Follow us

image

هيومن رايتس ووتش: القوى الأمنية استخدمت قوة مفرطة وغير قانونية بحق متظاهري 8 آب

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير مفصل نشرته اليوم إنّ القوات الأمنية اللبنانية استعملت قوّة مفرطة، وفي بعض الأحيان فتّاكة، ضدّ متظاهرين سلميين بأغلبهم في وسط بيروت في 8 أغسطس/آب 2020، فتسبّب بمئات الإصابات.

أطلقت القوات الأمنية الذخيرة الحية، والكريات المعدنية )الخردق(، والمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي، على أشخاص منهم موظفون طبيون، كما أطلقت كميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع، بما في ذلك على محطات الإسعافات الأولية. صُوّبت عدة قنابل غاز مسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين، فأصابت بعضهم في الرأس والعنق. عمدت القوات الأمنية أيضا إلى رمي الحجارة على المتظاهرين وضربهم، وشملت هذه العناصر "شرطة مجلس النواب"، و"قوى الأمن الداخلي"، و"الجيش اللبناني"، وقوى غير محدّدة بملابس مدنية.

قال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بدلا من مدّ يَد العون إلى أهل بيروت الذين ما زالوا يُخرجون أنفسهم من تحت ركام الانفجار، انقضّت الأجهزة الأمنية اللبنانية على المتظاهرين وسلّطت عليهم كمية من العنف تثير الصدمة. يظهر هذا الاستعمال غير القانوني والمفرط للقوة ضدّ متظاهرين سلميين بأغلبهم تجاهل السلطات القاسي لشعبها".

كان قد تجمّع عشرات آلاف المتظاهرين في وسط بيروت في 8 أغسطس/آب للتعبير عن غضبهم بسبب عدم كفاءة النخب السياسية والحكومة وفسادها. تُلام هذه النخب السياسية بشكل كبير على الانفجار في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب، والذي قتل 180 شخصا، وأصاب أكثر من 6 آلاف شخص، وخلّف دمارا شاسعا في أنحاء المدينة.

راقب باحثو هيومن رايتس ووتش المظاهرات وأجروا مقابلات مع 25 شخصا في بيروت بين 8 و18 أغسطس/آب، بمَن فيهم أطبّاء وغيرهم من الكوادر الصحية، وصحفيين، ومحامين. صوّرت هيومن رايتس ووتش أيضا الذخائر التي تمّ إطلاقها وجمعتها من موقع التظاهر، وحلّلت الصور والفيديوهات التي أُرسلت مباشرة إلى الباحثين أو جُمعت من منصات التواصل الاجتماعي، والتي تظهر القوى الأمنية تستعمل القوّة المفرطة. حدّد الباحثون الأسلحة التي استعملتها القوى الأمنية، وراجعوا التقارير الطبية للمتظاهرين المصابين.

وجهت هيومن رايتس ووتش أسئلة عن سلوك القوى الأمنية إلى الجيش في 18 أغسطس/آب وقوى الأمن الداخلي في 19 أغسطس/آب، لكنّها لم تتلقَّ ردا حتى 25 أغسطس/آب. اتصلت المنظمة بشرطة مجلس النواب في 19 أغسطس/آب، ولخّصت بإيجاز النتائج وطلبت تعليقا. لكنّ مسؤولا رفض الإفصاح عن اسمه قال إنّ "المقابلة انتهت" وأقفل الخطّ.

كان بعض المتظاهرين الذين تمّت مقابلتهم قد أُصيبوا بالذخيرة الحية، أو الكرات المطاطية، أو الخردق المُطلق من بنادق، أو إطلاق مباشر لقنابل الغاز المسيل للدموع. تعرّض آخرون للضرب من عناصر القوى الأمنية بواسطة الأيادي، والعصي، وغيرها من الأسلحة. أعلن "الصليب الأحمر اللبناني" و"منظمة الإغاثة الإسلامية" عن إصابة 728 شخصا خلال مظاهرات 8 أغسطس/آب ونقل 153 من بينهم على الأقلّ إلى المستشفيات للمعالجة.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي أن تضع قوى الأمن فورا حدا لاستعمال الخردق المُطلق من بنادق وغيره من الذخيرة ذات النطاق الواسع والعشوائية، وإنّه على النيابة العامة فتح تحقيق مستقلّ في الانتهاكات والإعلان عن النتائج. كذلك، على الجهات الدولية المانحة لقوى الأمن اللبنانية التحقيق فيما إذا كان دعمها يصل إلى وحدات تمارس انتهاكات، وفي هذه الحال، إيقافه فورا

كان معظم المتظاهرين سلميين، لكن رمى بعضهم الحجارة، والمفرقعات النارية، وقنابل المولوتوف على قوى الأمن، بينما نهب وأحرق آخرون ممتلكات خاصة وعامة. احتلّ المتظاهرون لفترة وجيزة مباني وزارات الخارجية، والاقتصاد، والبيئة، والطاقة، و"جمعية المصارف".

أعلنت قوى الأمن الداخلي أنّ أحد عناصرها توفّي خلال محاولة إنقاذ أشخاص عالقين في فندق "لو غراي"، وذكرت إصابة 70 عنصرا في صفوفهاصرّح الجيش بإصابة 105 من جنوده، بمَن فيهم جنديان في حالة حرجة.

أضافت هيومن رايتس ووتش في تقريرها إن استعمال بعض المتظاهرين للعنف لا يبرّر لجوء القوى الأمنية إلى القوة المفرطة، ومن غير استفزاز في بعض الأحيان.

يرتدي عناصر شرطة مكافحة الشغب التابعة لقوى الأمن الداخلي وشرطة مجلس النواب البزّات المموّهة نفسها باللون الأزرق الداكن ويحملون لوازم مكافحة الشغب، ومن المستحيل التفريق بينهمادّعت شرطة مجلس النواب أنّ مهامها تقتصر على حماية مبنى المجلس، وأنّ قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني يتولّيان تأمين محيطه. لكن، قال مسؤولون أمنيون وحكوميون في مراكز عالية لـ هيومن رايتس ووتش إنّ عناصر شرطة مجلس النواب كانوا مسؤولين عن انتهاكات خطيرة بحقّ المتظاهرين أمام المجمّع البرلماني في ديسمبر/كانون الأول 2019.

وثّقت هيومن رايتس ووتش من مصادر عديدة استعمال الذخيرة الحية على المتظاهرين، أو تصويبها عليهم في أربع مرّات متفرّقة في 8 أغسطس/آب. في إحدى الحالات، أطلق جنديان نيران بندقيتيهما الهجوميتين باتجاه المتظاهرين. لم تُعرف هويات وتبعيات مطلقي النار في الحالات الثلاث الأخرى.

