لبنان على طريق إقفال سفارات له في الخارج ولا أموال لانتخابات المغتربين
في مقال بعنوان "25 في المئة من سفارات لبنان على طريق الإقفال" كتبت الزميلة دنيز رحمة فخري في موقع "اندبندنت عربية" الآتي:
فرضت الأزمة المالية وانهيار الوضع الاقتصادي في لبنان إجراءات قاسية بلغت الخارجية اللبنانية وبعثاتها الـ 89 الموزعة في دول العالم.
بدأ الكلام عن ترشيد الإنفاق في البعثات الدبلوماسية وفي الإدارة المركزية في بيروت بعد تراجع قدرة مصرف لبنان على تأمين العملة الصعبة، مما دفع بوزيرة المهجرين السابقة زينا عكر إلى المباشرة بوضع ما سمي آنذاك خطة إعادة هيكلة المصاريف والنفقات الخارجية بالعملة الصعبة، والتي عمل الوزير الحالي عبدالله بوحبيب منذ تسلمه الوزارة على المضي بها مع بعض الإضافات والتعديلات التي فرضها تراجع إضافي في أوضاع البلاد، بعدما تحولت إلى دولة مفلسة بقطاعيها العام والخاص كما وصفتها "بلومبيرغ".
وتكشف مصادر مقربة من وزير الخارجية أن خطة الوزير تقضي بخفض 50 في المئة من موازنة وزارة الخارجية الخاصة بالبعثات الدبلوماسية، والتي تتوزع بين إيجارات المكاتب ومنازل السفراء والقناصل والمصاريف التشغيلية ورواتب الدبلوماسيين والموظفين المحليين. ولن تقتصر إجراءات الخفض على ذلك فقط، بل إن طرح الوزير يتضمن إقفال نسبة كبيرة من سفارات لبنان في الخارج، في موازاة إعادة تحريك تشكيلات دبلوماسية ضرورية لملء شغور تخطى الأشهر في أكثر من دولة فاعلة كواشنطن مثلاً.
وكشفت مصادر سياسية لـ "اندبندنت عربية" أن قرار إقفال عدد من البعثات اللبنانية يحتاج إلى توافق سياسي وقرار مجلس الوزراء، والخلاف لا يزال على العدد الذي يجب إقفاله وليس على مبدأ الإقفال، إذ علمت "اندبندنت عربية" أن وزير الخارجية كان طرح بداية على رئيس الحكومة إقفال 11 سفارة ومن ثم ارتفع الرقم إلى 18، فيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يريد إقفال 25 سفارة.
25 في المئة من سفارات لبنان ستقفل
يبلغ عدد البعثات الدبلوماسية اللبنانية 89 بعثة موزعة بين 74 سفارة و15 قنصلية، وهي مخصصة لنسج علاقات سياسية وتجارية للبنان مع دول العالم، مع ما يحافظ على إبقاء بلد الأرز على الخريطة الدولية، إضافة إلى تأمين الخدمات اللازمة للبنانيي الانتشار الذين يفوق عددهم الثمانية ملايين.
في المقابل، يقول مصدر دبلوماسي في الخارجية إن قرار إقفال بعض البعثات لا بد منه، وهو قرار سبق واتخذته دول كثيرة واجهتها مشكلات شبيهة بمشكلات لبنان، مثل اليونان مثلاً التي لجأت إلى إقفال عدد من بعثاتها الدبلوماسية في الخارج نتيجة أزمتها المالية.
ويكشف المصدر نفسه عن أن وزير الخارجية وضع تصوراً كاملاً ينص على تخفيف التمثيل الدبلوماسي اللبناني في العالم بنسب تتراوح بين 20 و25 في المئة بهدف خفض 25 مليون دولار على مدى خمس سنوات، أي بمعدل خمسة ملايين دولار لكل عام، لكن القرار النهائي يبقى لمجلس الوزراء مجتمعاً.
