقة أخرى، فمنطق «الإسفنجة الأمنيّة» أمر واقع، ولن تتمدَّد
أيّ أزمة الى شارع آخر.
وتعزو هذه المراجع القراءة تلك الى
الضمانات الدولية التي تبلَّغها لبنان في أكثر من مناسبة وباتت تشكل منذ فترة غير
قصيرة، مظلّة أمنيّة كبيرة وواسعة، تضمَن الحدّ الأدنى من الأمن في البلاد وما
علينا سوى ملاقاتها بما نمتلك من قدرات للحفاظ عليها.
وتستطرد: القرار السياسي بالتهدئة، خارجي
وداخلي، ومتى رُسِمت للأطراف الداخلية حدود معيّنة لا يمكنها تجاوزها من دون ضوء
أخضر من الخارج. فتصوَّروا أن لا يعود تدخل «حزب الله» في سوريا مشكلة، لتكون هناك
حكومة «المصلحة الوطنية».
وعلى هذه الخلفيات، تحدَّث وزير الداخلية
نهاد المشنوق قبل يومين عن عمليات تفجير محتملة، فلم يكشف جديداً، لأننا نتوقّع
مزيداً منها بين لحظة وأخرى على رغم الإجراءات التي اتّخذناها. هناك مجموعات مشتبه
بها ونراقبها في مناطق كانت آمنة بالنسبة اليها، وربما انتهت أو تقلّصت هذه
الحماية التي كانت توفّرها جماعاتٌ مسلحة او «مناطق ممذهبة»، لأنّ ما حصل في بعض
هذه المناطق جعل سكانها يتبرّؤون منها ويرشدوننا الى حيث تتواجد، كما أخيراً الى
أخطر زعماء العصابات التي تُمارس الخطف لقاءَ فدية مالية.
ولذلك كلّه، لا نهمل أيّ رواية. فكلّ
الروايات يمكن أن «تتطوَّر على الطريق»، وبداية الخيط في أيّ تحقيق «مفتاح الفرج»،
ويمكن لأيّ موقوف أن يرشدنا الى رؤوس خطيرة والتجارب أثبتت ذلك.
وعليه تقول المراجع: «لواء «احرار السنّة»
ليس لبنانياً، فالثابت هو أنه يُحرِّض من الخارج على الفتنة المذهبية بين السنّة
والشيعة، والمسيحيّون قد يكونون من الضحايا أيضاً، لكنّ الوعي الشعبي هو الضامن
الكبير للهدوء. ولذلك، لا صفة لـ»لواء الصليبيين» سوى أنّه ردّ فعل لئلّا نقول
«نكتة» في مواجهة هذه الجماعات.
المراجع الأمنية التي تتعاطى مع هذه
العوامل مجتمعة لا تتردَّد في القول بواقعية: يمكن أن تنسحب الحماية الدولية في
ظرفٍ إقليمي ودولي سيّئ وصعب، إنّما ذلك إحتمالٌ ضئيل.
فحصيلة التعاون مع الخارج والقرارات التي
صدرت بتعزيز قدرات الجيش والمؤتمرات الدولية المكمّلة لـ«مجموعة العمل من أجل
لبنان» تشكّل ضامناً قوياً للجيش اللبناني. فكيف بالنسبة الى الهبة السعودية التي ستُغيِّر
في قدرات الجيش والتي سيلمسها الجميع قريباً.
*عن جريدة الجمهورية