في إحدى هذه الحالات الثلاث، أطلقت القوى الأمنية الذخيرة الحية على المتظاهرين في محاولتهم إجلاء رجل مُصاب. تحدّثت هيومن رايتس ووتش إلى أحد المتظاهرين الذين تعرّضوا لحادثة أخرى قال إنّه أُصيب في فخذه قرب فندق لو غراي من جرّاء طلقة حية، وراجعت سجلّه الطبي الذي أظهر شظايا رصاص في فخذه. في حالتين، كان مطلقو النار في مجمّع البرلمان محاطين بعناصر من الجيش والشرطة يرتدون بزّات لم يحرّكوا ساكنا لإيقافهم.

كان الخردق الذي جرى إطلاقه من بنادق غير آلية السبب الرئيسي لإصابات خطيرة عديدة في 8 أغسطس/آب، بما في ذلك إصابات في عيون المتظاهرين وأعضائهم الحيوية. لم يسبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش استعمال قوى الأمن اللبنانية الخردق، وقالت إنّه يجب التوقّف فورا عن استعمال البنادق التي تطلق كريات عديدة، سواء كانت معدنية أو مطاطية، على المتظاهرين مهما كانت المسافة، لكونها بطبيعتها غير دقيقة وعشوائية، والأدلّة التي تشير إلى الإصابات الخطيرة التي تسبّبت بها.

يشكّل استعمال الذخيرة الحية في غياب تهديد للحياة أو خطر إصابة حرجة بشكل وشيك، واستعمال البنادق التي تبعثر مقذوفات عديدة عشوائيا على مساحة واسعة، في ظلّ احتمال إيذاء أي شخص في طريقها، انتهاكا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تحكم استعمال القوّة من قبل المسؤولين عن إنفاذ القانون.

في بيان في 9 أغسطس/آب، نفت قيادة الجيش إطلاق "أي نوع من أنواع الرصاص الحي باتجاه المدنيين في وسط بيروت". كذلك، نفت قوى الأمن الداخلي إطلاق "الرصاص المطّاطي، ولا أيّ نوع آخر من الرصاص" على المتظاهرين، في حين نفت شرطة مجلس النواب إطلاق النار على المتظاهرين.

قام عناصر من الشرطة يحملون لوازم مكافحة الشغب وجنود في الجيش بضرب وركل المتظاهرين، والأطبّاء، والصحفيين، وباحثة في هيومن رايتش ووتش تلقّت ضربة على فمها.

قالت غيدا فرنجية، رئيسة "المفكّرة القانونية"، وهي مجموعة مناصرة قانونية، وعضو في "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين"، وهي مجموعة من المحامين المتطوّعين، إنّ قوى الأمن اعتقلت 20 متظاهرا على الأقلّ بسبب الاشتباه في إحداثهم للشغب وتعاطيهم المخدّرات. أضافت فرنجية أنّ القوى الأمنية "أخضعت خلافا للقانون" المعتقلين إلى فحوصات للمخدّرات في "ثكنة الحلو" التابعة لقوى الأمن الداخلي، منتهكة بذلك حقهم في الخصوصية والصحة.

قالت فرنجية إنّه أُفرِج عن 18 متظاهرا بعد 24 ساعة، بينما يقبع شخصان في الاحتجاز لتهم غير مرتبطة بالمظاهرات. أضافت فرنجية أنّ لجنة المحامين قدمت 12 شكوى جنائية إلى النيابة العامة في 24 أغسطس/آب ضدّ أيّ شخص أمَرَ باستعمال الذخيرة الحية والرصاص المطاطي ضدّ المتظاهرين أو استعمل هذه الأساليب، بمَن في ذلك المدنيين، والقوى الأمنية التابعة لكل من الجيش، وقوى الأمن الداخلي، وشرطة مجلس النواب.

تقدّمت ديالا شحادة، وهي محامية ومدافعة عن حقوق الإنسان، بدعوى قضائية ضدّ شرطة مجلس النواب في 19 أغسطس/آب بالوكالة عن متظاهر أُصيب برصاصة مطاطية وفقد عينه اليسرى.

في 13 أغسطس/آب، صرّحت مجموعة من الأطبّاء المعروفين بـ "القمصان البيض"، والذين تظاهروا في أكتوبر/تشرين الأول ضدّ تأثير الفساد والأزمة الاقتصادية على توفر رعاية صحية ذات جودة، بأنّ وزارة الصحة قالت إنّها لن تدفع نفقات المستشفيات التي تعالج المتظاهرين المصابين في 8 أغسطس/آب. تحت تأثير الضغط من الأطبّاء والمستشفيات، عادت الوزارة عن قرارها على ما يبدو.

كانت وزيرة العدل قد طلبت من المدعي العام التمييزي فتح تحقيق في أحداث 8 أغسطس/آب. لكن، حتى 25 أغسطس/آب، لم يكُن قد فعل ذلك بعد.

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يتمتّع الجميع بحقّ حرية التعبير والتجمّع السلمي كما ينصّ "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية"، ولبنان طرف فيه.

باعت أو وفّرت الجهات المانحة الدولية، مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، أسلحة، وعتادا بقيمة مليارات الدولارات، بالإضافة إلى التدريبات، إلى القوى الأمنية اللبنانية، بما فيها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. قالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي أن تراجع الجهات المانحة هذه البرامج وتتأكّد من أنّها لا تقدم الأسلحة، أو العتاد، أو التدريب إلى أي قوى متورّطة في انتهاكات خطيرة ضدّ المتظاهرين. كما عليها أن تستعمل نفوذها للضغط من أجل تحقيقات موثوقة في الانتهاكات ولمحاسبة المسؤولين عنها.

في 5 أغسطس/آب، أعلنت الحكومة اللبنانية حالة طوارئ لأسبوعين في بيروت، مانحة الجيش صلاحيات واسعة وواضعة جميع القوى الأمنية تحت أمرته. جرى تمديد حالة الطوارئ مرّتين، ومن المفترض أن تنتهي في 18 سبتمبر/أيلول.

قال بَيْج: "لا يمكن للسلطات اللبنانية أن تنهي التظلمات المتأجّجة لدى مواطنيها من خلال ضربهم والاعتقاد أنّها ستفلت من المحاسبة. لتكون الرسالة قوية بأنّه لن يتمّ التسامح مع هذا النوع من الانتهاكات بعد الآن، ينبغي محاسبة الأشخاص المسؤولين عن الضرب وإطلاق الرصاص الحي والخردق على المتظاهرين السلميين".