وهنا توضح مصادر سياسية أن عقبات قد تواجه هذا الملف على الرغم من قناعة تكونت لدى جميع المسؤولين الذين التقاهم وزير الخارجية بأن الأمور لا يمكن أن تمضي هكذا، وأنه حرصاً على مصير البعثات، لا سيما الضرورية منها، فإنهم مضطرون إلى إقفال بعضها.
وفيما تؤكد مصادر سياسية أن الخلاف عالق على عدد البعثات التي ستقفل وهويتها، لا سيما أن خفض عددها سيتطلب الحفاظ على التوازن الطائفي والمناصفة بين المراكز المسيحية والمسلمة، وهي مهمة لن تكون سهلة، لا سيما إذا اعتمدت المعايير التي يصر وزير الخارجية على استخدامها في تحديد لائحة البعثات التي سيتم إقفالها، والمعايير عددها أربعة وهي الجدوى الاقتصادية أي المقارنة بين إيرادات البعثة ونفقاتها، الجدوى السياسية ومدى حاجة لبنان إلى وجود بعثة لديه في هذه الدولة، إذ لا يمكن إقفال السفارة في واشنطن مثلاً أو في مصر أو فرنسا، حجم التبادل التجاري مع هذه الدولة، عدد أبناء الجالية اللبنانية في الدولة بحيث لا يمكن إقفال بعثة في بلد يفوق فيه عدد اللبنانيين المغتربين 50 ألفاً مثلاً.
وفيما تتكتم المصادر على كشف أسماء الدول التي ستقفل فيها البعثات اللبنانية تجنباً لإحداث بلبلة مسبقة قبل صدور القرار بشكل رسمي، يكشف مصدر دبلوماسي أن التصور المقدم من وزير الخارجية ينص على إمكان الاستغناء عن عدد من البعثات في الدول التي توجد فيها سفارة وقنصليتان مثلاً، مثل البرازيل حيث هناك سفارة في العاصمة وقنصلية عامة في ساوباولو وأخرى في ريو دي جانيرو.
كلفة البعثات 89 مليون دولار
تبلغ نسبة موازنة وزارة الخارجية من إجمال الموازنة العامة نحو 115 مليون دولار موزعة بين 95 مليون دولار للبعثات الخارجية التي تضم 74 سفارة و15 قنصلية، و20 مليون دولار مخصصة لنفقات الوزارة التشغيلية إضافة إلى المساهمات ونفقات سفر الوفود الرسمية من الإدارات كافة ، ويوضح مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية أن الوزارة تنفق سنوياً سبعة ملايين دولار ونصف ثمن مساهمات لبنان في المنظمات الإقليمية والدولية والعربية، وقد أرسل أخيراً وزير الخارجية عبدالله بو حبيب إلى مجلس الوزراء طلباً يقضي بحصر المنظمات في الوزارات المعنية، بحيث تتكفل مثلاً وزارة الزراعة بكلف مساهمة لبنان في منظمة "الفاو" FAO ووزارة الثقافة بمنظمة الـ "يونسكو" UNESCO وهكذا دواليك، وإجراء كهذا قد يخفض من موازنة وزارة الخارجية مبلغاً قيمته خمسة ملايين دولار.
وفي الانتقال إلى مصاريف البعثات الخارجية فإن 75 في المئة من موازنة هذه البعثات تصرف على إيجارات المكاتب ومنزل رئيس البعثة سفيراً كان أم قنصلاً، كما تتضمن الموازنة بنداً ثانياً هو المخصص لرواتب الدبلوماسيين والموظفين المحليين غير الخاضعين للتبديل، والذين يهتمون بالمعاملات والأوراق التي يحتاجها أبناء الجالية اللبنانية في كل دولة.
أما الـ 25 في المئة الباقية من أرقام موازنة البعثات الدبوماسية فهي مخصصة للنفقات التشغيلية مثل فواتير الكهرباء والتأمين والقرطاسية.
