إزاء الواقع الصحي المخيف الذي يتهدد البلد هل يقف أطباء لبنان المغتربون مكتوفي الأيدي؟
فاديا سمعان – جبلنا ماغازين
الأطباء الاختصاصيون يهاجرون والأدوية بعيدة عن منال الفقراء والمعدات الطبية اللازمة والأدوية الضرورية باتت شبه مفقودة أو محلقة بأسعار خيالية! هذا بعض ما يعانيه لبنان، ولكنه كافٍ لاستشراف المرحلة "القاتمة" الآتية والتي ستشهد تزايداً في أعداد الوفيات وتفاقم حالات المرضى المتروكين لقدرهم بلا وسيلة لإطالة أمد حياتهم أو التخفيف من أوجاعهم!
مرحلة مؤلمة ومخيفة يبدو أنها آتية لا محالة إلى لبنان... لا بل بدأت بالفعل مع تخطي سعر الدولار عتبة الـ23 ألف ليرة ورفع الدعم جزئياً عن سعر الأدوية (هذا إن توفرت!)، أضف إلى ذلك إقفال صيدليات وهجرة الممرضين بالآلاف في خلال الأشهر الأخيرة!
هذا ما أصبح عليه الواقع الصحي في لبنان، البلد الذي عُرف على مدى عقود بلقب "مستشفى الشرق" وكان ملجأً للباحثين عن العلاج الطبي والرعاية الصحية الممتازةcutting edge medical care من مختلف الدول العربية.
مشروع لتقديم الخبرات الطبية عن بعد
ولكن أمام هذا الواقع المأساوي، هل يقف أطباء لبنان المغتربون - أو أولئك الذين "تغربوا" في خلال الأشهر الأخيرة - مكتوفي الأيدي إزاء أنين المرضى في بلدهم الأم والذي يصل صداه إلى أسماعهم في مختلف أنحاء الكرة الأرضية؟
يجيب الدكتور فرنسوا أبي فاضل، رئيس الجمعية الأميركية لأطباء الجهاز التنفسي في ولاية أوهايو ونائب رئيس الجمعية الطبية اللبنانية الدولية في الولايات المتحدة بالقول: "نحن ننظم مؤتمرات مشتركة مع أطباء لبنان ونقوم بمبادرات فردية وجماعية للمساعدة وتقديم الخبرات، إلا أن هذه المبادرات لا تستطيع أن تقوم ببلد وبمجتمع بكامله". ولكنه أضاف في حديث لـ"جبلنا ماغازين": "هناك مشروع نعمل عليه في الجمعية الطبية اللبنانية الدولية في أميركا لتوفير ما يعرف بـ"الرعاية الصحية عن بعد"tele health أو "استشارات افتراضية" virtual consultation لبعض المرضى المحتاجين لها عن طريق أطباء ومستشفيات في لبنان لتقديم الخبرات عن بعد، وهذا يمكن أن يغطي بعضاً من النقص في الخبرات الذي أوجدته هجرة الأطباء من ذوي الاختصاصات".
ويشير أبي فاضل إلى أنه "للأسف، معظم الأطباء الذين غادروا لبنان في السنتين الأخيرتين هم من ذوي الاختصاصات، وأنا شخصياً أعرف على الأقل 80 طبيباً اختصاصياً من الذين هاجروا وكانوا يعملون في أهم مستشفيات لبنان"، مضيفاً أنه "سيتم التواصل معهم ومع غيرهم من الأطباء لتوحيد الجهود في هذا المجال وتقديم الاستشارات الطبية والرعاية الصحية عن بعد لمرضى لبنان".
عشرون في المئة من ذوي الاختصاصات هاجروا
وكانت وسائل إعلام غربية وعالمية نشرت عدداً من التقارير مؤخراً ألقت فيها الضوء على الواقع الصحي المزري الذي بات يهدد اللبنانيين نتيجة عوامل عدة أبرزها الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ما دفع بحوالي عشرين بالمئة من أطباء لبنان إلى الهجرة.
وبحسب ما نُقل عن نقيب الأطباء الدكتور شرف أبو شرف، فإن "2500 طبيب من أصل 15000 تركوا البلاد في الفترة الأخيرة وفقد لبنان حوالى 20 في المائة من الجسم الطبي المختص". وحذر من أنه "في الوقت الحالي، يتم تأمين تغطية نسبية للمرضى، ولكن إذا استمرت الهجرة في الارتفاع، قد نصبح عاجزين عن إيجاد البدائل اللازمة للتشخيص والعلاج".
وأشار أبو شرف في حديث لـ"الحرة" إلى أن "عددا من الأطباء توجهوا إلى دول الخليج، وهذه الفئة قد تعود إلى لبنان يوماً، إلا أن الخطر الحقيقي هو في النسبة المرتفعة للأخصائيين الذي سافروا إلى أستراليا، الولايات المتحدة، كندا، ودول الاتحاد الأوروبي، حيث من الصعب عودتهم".
وبدورها، نَقلت عضو مؤسسة "القمصان البيض"، الصيدلانية سوزان سربيه، عن مصادر في نقابة أطباء الأسنان أن "20 إفادة انتساب توقع يومياً من مجلس النقابة بناء لطلب أطباء عازمين على السفر وبحاجة لهذا المستند لتقديمه لمراكز عملهم الجديدة في الخارج". وأشارت أيضاً إلى أن "3235 صيدلياً لم يسددوا الاشتراك النقابي لعام 2021، بسبب سفرهم أو عزمهم السفر".
مشكلة أخرى فاقمت الواقع الطبي والاستشفائي سوءاً هي هجرة الممرضين أيضاً. وعن ذلك، قال المدير الطبي ورئيس قسم القلب في المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية (مستشفى رزق)، البروفسور جورج غانم، إن 35 - 40 في المائة من الممرضين غادروا البلاد".
أبي فاضل: نتواصل مع مرضى من معارفنا في لبنان ونقدم المساعدة
"الأزمة سيئة جداً ومخيفة"، يضيف الدكتور أبي فاضل لـ"جبلنا ماغازين"؛ ويشير إلى أن "المشكلة الأكبر هي أن لا إحساس ولا وعي من قبل المسؤولين في لبنان حيال وجع المواطن وذله وجوعه، فهم لا يفكرون إلا بمصالحهم الخاصة".
ويختم قائلاً: "حتى نتمكن من تجميع أنفسنا كأطباء لبنانيين اختصاصيين في المهجر ونحقق مشروعنا لتقديم الاستشارات عن بعد بالتعاون مع أطباء لبنان، سنبقى نحاول قدر الإمكان التخفيف من معاناة أهلنا الذين يرزحون تحت وطأة أكبر أزمة في تاريخ لبنان، فلا نتوانى عن تقديم النصائح والاستشارات الطبية لكل من يتصل بنا عبر الإيميل أو الواتساب من معارفنا ومن هم بحاجة في لبنان ونقوم بإرسال أدوية ومستلزمات طبية بقدر الإمكان. هذا أقل ما نستطيع أن نفعله من أجلهم".