قوة فتّاكة ومفرطة ضدّ المتظاهرين

تنصّ المعايير الدولية على أن القوى الأمنية ملزمة باستعمال أدنى حدّ من القوة اللازمة في جميع الأوقات. عند تفريق التجمعات العنيفة، يجوز استعمال الأسلحة النارية فقط عند تعذر اعتماد وسائل أقلّ أذية، لكن ينبغي استعمالها بأقلّ قدر لازم. لا يجوز لعناصر الأمن استخدام الأسلحة النارية عمدا إلا عندما يتعذر تجنب ذلك في سبيل حماية الأرواح. ينبغي ألا تُستخدم الذخيرة الحية إلا إذا لزم الأمر لحماية الحياة أو منع إصابة خطيرة.

 

الذخيرة الحية

وثّقت هيومن رايتس ووتش استعمال الذخيرة الحية ضدّ المتظاهرين أو باتجاههم في ثلاث مناسبات مختلفة في 8 أغسطس/آب، وإطلاق الذخيرة الحية باتجاه المتظاهرين، لكن بزاوية عالية، في مناسبة أخرى. لم يُعرف عن وفاة أيّ متظاهرين أو مارّة في هذه الأحداث، لكن جُرح على الأقلّ متظاهر برصاص مسدس.

خلال بعد ظهر يوم 8 أغسطس/آب، راقب باحثو هيومن رايتس ووتش مظاهرات حاشدة حول "مبنى النهار" في وسط بيروت، حيث كان المتظاهرون يحتشدون في محيط مبنى مجلس النواب، ويزيلون الحواجز، ويضرمون النار ببعض المواد، وفي لحظة معينة استخدموا مركبة لقطع الطريق. رمى المتظاهرون الركام على عناصر قوى الأمن الذين ردّوا بكمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع. مع استمرار المظاهرات، صعّدت قوى الأمن ردّها، فشمل الذخيرة الحية وخراطيش الخردق التي تطلق من بنادق "بومب أكشن".  

قال متظاهر يُدعى عمر، طلب مثل آخرين عدم الكشف عن شهرته لدواعي حمايته، إنّه، في حوالي الساعة 7:30 مساء، كان يتظاهر سلميا أمام فندق لو غراي وزقاق مجاور على "جبهات" التظاهر. سمع إطلاق نار ورأى شخصين يطلقان النار على المتظاهرين، وأطلق أحدهما كان يرتدي سروال جينز وتيشرت سوداء، الرصاص من مسدس على عمر الذي اختبأ وراء حائط.

عندما هدأ إطلاق النار، كما قال عمر، ترك مخبأه وأطلق عليه الشخص نفسه النار من مسافة أقلّ من عشرة أمتار، فأصابه في أعلى فخذه الأيسر. قال: "عندما أصابني في البداية، لم أشعر بذلك. نظرت إلى رجلي ورأيتها تنزف. أردت الانسحاب، لكنّني وقعت فور أن خطوت خطوتين".

راجعت هيومن رايتس ووتش السجلّات الطبية لعمر في 8 أغسطس/آب، بما فيها صور الأشعّة السينية التي أظهرت ثلاث شظايا كبيرة من الرصاص وشظايا عديدة أصغر في رجله اليسرى. قال: "لحسن الحظ، لم تصل الرصاصة إلى عظمي. كانت قريبة من الشريان، لكنّها بالكاد لم تلامسه".  

في حادثة أخرى في حوالي الساعة 6:45 مساءً، تمركزت القوى الأمنية قرب جدار داخل المجمّع التابع لشرطة مجلس النواب، للردّ على رمي الحجارة المتواصل، وأطلقت طلقات حية عدة على المتظاهرين في أحد الأزقّة، حيث مبنى "فيرجن ميغاستور" سابقا. قال "جو"، أحد المتظاهرين في الزقاق، إنّه رأى ثلاثة عناصر من القوى الأمنية يحملون دروعا، ويضعون خوذا، ويرتدون دروعا واقية للجسم وبزّات داكنة اللون، وكانوا يطلقون النار مرارا من دون هدف محدّد أو يصوّبون على المتظاهرين ببنادق بومب أكشن.

قال إنّه أطلّ برأسه ليتفقّد الزاوية القريبة، وبالكاد ابتعدت الطلقة عن رأسه، وأصابت الحائط خلفه على مستوى الرأس تقريبا. زار باحث في هيومن رايتس ووتش الموقع لاحقا، وحدّد شظيتين من مقذوفة معدنية الغلاف وشظايا عالقة في الحائط على ارتفاع مترين تقريبا عن الأرض. كان للشظايا المعدنية في الجدار بريق ساطع، ما يشير إلى أن الارتطام كان حديثا.

قال جو إنّه فرّ من المنطقة، لكن بعد ثوانٍ، حوالي الساعة 6:48 مساءً، أطلقت القوى الأمنية طلقتين إضافيتين على الأقلّ على ثلاثة رجال كانوا يحاولون حمل متظاهر مُصاب إلى مكان آمن. تحقّقت هيومن رايتس ووتش من فيديو للحادثة نُشر على فيسبوك في 8 أغسطس/آب وتحدّثت إلى الرجل الذي صوّر الفيديو. يظهر الفيديو ثلاثة رجال في زقاق في مدخل موقف السيارات تحت الأرض يرفعون رجلا ويحملونه إلى ساحة الشهداء، وسط صوت طلقات نارية، وصوت مقذوفات ترتطم بالحائط قربهم.

وجدت هيومن رايتس ووتش في الموقع ضررا متناسبا مع ما تحدثه الذخيرة الحية، بما في ذلك شظايا الرصاص المغلّف عالقة في الحائط. كانت الشظايا المعدنية التي يمكن رؤيتها في الجدار تملك بريقا ساطعا، ما يشير إلى أن الارتطام كان حديثا، علما أنّ هذه المنطقة من بيروت لم تشهد أي حوادث إطلاق النار مماثلة ومعروفة منذ 2015.

في اليوم نفسه، تمّ تداول صور وفيديوهات عديدة على "تويتر" وفيسبوك ظهر فيها في ستّ حالات رجال يلبسون قمصان تيشرت سوداء وسراويل جينز زرقاء يطلقون النار من بنادق بومب أكشن على المتظاهرين قرب ثكنات الجيش في وسط المدينة، بينما يقفون إلى جانب عناصر الأمن الداخلي والجيش بلباسهم العسكري. لم يتّضح نوع الذخيرة التي أطلقوها. في أحد الفيديوهات التي نُشرت على تويتر في 8 أغسطس/آب، يمكن رؤية رجل يرتدي تيشرت سوداء وسروال جينز أزرق بجانب 30 عنصرا آخرين تقريبا، في بزّات أو في لباس مدني، قرب ثكنات شرطة مجلس النواب والجيش بجوار فندق لو غراي. في فيديو آخر نُشر على تويتر، يمكن رؤية الرجل نفسه يركض نزولا على منحدر وهو يطلق النار سبع مرّات على الأقلّ من مسدس، بما يتّسق مع إطلاق الذخيرة الحية. يمكن رؤية الماسورة تتحرّك عشوائيا وأفقيا لدى إطلاق النار، ما يشير إلى أنّ الطلقات كانت عشوائية.