الخفوض في موازنات البعثات بدأت العام الماضي
في سياق متصل، يكشف مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية أن عملية خفض الموازنة في كل البعثات الخارجية قد بدأت منذ يونيو (حزيران) الماضي، لا سيما في الشق المتعلق بالإيجارات، بحيث تم استبدال المكاتب ومنازل سكن السفراء والقناصل بأخرى أقل مساحة وأقل كلفة مع مراعاة كرامة رؤساء البعثة من جهة، وضرورة التأقلم مع الظروف المستجدة من جهة أخرى.
ويكشف المصدر الذي يفضل عدم الكشف عن اسمه أن وزارة الخارجية تمكنت حتى الآن من توفير ستة ملايين دولار من هذه العملية، ويتوقع أن يرتفع الرقم أكثر مع انتهاء عقود الإيجارات التي كان يمكن أن يرتب فسخها مبالغ ضخمة على الدولة اللبنانية.
الخفض سيطال الرواتب
وفي الوقت الذي يشتكي عدد كبير من سفراء لبنان في الخارج من التأخر في تقاضي رواتبهم، وأن بعضهم لم يتقاضى راتبه منذ أكثر من أربعة أشهر لعدم توفر الأموال الكافية من العملة الصعبة في مصرف لبنان. ويؤكد مصدر مقرب من وزير الخارجية العمل على خفض الرواتب كحل لهذه الأزمة، ويوضح أن وزير الخارجية قدم منذ شهرين مشروعاً إلى وزارة المال نص على خفض رواتب الدبلوماسيين 25 في المئة، لا سيما ممن يتقاضون معاشات تفوق الـ 25 ألف دولار، وقد بلغت نسبة التوفير نتيجة طرح الوزير 2.7 مليون دولار، وقد عرضه على مجلس الخدمة المدنية وعلى وزير المال ويحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء.
ويشرح المصدر أن الوزير بوحبيب استند إلى فهرس يصدر عن الأمم المتحدة بشكل دوري "UN index" يحدد مستوى المعيشة في كل بلد، وحددت على أساسه الرواتب الجديدة للدبلوماسيين بما يضمن لهم عيشة كريمة في البلد الذي يمثلون فيها بلدهم.
وقد بدأ العمل بتعميم أصدره وزير الخارجية منذ حوالى ثمانية أشهر يقضي بعدم ملء أي شغور في صفوف الموظفين المحليين بسبب بلوغ التقاعد أو الاستقالة، وهو ما أمن وفراً إضافياً على الموازنة بلغ 1.2 مليون دولار.
لا احتفالات ولا تذاكر سفر
ومن الإجراءات التي اضطرت وزارة الخارجية إلى اعتمادها انسجاماً مع مبدأ تقليص النفقات بالعملة الصعبة، تلقت البعثات في الخارج تعميماً بإلغاء الاحتفالات ومنها الاحتفالات الخاصة بعيد الاستقلال وغيرها من الدعوات والاحتفالات، لكن وزير الخارجية اقترح أيضاً أن تستعين بعض البعثات بالمغتربين اللبنانيين الميسورين من دون أن يكون للسفير أو القنصل علاقة مباشرة بالأموال، وأن يصار إلى تشكيل لجنة من الجالية اللبنانية ومن المقتدرين لتأمين كلفة السفارة ونفقاتها إن أرادوا. وخفض الرواتب حرم الدبلوماسيين اللبنانيين في الخارج من تذاكر السفر التي كانت تمنحها لهم وزارة الخارجية لزيارة لبنان، والتي كانت بمعدل تذكرة سفر كل ثلاثة أعوام في الدول العادية، وتذكرتين كل عامين للسفراء العاملين في ما يعرف بالدول الصعبة مثل الدول الأفريقية مثلاً.
