الحكم بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يصدر في الساعات المقبلة في لاهاي
كل الأنظار شاخصة إلى لاهاي حيث ستنطق المحكمة الخاصة بلبنان بحكمها في الجريمة التي هزت لبنان في 14 شباط 2005 باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ستبدأ جلسات المحكمة عند الساعة 12 ظهراً بتوقيت بيروت وتنتهي بإصدار الحكم عند الرابعة والنصف عصراً.
ومن بعدها يتوقع أن تكون كلمة للرئيس سعد الحريري الموجود في لاهاي للتعليق على الحكم ومحاولة تهدئة الشارع إذا ما ثبتت إدانة عناصر من "حزب الله" في اغتيال والده.
ونقلت صحيفة "نداء الوطن" عن مصدر أمني لبناني رفيع أنّ أوامر أعطيت لكافة الأجهزة الأمنية بالاستنفار في بيروت وفي المناطق ذات الغالبية السنية كطرابلس وعكار وصيدا والبقاع، تحسباً لأي تداعيات ميدانية تعقب النطق بحكم المحكمة الدولية، موضحاً أنّ "وحدات من كافة الأجهزة الأمنية تم استنفارها ليس بهدف قمع حرية التعبير وإنما بسبب وجود معلومات تفيد بأنّ بعض الجهات ستعمل على استغلال مشاعر الناس في الشارع السني عبر زج بعض المندسين بين صفوفهم لحضهم على إحداث أعمال شغب قد تؤدي في مناطق تقع على تماس مع الجمهور الشيعي، كبيروت مثلاً، إلى إشكالات يُخشى أن تتطوّر وتتحوّل في مرحلة لاحقة إلى اشتباكات".
وأضافت "نداء الوطن": أما على المقلب الآخر، فتؤكد مصادر مطلعة على موقف "حزب الله" أنّ "قيادة الحزب أوعزت إلى كوادرها الميدانية بالعمل على ضبط الشارع في مختلف مناطق نفوذ "حزب الله" انضباطاً تاماً ومنع الانجرار إلى أي ردات فعل شعبية قد تؤدي إلى الصدام مع الشوارع الأخرى"، لافتةً إلى أنّ "الحزب يعلم أنّ الحملة ستكون ضده شرسة بعد صدور حكم المحكمة الدولية وهناك محاولات حثيثة ستبذل لزج جمهوره في إشكالات وصدامات ميدانية، لكنه مصمم في المقابل على منع حدوث ذلك، وهو سيكون خلال الساعات المقبلة في أعلى مستويات التأهب ولو بشكل غير مرئي وعلني على الأرض لمحاولة تطويق أي إشكال ومنع تطوره"، مع إشارة المصادر في الوقت نفسه إلى أنّ "أحداً لا يمكنه في نهاية المطاف تقدير الحجم الذي سيبلغه الاستفزاز في الشارع، ولذلك فإنّ خطر وقوع الإشكالات سيبقى قائماً ولا يستطيع أي طرف التكهن مسبقاً بما ستؤول إليه الأمور".
من جهتها، استوضحت صحيفة "النهار" من المحامي الرئيسي لدى المحكمة الخاصة بلبنان ولدى المحكمة الجنائية الدولية الدكتور أنطونيوس أبو كسم عن الأهميّة العلميّة والقانونيّة وعالالميّة للحكم الذي سيصدر في الساعات المقبلة، فقال إنّ "الحكم الذي سيصدر عن المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يكتسب أهميّة قصوى أكان على المستوى القانوني أو على المستوى الدولي لمكافحة الإرهاب. إنّه أوّل حكم يصدر عن محكمة ذات طابع دوليّ ينظر بجرائم الإرهاب في زمن السلم، فيما باقي المحاكم الدولية تنظر بجرائم القانون الدولي الإنساني (جرائم الحرب وجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية).
وعن العقوبات التي يمكن أن تصدر في حقّ المدانين بالجريمة، قال أبو كسم إنّ "إنّ كلّ متّهم مدان سيحكم بتنفيذ عقوبة قد تصل إلى السجن مدى الحياة، حيث أنّ نظام المحكمة لا ينصّ على عقوبة الإعدام. في حال الإدانة ستعقد جلسة أخرى مخصّصة للنطق بالعقوبة، ولأن المحاكمة غيابية، ستصدر غرفة الدرجة الأولى مذكرات توقيف بحقّ المدانين، على الدولة اللبنانية تنفيذها دون تأخير لا مبرر له. كما وأنّ هذه المذكّرات ستعمّم دولياً بواسطة الانتربول. في حال عدم استجابة لبنان لطلب أو لأمر من المحكمة، يجوز للغرفة المعنيّة أن تنظم محضر قضائي وعلى رئيس المحكمة أن يباشر التشاور مع السلطات اللبنانية ﺑﻬدف الحصول على التعاون المطلوب. في حال لم يقدّم أي رد مقنع، يعدّ الرئيس محضرًا قضائياً ﺑﻬذا الأمر ويحيل المسألة إلى مجلس الأمن للاطلاع واتخاذ الإجراءات المناسبة. للمحكومين غيابيا طلب إعادة المحاكمة من جديد شرط المثول وجاهياً أمام المحكمة".
ماذا يتغيّر بعد 18 آب؟ في خلاصة أبو كسم إنّ "صدور الحكم يشكّل خطوة هامّة نحو مكافحة الإفلات من العقاب في لبنان بعد عقود من الاغتيالات السياسية التي لم يحاكَم مرتكبوها. إنّ عدالة المحكمة الدولية تؤذن أنّ مرتكبي الجرائم السياسية والاغتيالات ليسوا بمنأى عن العدالة. عسى أن تكون عدالة المحكمة الدولية ركيزةً لحماية الديموقراطية وحماية الحياة السياسية ورادعاً كي لا يستمرّ القتل، إحدى الأدوات المشينة التي تستعمل في الخلاف السياسي، إذ إنّ استمرار الاغتيال السياسي نهجاً مستمرًا في لبنان قد يهدّد الحياة السياسية ووحدة الوطن. إنّ صدور أوّل حكم عن المحكمة الدولية يشكّل فرصة للقضاء اللبناني ليطوّر إمكانيّاته وليتمتّع بالاستقلالية والمناعة ليصبح قادراً على النظر بالاغتيالات دون تدخلات سياسية".