بين الساعة 4 و8:20 مساءً، كان مئات المتظاهرين على خطّ النار حيث كان الرجل يطلق النار، على قرب 45 مترا حتى. في الفيديو، لا يحرّك عناصر الجيش بجواره وعنصر قوى الأمن في لباسه العسكري ساكنا لإيقاف مطلق النار.

أطلق جنديان أيضا النار من سلاحيهما باتجاه المتظاهرين، على الأقلّ ثماني مرّات، فوق رؤوسهم أو على الأرض أمامهم، بحسب الفيديو والصور التي تحقّقت منها هيومن رايتس ووتش وأكّدها شاهد يدعى حسن شعبان. قال شعبان، الذي كان يصوّر الجنود، إنّ الجندي الأوّل، الذي حدّدت هيومن رايتس ووتش أنّه ضابط يحمل شارة "الفوج المجوقل" على لباسه، أطلق النار تقريبا مرتين، كانت الطلقات مرة واحدة على الأقل موجهة إلى الأرض على بعد 5 إلى 10 أمتار عن المتظاهرين.

راجعت هيومن رايتس ووتش صور شعبان وتحقّقت منها، وتظهر غلافَيْ رصاص فارغين متناسبين مع حجم وشكل عيار 5.56 ملم x 45 ملم من بندقية هجومية نوع M4 التي كان يحملها الضابط في مقدّمة وحدته. يقع الغلافان إلى الجانب الأيمن للضابط، بما يتناسب مع خروج الطلقات من سلاح M4 تجاه المتظاهرين. كذلك، فإنّ غطاء نافذة القذف في السلاح مفتوح، بما يتناسب مع تشغيل الترباس حديثا.

وفق البيانات الموثقة في الصور، التُقطت هذه الصور في الساعة 7:26 و7:27 مساءً في 8 أغسطس/آب. يتطابق ذلك مع الغسق الذي يمكن رؤيته في الصور ومع بثّ مباشر من محطة "إم تي في" اللبنانية من الموقع نفسه. سجّل مقطعا فيديو المشهد نفسه من زوايا مختلفة بعض الشيء، ونُشر المقطعان على تويتر في 9 و12 أغسطس/آب، ويظهران الضابط يومئ باتجاه ساحة التظاهر الرئيسية.

على يمينه، يمكن رؤية جندي يتناول بندقيته بعدما كانت معلقة بكتفه بينما يتحرك أمام الضابط، ويوجّه سلاحه إلى الأعلى ويطلق النار باتجاه المتظاهرين الذين يهرب كثيرون منهم نحو جامع الأمين وموقف السيارات قرب شارع اللعازارية. فورا بعد إطلاق النار، أمسك الضابط بمطلق الرصاص الثاني وبدا أنّه يوبّخه، وأرسله إلى الصفّ الخلفي من الوحدة. تتطابق البزّات التي كان يرتديها الجنود، والتي تتّسم بتعدّد الألوان وتمويهات بالبني الفاتح والبني الداكن بمربعات لها تصميم إلكتروني، مع تلك التي يرتديها الفوج المجوقل في الجيش اللبناني. يمكن رؤية الضابط وعلى الأقلّ جندي آخر في الصور الملتقطة في وقت تصوير الفيديو تقريبا، وتظهر شارة الفوج على الجزء الأعلى من الذراع اليمنى.

إطلاق الخردق من بنادق "بومب أكشن"

للمرّة الأولى في لبنان، وثّقت هيومن رايتس ووتش حالات عدّة أطلقت فيها قوى الأمن اللبنانية الخردق المعدني من بنادق بومب أكشن أدّت إلى جرح الناس. في بعض الحالات، صوّبت القوى الأمنية على الأجزاء العليا من أجسام الناس، بما في ذلك وجوههم ورؤوسهم. راجعت هيومن رايتس ووتش السجلات الطبية وصور الأشعّة، وتحدّثت إلى ثلاث ضحايا وأربعة أطبّاء عالجوهم، وحلّلت إحدى كريات الخردق المأخوذة من جسم أحد الأشخاص وصورة شخص آخر. كذلك، شارك أطبّاء "القمصان البيض" سجلّات طبية لـ 13 مريضا من دون الكشف عن هوياتهم، بعد تعرّضهم لإصابات خطرة جرّاء كريات الخردق المعدنية.

توصف أحيانا خراطيش البنادق المتعارف عليها، التي تضمّ كريات معدنية ذات قطر صغير من النوع الذي وثّقته وحلّلته هيومن رايتس ووتش، بخراطيش صيد العصافير. على الرغم من أنّها تكون مركّزة وفق نمط محكم عند إطلاقها، تستمرّ كريات الخراطيش بالانتشار لتشكيل كوكبة يمكن أن يغطّي شعاعها بضع عشرات السنتيمترات على بُعد بعض الأمتار من مكان إطلاقها.

تذكر تعليمات "الأمم المتحدة" المتعلّقة بالأسلحة الأقلّ فتكا في إنفاذ القانون أنّ: "المقذوفات المتعدّدة التي يتمّ إطلاقها في الوقت نفسه غير دقيقة، وبشكل عام، لا يمكن أن يتوافق استعمالها مع مبادئ الضرورة والتناسب. ينبغي ألا تستخدم أبدا الكريات المعدنية، مثل تلك التي يتمّ إطلاقها من البنادق".

نجمت إصابات بعض الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم عن عشرات الكريات، ما يشير أنّها أُطلقت من مسافة قريبة. يشكّل إطلاق النار من بندقية تحمل مئات الكريات المعدنية من مسافة قريبة خطر موت فعلي. قال أطبّاء "القمصان البيض" إنّهم عالجوا إصابات خطيرة عديدة جرّاء الكريات التي طالت الوجه والعنق، وندّدوا باستخدام الخردق بسبب أثره الفتّاك المحتمل الذي يستطيع التسبّب أو المساهمة في التسبّب بإصابات خطيرة، وندوب، وغيرها من العواقب الصحية لمدى الحياة، بما في ذلك الألم والتعب المزمنان، وتلف الأعصاب، وفي بعض الحالات، ارتفاع خطر الإصابة بجلطات ونوبات قلبية.