هذا وتمت إعادة النظر بمدى حاجة البعثات إلى الملحقين الاقتصاديين في الخارج والذين يبلغ عددهم 13، والنقاش يدور حالياً حول خيارين، إما الاستغناء عنهم جميعاً أو خفض عددهم، لا سيما أن كلفة التعاقد السنوي معهم هي 2.3 مليون دولار.
تقليص النفقات مقابل زيادة خجولة في الإيرادات
من جهة ثانية، يوضح المصدر الدبلوماسي في وزارة الخارجية أنه لم تحصل منذ العام 2005 أي مراجعة لأسعار المعاملات التي تحصل في البعثات اللبنانية في الخارج، علماً أن كل الدول تعمد إلى مراجعة رسوم معاملاتها كل عامين تقريباً.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أصدر وزير الخارجية قراراً قرر بموجبه رفع أسعار المعاملات في كل البعثات اللبنانية في الخارج، في دراسة يمكن أن ترفع حجم الواردات من 13 مليون دولار إلى 20 مليون دولار سنوياً.
وعلى الرغم من اعتراف وزير الخارجية بحملة الانتقادات التي ستطاول خطوة إقفال السفارات والبعثات وتفهمه لها، إلا أن بو حبيب يؤكد بحسب مصادره أنه سيعمل على هذا الملف بكل شفافية وسينشر القرار بشكل كامل ومفصل ولن تكون هناك أي أوراق مخبأة، معتبراً أن كل هذه الإجراءات صارت ضرورية لأن الأموال لم تعد متوفرة.
لا أموال لحصول الانتخابات في الاغتراب
ومع تكاثر الحديث عن عدم توفر الأموال اللازمة لاستمرار عمل البعثات اللبنانية في الخارج على الشكل التي كانت عليه قبل الأزمة المالية، وبموازاة الإجراءات المتخذة لخفض موازنات البعثات، برزت إلى العلن أيضاً مشكلة تمويل انتخابات المغتربين المقدرة كلفتها بحسب مصادر وزارة الخارجية بـ 4.5 مليون دولار، والموزعة بين بدل إيجار مراكز الاقتراع والتعاقد مع مراقبين مساعدين إضافة إلى المصاريف اللوجستية الأخرى، وأهمها نقل صناديق الاقتراع من دول الاغتراب إلى لبنان والأموال اللازمة لتذاكر السفر للموظفين الذين سيتولون مهمة مرافقة الصناديق، وهي عملية تقدر كلفتها بـ 1.5 مليون دولار.
وتكشف مصادر دبلوماسية في وزارة الخارجية أن هذه الأموال لم يتم تأمينها حتى الآن، وأن الوزير عبدالله بو حبيب حاول مع الاتحاد الاوروبي عله يقدم هذه الأموال، إلا أن الرد حتى الآن لا يبدو مشجعاً، بحيث أن الاتحاد يمكن أن يساعد في قسم من المبلغ وليس بالمبلغ كله.
وقد لفت في هذا الإطار البيان الصادر عن مجموعة الدعم الدولية التي خصصت اجتماعها الأخير في بيروت لمراجعة الاستعدادات للانتخابات النيابية المقررة في مايو (أيار) المقبل، وقد تضمن البيان دعوة صريحة إلى الجهات المعنية في لبنان لتخصيص الموارد المالية اللازمة لإجراء الانتخابات داخل لبنان وفي الخارج، وضمان تنظيم إجراءات تصويت المغتربين في الوقت المناسب، وهو ما فسر بأنه تحذير دولي وعربي جامع للدولة اللبنانية من أي تباطؤ أو تلكؤ في التحضير للاستحقاق الانتخابي داخلياً وخارجياً.
ويشار إلى أن مجموعة الدعم الدولية التي أنشئت عام 2013 من قبل الأمين العام للأمم المتحدة هدفت إلى حشد الدعم والمساعدة لاستقرار لبنان وسيادته ولمؤسساته الرسمية، والمجموعة تضم كل الأمم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الروسي وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.