قال إيلي صليبا، وهو طبيب كان حاضرا أثناء المظاهرة، إنّه في حوالي الساعة 5:15 مساءً، أطلقت عليه القوى الأمنية الخردق المعدني من سلاح بومب أكشن عندما كان متواجدا بين مبنييّ فيرجين ميغاستور السابق و"يو إف إيه للتأمين" قرب ساحة الشهداء. أصابت كرة خردق معدنية كتفه، ثمّ توجّه إلى سطح مبنى فيرجين ميغاستور لتصوير القوى الأمنية، بمن فيها رجال في لباس مدني وجنود، لكنّهم أطلقوا عليه الخردق مرّة أخرى من مسافة حوالي 20 متر. على الرغم من أنّه كان يضع خوذة، استقرّت ثلاث كريات معدنية في رأسه، وانتزع اثنتين على الفور. في اليوم التالي، أزال الأطبّاء الكرة الثالثة.

قال كارل فريحة، وهو ممرّض كان يتطوّع مع "النجدة الشعبية اللبنانية" لتقديم الإسعافات الأولى للمتظاهرين، إنّ عنصر أمن يرتدي بزّة الجيش اللبناني باللون الزيتي المموّه أطلق عليه الخردق من مسافة لا تزيد عن 10 أمتار خلال اعتنائه بمتظاهر مُصاب في الزقاق قرب "دانكن دونتس"، حيث مبنى فيرجين ميغاستور سابقا.

قال فريحة: "كنت أرتدي خوذة، وسترتنا، وسروالنا، وأحمل حقيبة الظهر الطبية الخاصة بنا. كنّا نسير معا في المجموعة، وجميعنا باللباس الموحد. كان واضحا أنّنا مسعفون". استقرّت عدّة كريات معدنية تحت جلده، بما في ذلك في مؤخرته وخلف ركبتيه. اخترقت كرة خردق جلده واستقرّت قرب ضلعه الأيمن، وانغرست أخرى في فروة رأسه بالقرب من أذنه. "شعرت أنّني لم أعد قادرا على التنفّس". 

قال د. فريد بطيش، وهو طبيب مقيم في مستشفى "أوتيل ديو" في بيروت، إنّه رأى إصابات عديدة في العيون بسبب الخردق المعدني والكرات المطاطية، وفَقَد عدد من المتظاهرين بصرهم للأبد. بحسب البيانات الأولية التي جمعتها "الجمعية اللبنانية لأطبّاء العين"، أُصيب 20 متظاهرا على الأقلّ في العيون بسبب الكريات المعدنية والمطاطية خلال تظاهرات 8 و9 أغسطس/آب.

قالت رئيسة الجمعية د. ندى جبور إنّ ثمانية متظاهرين اضطُروا للخضوع إلى عمليات جراحية دقيقة، وفقد ثلاثة منهم بصرهم في عين واحدة. أضافت أنّ الأشخاص الذين لم تستلزم حالتهم جراحة فقدوا درجة من بصرهم بسبب إصاباتهم.  

قدّم طبيب آخر صورة الأشعة السينية لمصاب بعشرات حبيبات الخردق دون الكشف عن اسم المتظاهر. قال الطبيب إن كمية الخردق وحقيقة أنها ثقبت فروة رأس المصاب تشير إلى أن القوى الأمنية أطلقت النار عليه من مسافة قريبة جدا. استقرت كريات الخردق تحت الجيوب الأنفية في الجمجمة وفي عين المتظاهر.

الطبيب ذاته عالج متظاهرا آخر أصيب بالخردق في رقبته. قال الطبيب إن الحبيبات مزقت شريانا في رقبة المصاب وثقبت رئته قبل أن تستقر في نخاعه الشوكي. وقال إنه لو كان الخردق أقرب بميليمتر واحد إلى النخاع الشوكي لكان المتظاهر أصيب بشلل دائم.

إصابات أخرى بالخردق

بينما كان فراس حمدان 33) عاما(، من "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين"، يصور فيديو مباشر على فيسبوك قرب مبنى "فيرجن" سابقا، انفجر جسم وسط عشرات المتظاهرين على بُعد عشرة أمتار منه، وقد طاله الخردق. وقال الطبيب الذي أشرف على عملية حمدان الجراحية إن كرة الخردق ثقبت قلبه واستقرت وسط عضلة القلب. وأضاف أنها تسببت بإصابة حمدان بالاندحاس القلبي، وهو مرض يهدد حياة المريض وينتج عن تجمع السوائل حول القلب. أجرى الأطباء عملية جراحية طارئة لإيقاف النزيف، لكنهم لم يتمكنوا من استئصال كرة الخردق.

استخدام غير مناسب لمقذوفات التأثير الحركي

باستخدامها مقذوفات التأثير الحركي، تحديدا الكرات أو ما يعرف بـ "الرصاصات" المطاطية، تكون القوى الأمنية استخدمت القوة غير المتناسبة. ويبدو أنها أطلقتها، في بعض الأحيان، عشوائيا على المتظاهرين، بما في ذلك على الرأس والوجه، متسببة بإصابات دائمة. يُمنع إطلاق الرصاص المطاطي على الوجه، أو الرأس، أو الرقبة بسبب قدرته على التسبب بإصابات خطيرة أو الموت. وعلى القوى الأمنية الامتناع عن إطلاق هذه الأسلحة من مسافات قريبة بسبب ارتفاع احتمال التعرض لإصابة خطيرة جراء الارتطام أو الولوج في الجسد.

قال ربيع زينو )26 عاما( إنه كان خلف مبنى فيرجن السابق المطل على موقف السيارات بين الساعة 5 و5:30 بعد الظهر، ورأى عناصر من الجيش، وحرس مجلس النواب، ومسلحين بلباس مدني يصوبون أسلحتهم باتجاهه وآخرين تجمعوا في نفس المكان. كان المتظاهرون يرمون الحجارة على الموقف ويتقدمون، في حين كانت القوى الأمنية تطلق الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين وفي اتجاههم.

قال ربيع إنه بينما كان ينحني ليلتقط حجرا، وجّه عنصر أمني يرتدي الزي العسكري الأخضر بندقيته على وجهه مباشرة وأطلق عليه الرصاص المطاطي من مسافة أقل من مترين. أدار ربيع وجهه بسرعة واستقرت الرصاصة المطاطية في خده. أطلقت القوى الأمنية الرصاص المطاطي على صدر ربيع أيضا ومؤخرته.

 في حادثة أخرى، أُطلقت رصاصة مطاطية من مكان انتشار القوى الأمنية بالقرب من كاتدرائية مار جاورجيوس وأصابت امرأة في وجهها. كانت واقفة في الساحة الملاصقة لجامع الأمين وأصيبت بينما كانت تدلي بمقابلة على قناة "الحرة". قال طبيب مطلع على حالتها إن الرصاصة المطاطية كسرت أسنانها وحنكها وخلعت عظم الفك العلوي، متسببة بضرر دائم في بنية العظم في وجهها. وأضاف إن الإصابة قد تسبب لها ألما دائما بسبب تمزق أعصاب أسنانها.

قدم أطباء "القمصان البيض" صورة متظاهر أصيب برصاصة مطاطية في رقبته.

كان مصور الفيديو مكرم الحلبي )34 عاما( يصور الاشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية قرب المسجد العمري الكبير وسط بيروت. قال إن القوى الأمنية كانت مجهّزة بعدة مكافحة الشغب وترمي كميات كبيرة من الغاز على مجموعة من عشرة أشخاص يرمون عليها الحجارة. كان الحلبي، مع ست أو سبع صحفيين آخرين، يصور الاشتباكات بحدود الساعة 5:30 بعد الظهر فأحس برصاصة مطاطية تخرق رِجله. قال إن القوى الأمنية أطلقت الرصاص عليه من مسافة 15 إلى 20 متر. نُقل إلى "مستشفى كليمنصو" حيث تلقى أربع قطب.

الغاز المسيّل للدموع

يمكن اعتبار استخدام الغاز ضد عدد قليل من المتظاهرين الذين يرمون الحجارة، والركام، والمولوتوف، والمفرقعات على القوى الأمنية، ردّا متناسبا، لكن الأثر المؤذي طال المتظاهرين السلميين في ساحة الشهداء. شاهدت هيومن رايتس ووتش القوى الأمنية تطلق قنابل الغاز مباشرة على المتظاهرين السلميين، وسيارات الإسعاف، والفرق الطبية وبين صفوفهم، بما في ذلك في موقف اللعازارية.

قال د. معين جمّال، المتخصص بالطب الباطني، إنه كان يقدم الإسعافات الأولية للمتظاهرين بالقرب من سيارة إسعاف الصليب الأحمر في منتصف ساحة الشهداء، وكان يرتدي المريول الطبي الأبيض، فأطلقت القوى الأمنية الغاز بالقرب من سيارة الإسعاف مباشرة. وقال: "كنت أداوي شخصا ينزف من جبينه... في هذه الأثناء وسقطت عبوة بجانبنا وانفجرت. لم يعد بإمكاني رؤية المريض... تنشقت الغاز وأغمي عليّ واضطر الشباب إلى حملي لإبعادي. استغرقت خمس دقائق كي أتمكن من التنفس بشكل طبيعي".

وثق باحثو هيومن رايتس ووتش الاستخدام المتكرر لعبوات الغاز CS فرنسية الصنع في محيط ساحة الشهداء، ومنها قنبلة G1 CS من صنع ALSETEX، وهي مصممة للاستخدام عن بعد 200 متر، ويمكنها نشر الغاز على مساحة بين 800 وألف متر مربع.

قد يؤدي التعرض الطويل أو المكثف للغاز المسيّل للدموع إلى عواقب طويلة الأمد على الرؤية والتنفس.

إطلاق قنابل الغاز مباشرة وبزوايا منخفضة

شاهدت هيومن رايتس ووتش القوى الأمنية تطلق عبوات الغاز مباشرة على صدور المتظاهرين ورؤوسهم، وتكلمت مع أربعة متظاهرين تعرضوا لإصابات خطيرة. قال المستجيبون الأوائل إنهم عالجوا عدة صدمات ناتجة عن قوة حاد بالرأس سببها عبوات الغاز التي تم إطلاقها.

تسمح المعايير الدولية الخاصة بمقذوفات الغاز المسيل للدموع فقط لتفريق التجمعات غير القانونية وعند الضرورة وبطريقة متناسبة، وتفرض إطلاق المقذوفات بزوايا مرتفعة. تعارض هيومن رايتس ووتش استخدام الغاز لتفريق التجمعات السلمية. بشكل عام، يجب ألا تُطلق المقذوفات مباشرة على الأفراد، كما يُمنع إطلاقها على الرأس أو الوجه. إطلاق المقذوفات على الأرض هو خطر غير مقبول يؤدي إلى إصابات عشوائية.

رأى باحثو هيومن رايتس ووتش القوى الأمنية تطلق عبوة الغاز التي أصابت ربيع بركات فوق عينه اليمنى، عند الساعة 6:45 مساء، في موقف اللعازارية قرب سيارة إسعاف. كان يبعد نحو 70 متر عن المتظاهرين الذين كانوا يرمون الحجارة والحطام على القوى الأمنية.

قال بركات: "كنت أسير دون احتياطات، لأنني لم أتوقع أي خطر... فجأة، شعرت بشيء يصطدم بوجهي، كأن قطارا اجتاحني. كانت الاصطدام قويا لدرجة أحسست بطعم الدم في فمي رغم أن الإصابة فوق عيني فقط". أصيب بركات بكسر فوق عينه اليمنى، ونزيف داخلي في عينه، وبعض النزيف في الدماغ. وقال إن الأطباء قالوا له، لو كانت العبوة أقرب بسنتيمتر واحد إلى عينه لكان فقد الرؤية.

قال ثلاثة متظاهرين آخرين إن القوى الأمنية أطلقت عبوات الغاز عليهم مباشرة. قال إيف )26 عاما( إن القوى الأمنية أطلقت عبوة غاز على صدره مباشرة من مسافة أقل من عشرة أمتار، خلف موقف اللعازارية. رفع يده ليحمي صدره، فأصابت العبوة معصمه ولَوَته.

أصابت القوى الأمنية أيضا روبينا (36 عاما) في رقبتها بقنبلة غاز، في رياض الصلح. قالت: "كان مستحيلا أن نصل إلى [القوى الأمنية]. لم يكونوا في خطر مباشر. لم يكن لدينا أي أسلحة أو ذخيرة. كيف كنا سنهاجمهم؟ بحقائبنا؟ لم يكن لدينا أي شيء".

أطلق عناصر شرطة يحملون عتاد مكافحة الشغب عبوة غاز على متظاهرة شابة عند زاوية موقف اللعازارية أمام متجر "ألفا"، ما أدى إلى إصابة خطيرة بكتفها. قالت: "في البداية لم أستوعب ما كان يحصل، بسبب الصدمة. لم أشعر بذراعي. لاحقا، عندما ذهبت إلى سيارة الإسعاف وأجلسوني، شعرت بألم يفوق الوصف. كنت أصرخ طوال الوقت".

ضرب واستخدام غير مناسب للهراوات، والعصي، والحجارة، والحطام

قام عناصر الجيش وشرطة مكافحة الشغب في الأمن الداخلي بضرب المتظاهرين بالعصي والحجارة وحطام. بين الساعة 8:45 و9:30 مساء، قام جنود وعنصر واحد على الأقل من مخابرات الجيش بضرب المتظاهرين، والإعلاميين، وباحثة من هيومن رايتس ووتش عند تقاطع الرينغ، وحاولوا منعهم من التصوير.

الساعة 8:40 مساء، رأت هيومن رايتس ووتش عشرات الجنود وعنصرا واحدا على الأقل من مخابرات الجيش يشكلون خطا في شارع جورج حداد، قرب تقاطع الرينغ، لمنع مرور المتظاهرين المتوجهين إلى ساحة الشهداء. بينما كان معظم المتظاهرين سلميين، صرخ بعضهم في وجه الجيش ورموا عليهم قوارير المياه البلاستيكية مطالبين بالمرور. الساعة 8:50 مساء، وبدون سابق إنذار، هجم عناصر الجيش على المتظاهرين وضربوهم بقبضاتهم، والعصي، وأعقاب البنادق.

اعتدى جندي على عضو من الفريق البحثي لـ هيومن رايتس ووتش أثناء قيام هذا الشخص بالتصوير، ثم أمسك عنصر، بدا أنه من مخابرات جيش،  الهاتف ورماه بعيدا.

الساعة 9:05 مساء، ضرب جنديٌ مراسل "الجزيرة" تيمور أزهري بِعَصا على رأسه رغم صراخه بأنه صحفي.

 سجّلت مصورة الفيديو ريتا قبلان هجوم الجيش على متظاهرين سلميين بأغلبهم عند تقاطع الرينغ. يظهر في الفيديو الذي شاهدته هيومن رايتس ووتش، أربعة جنود يركلون متظاهرا فتيا مرميا على الأرض. وعندما كانت تصور، اعتدى عليها جندي بكعب بندقيته فكسر لها عظمة الترقوة. قالت: "وقفت، ثم أغمي علي. كل ما أذكره أن شابا حملني واجتاز الجسر نحو الإسعاف. استهدفني [الجندي] لأنني أحمل كاميرا".

في نفس الحادثة، ضرب جنودٌ إيلي صليبا وركلوه، رغم تعريفه عن نفسه للضابط بأنه طبيب. ولَكَم جنديٌ آخر أحد المتظاهرين في وجهه. قال هذا المتظاهر، الذي رفض الإدلاء باسمه: "لم أكن أصرخ أو أشارِك بشيء. كنت أصور فقط".

تأكدت هيومن رايتس ووتش من فيديوهين نُشرا على تويتر في 9 أغسطس/آب، يظهر فيهما جنود يرمون الحجارة على المتظاهرين. في أحدهما، خمسة جنود على الأقل كانوا يرمون الحجارة من داخل ثكنات شرطة المجلس والجيش على المتظاهرين المتجمعين في الزقاق الملاصق لمبنى فيرجين السابقالثاني، الذي صُوِّر مساء ونُشر على تويتر الساعة 9:09 مساء، يُظهر خمسة جنود يقفون على تقاطع الرينغ عند جسر فؤاد شهاب ويرمون الحجارة على المتظاهرين في شارع جورج حداد.

قامت القوى الأمنية المجهزة بعتاد مكافحة الشغب بضرب المتظاهرين. في فيديو، تأكدت هيومن رايتس ووتش من صحته، يظهر شرطي وهو يغادر موقعه وينهال ضربا بعصا على رأس متظاهرة.

قال شهود إن القوى الأمنية بعتاد مكافحة الشغب رموا الحجارة على المتظاهرين. قال منذر يحي )45 عاما( إن عناصر الشرطة كانوا يطلقون الغاز ويرمون الحجارة والحطام على المتظاهرين، في شارع الأمير بشير بين الساعة 6 مساء و6:30 مساء.

قال يحيى: "كان بعض المتظاهرين يرمون الحجارة، لكن كمية الحجارة التي رمتها القوى الأمنية كانت كبيرة جدا. أصاب حجر، رماه شرطي من بعد 20 متر تقريبا، وجه يحيى، ما أدى إلى كسر في جمجمته ومحجر العين. اضطر الأطباء إلى زرع 17 مسمارا وأربع قطع معدنية في وجهه.

القيادة والتحكم في القوى الأمنية

في 17 ديسمبر/كانون الأول 2019، قالت وزيرة الداخلية في حينها ريا الحسن لـ هيومن رايتس ووتش إن قوى الأمن الداخلي، بما فيها وحدة مكافحة الشغب، تأتمر بأوامر وزارة الداخلية. خلال اجتماع مع هيومن رايتس ووتش، في 13 فبراير/شباط، قال مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وهو لا يزال يشغل نفس المنصب، إن وحداته تلتزم "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون"، وإنها تصعّد استخدام القوة تدريجيا.

قال اللواء عثمان إنه الوحيد المخول إصدار أمر للوحدات التابعة له باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، بعد استنفاد بدائل أقل عنفا، مثل الإنذار الشفهي وخراطيم المياه. وأضاف أن أربعة أو خمسة عناصر فقط في كل وحدة يحملون الرصاص المطاطي، ويُسمح للعناصر المدرَّبة فقط باستخدام قاذفات الغاز المسيل للدموع. قال إنه هو مَن يقرر متى تكون هناك ضرورة لهذا الأمر تبعا لتقييمه للوضع الميداني والخطر الذي يواجه عناصره.

قال عثمان إن وحدات شرطة مكافحة الشغب لا تملك "ذخيرة حية"، بعكس وحدات أخرى من قوى الأمن الداخلي، مثل الوحدات المولجة حماية بمجلس الوزراء. هذه الوحدات لا تحتاج لأمر كي تستخدم الذخيرة الحية، فمن حقها قانونا، كما قال، أن تستخدمها في بعض الحالات المبينة في المادة 221 من مدونة قواعد سلوك قوى الأمن الداخلي، بما في ذلك حالات الخرق الأمني للمباني المكلفين بحمايتها.

أضاف أنهم يحرسون محيط المبنى، بناء على خطة موضوعة مسبقا، ويتخذون مختلف التدابير ضد الأشخاص الذين يحاولون خرق هذه "الخطوط غير المرئية". وقال إنه عندما تُبعِد شرطة مكافحة الشغب الناس عن هذه الخطوط، فإنها "تحمي الناس" من وحدات قوى الأمن الداخلي الأخرى التي لديها الحق باستخدام الذخيرة الحية.

قال عثمان إن في كل مرة تُستخدم القوة يُجرى تحقيق في الحادثة. قوى الأمن الداخلي لديها جدول زمني بالأحداث يتضمن أسماء الذين أعطوا الأمر بتصعيد استخدام القوة ومتى. وأضاف أن المجلس التأديبي يعاقب كل عنصر من قوى الأمن الداخلي يظهر التحقيق أنه تصرف بطريقة غير مناسبة. رفض نشر التحقيقات ونتائجها متذرعا بأن ذلك قد يؤدي إلى إحباط عزيمة القوى الأمنية ويمس بهيبتها.

قالت الحسن، وزيرة الداخلية حينها، إن شرطة مجلس النواب تعمل بأوامر رئيس المجلس نبيه بري. الحسن وعثمان قالا إن شرطة مكافحة الشغب التابعة لقوى الأمن الداخلي وشرطة المجلس يرتدون نفس الزي، ومن المستحيل التمييز بين العناصر بناء على الزي وحده.

لا يُعرف الكثير عن هيكلية قيادة شرطة المجلس، وهم رفضوا عدة مرات الإدلاء بتعليقات لـ هيومن رايتس ووتش، ورفضوا أيضا الإجابة عن أسئلتنا حول أحداث 8 أغسطس/آب. بحسب تلفزيون LBC (إل بي سي) المحلي، تتألف شرطة المجلس من 412 عنصرا، 112 منهم يأتون من قوى الأمن الداخلي، والباقون يعينون مباشرة من قبل بري، وأغلبهم من "حركة أمل"، الحزب السياسي الذي يرأسه.

زعمت شرطة المجلس أن مهامها تنحصر فقط بحماية مقر المجلس، وأن تأمين النطاق الجغرافي لمبنى البرلمان مناط بقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني. غير أن مسؤولين حكوميين وأمنيين كبار قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن شرطة المجلس مسؤولة عن اعتداءات خطيرة على المتظاهرين خارج مقر البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2019.

نقل تلفزيون إل بي سي أن شرطة المجلس لا تتقيد بنفس القواعد السلوكية، أو التدريب، أو الهيكليات القيادية التي تتبعها القوى الأمنية الأخرى، ورئيس المجلس وحده يملك قرار ترقية عناصرها. وأضاف أن ميزانية شرطة المجلس تُرصد ضمن ميزانية المجلس. قال عثمان إنه يعتبر عناصر شرطة المجلس مدنيين.

الجيش يتبع أوامر العماد جوزيف عون. خلال اجتماع 23 يونيو/حزيران مع هيومن رايتس ووتش، قال نائب رئيس الأركان العميد خليل يحيى إن الجيش مفوَّض رسميا بالحفاظ على الأمن الداخلي، وإن لديه دليلا للمبادئ التوجيهية لتفريق المظاهرات. قائد الجيش جوزيف عون فقط يمكنه إصدار أمر بتفريق المظاهرات.

أولا، بحسب ما قال يحيى، على الجنود إنذار المتظاهرين شفهيا. بعد ذلك، يمكنهم استخدام الأسلحة الأقل فتكا، مثل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. أضاف أن بإمكان الجنود استخدام أسلحتهم للدفاع عن النفس، لكن بعد أن يطلقوا النار في الهواء أولا. وقال إن القضاء العسكري يحقق في سلوك الجنود.

ظروف عمل منهكة للقوى الأمنية

في فبراير/شباط، قال عثمان لـ هيومن رايتس ووتش إن الاحتجاجات التي عمّت البلاد منذ 17 أكتوبر/تشرين الثاني 2019 أجبرت القوى الأمنية على العمل لفترات أطول بكثير من المعتاد، بدون الحصول على أجر الساعات الإضافية وبأيام عطلة قليلة. أضاف أن عناصر القوى الأمنية يعملون بين 96 و105 ساعات أسبوعيا، بدل 72 ساعة، بدون التعويضات المناسبة.

قال العميد يحيى إن عناصر الجيش يعملون تحت ضغط كبير وقد تعرضوا لاعتداءات من محتجين عنيفين.

مثل معظم اللبنانيين، تأثر عناصر القوى الأمنية بالأزمة الاقتصادية. أجورهم خسرت 80% من قيمتها بسبب تدهور الليرة اللبنانية. كما أعلن الجيش في 30 يونيو/حزيران التوقف عن تقديم اللحوم للجنود في الخدمة.

إصلاحات مقترحة

قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لقادة جميع القوى الأمنية إصدار توجيهات واضحة حول توقيت وكيفية استخدام الغاز المسيل للدموع والعتاد الآخر لمكافحة الشغبمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون تشترط على القوى الأمنية استخدام وسائل غير عنيفة، مثل الطلب من المتظاهرين إخلاء المكان، قبل اللجوء إلى القوة والأسلحة النارية. على القوى الأمنية الالتزام بمبدأ التصعيد المدروس لاستخدام القوة. عند استخدام القوة، على العناصر الأمنية ضبط أنفسهم والرد بما يتناسب مع التهديد الذي يواجههم من أجل تقليل الضرر والإصابات.

تنص مدونة قواعد سلوك قوى الأمن الداخلي، التي أُقرت في 2011، على أن عنصر الأمن يمتنع عن استخدام القوة إلا في حالة الضرورة وبعد استنفاد كافة الوسائل غير العنيفة المتاحة، وضمن الحدود اللازمة لأداء المهمة.

ينبغي للقوى الأمنية التوقف عن استخدام خرطوش الصيد )الخردق( نهائيا وفي جميع الظروف، والنظر في استخدام بدائل أقل فتكا تقلل من الإصابات. وينبغي لها تعزيز التدريب على عتاد أقل فتكا للسيطرة على الحشود.

ينبغي لسلسلة القيادة في جميع القوى الأمنية ضمان المحاسبة الجنائية بحق عناصر إنفاذ القانون الذين استخدموا القوة غير القانونية. ينبغي للنيابة العامة فتح تحقيق مستقل في أحداث 8 أغسطس/آب ونشر النتائج.

من أجل تعزيز جهود المحاسبة، يجب أن يكون للقوى الأمنية المختلفة بزّات مختلفة يسهل تمييزها. يجب أن يكون بالإمكان تمييز مختلف وحدات إنفاذ القانون وعناصرها، بما في ذلك عبر وضع شارة الاسم أو الرقم التسلسلي للعنصر على الزي.

ينبغي للجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، وشرطة مجلس النواب اتخاذ تدابير لضمان حصول كل المخولين حمل أسلحة نارية واستخدامها على التدريب المناسب والمستمر، وخضوعهم لتقييم مستمر لكفائتهم على القيام بهكذا مهام، وتجهيزهم بالحمايات المناسبة، وأن يُمنح عناصر الأمن وقتا للراحة كلما أمكن.

ينبغي للمانحين الدوليين الذين يمولون القوى الأمنية اللبنانية أن تحقق فيما إذا كان دعمهم يذهب إلى وحدات تنتهك القانون، وإذا كان الحال كذلك، أن توقف الدعم فورا.