الوزير حتي يستقيل محذراً من تحول لبنان إلى دولة فاشلة وعون يعيّن مستشاره شربل وهبة مكانه
جبلنا ماغازين – بيروت
لم تكد تمر ساعات قليلة على تقديم وزير الخارجية ناصيف حتي استقالته من الحكومة، حتى وقع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب مرسوم قبول الاستقالة ومرسوم تعيين السفير شربل وهبة وزيرًا للخارجية والمغتربين خلفاً له.
وكان حتي قد قدم صباحاً استقالته للرئيس دياب. ولاحقا، شرح في بيان الأسباب التي دفعته الى الاستقالة، وأبرز ما قاله في البيان: “لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد إسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة، إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب لا سمح الله سيغرق بالجميع”.
من هو الوزير الجديد للخارجية؟
تشير نبذة وزعت عن عن الوزير الجديد للخارجية شربل وهبة إلى أنه عُين منذ تشرين الأول من العام 2017 مستشاراً لرئيس الجمهورية ميشال عون للشؤون الديبلوماسية بعدما أمضى 42 عاماً في وزارة الخارجية، اختتمها كأمين عام للخارجية بالوكالة خلال الفترة بين شباط 2017 وتمّوز 2017، بعد أن تبوأ منصب مدير الشؤون السياسية والقنصلية في الوزارة بين عاميْ 2012 و2017، وكان سفيراً للبنان لدى فنزويلا بين عاميْ 2007 و2012، وقنصل عام للبنان في لوس انجلوس – الولايات المتحدة الأميركية من عام 2002 إلى عام 2007، وقنصل عام لبنان في مونتريال – كندا بين عامي 1995 و2000، وتنقل قبل ذلك في عدة مناصب ديبلوماسية في سفارات لبنان في كل من القاهرة – مصر، لاهاي – هولندا، برلين- ألمانيا، وفي قنصلية لبنان العامة في تورونتو – كندا.
بيان الوزير حتي بعد الاستقالة
شرح وزير الخارجية والمغتربين المستقيل ناصيف حتي في بيان وزعه الأسباب التي دفعته الى الاستقالة، وقال فيه: “بداية أودّ ان أعبّر عن امتناني لكل من أبدى ثقة بشخصي لتولي وزارة الخارجية والمغتربين، لم يكن قراري بتحمل هذه المسؤولية الكبيرة شأناً عادياً في خضم انتفاضة شعبية قامت ضد الفساد والاستغلال، ومن اجل بناء دولة العدالة الاجتماعية، فيما يشهد لبنان أزمات متعددة الأشكال والأسباب سواء في الداخل أو في الإقليم”.
وتابع: “ما أصعب الاختيار بين الإقدام والعزوف عن خدمة الوطن حتى ولو تلاشت احتمالية تحقيق اليسير في نظام غني بالتحديات المصيرية وفقير بالإرادات السديدة”، وتابع “حملت آمالاً كبيرة بالتغيير والإصلاح ولكن الواقع أجهض جنين الأمل في صنع بدايات واعدة من رحم النهايات الصادمة. لا لم ولن أساوم على مبادئي وقناعاتي وضميري من أجل أي مركز أو سلطة”.
وأضاف حتي: “تربيت ونشأت وعشقت واعتنقت لبنان مؤلا للحرية والفكر والعلم والثقافة، لبنان المنارة والنموذج، لبنان موطن الرسالة وملتقى الشرق بالغرب”.
وقال: “لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة لا سمح الله، وإنني أسائل نفسي كما الكثيرين كم تلكأنا في حماية هذا الوطن العزيز وفي حماية وصيانة أمنه المجتمعي، إنني وبعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذّر أداء مهامي في هذه الظروف التاريخية المصيرية ونظرا لغياب رؤية للبنان الذي اؤمن به وطنا حرا مستقلا فاعلا ومشعا في بيئته العربية وفي العالم، وفي غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به، قررت الإستقالة من مهامي كوزير للخارجية والمغتربين متمنياً للحكومة وللقيمين على إدارة الدولة التوفيق وإعادة النظر في العديد من السياسات والممارسات من أجل إيلاء المواطن والوطن الاولوية على كافة الاعتبارات والتباينات والانقسامات والخصوصيات”.
وأردف حتي “إن المطلوب في عملية بناء الدولة عقولاً خلاقة ورؤيا واضحة ونوايا صادقة وثقافة مؤسسات وسيادة دولة القانون والمساءلة والشفافية”.
وأضاف “ان الأسباب التي دعتني إلى الاستقالة هي ما تقدمت بشرحها، على أنّه تم تناقل بعض التأويلات والتحليلات وكذلك بعض التفسيرات التبسيطية السطحية عبر بعض وسائل الإعلام التي لا تلزم سوى أصحابها، وكلّها أمور لم أتوقف عندها طيلة حياتي المهنية، إذ يبقى الأساس كوزير للخارجية الحفاظ على مصالح البلد وتعزيز وتحصين علاقاته الخارجية وتحسيس المجتمع الدولي كذلك العربي، بأهمية تدعيم الاستقرارفي لبنان”.
وختم حتي قائلاً: “لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد إسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة، إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب لاسمح الله سيغرق بالجميع”.
النهار: كان حتي يتولى مهماته في الخارجية بلا صلاحيات
بحسب جريدة "النهار"، اكتشف ناصيف حتي متأخراً وهو الديبلوماسي العريق، انه لا يستطيع ممارسة مهماته في الخارجية. وقبل أن يقدِم على الاستقالة شعر أن الامور تسير في غير ما تمليه تقاليد الديبلوماسية وقناعاته، خصوصاً حين حاول أن يكون حيادياً في طرحه للملفات مع الأميركيين والفرنسيين. اتهمت قوى الممانعة حتي بانه "يساير" الاميركيين، وطُلب منه أن يكون أكثر تشدداً مع وزير الخارجية الفرنسي جان - إيف لودريان ويجاري موقف الرئيس دياب في مخاطبة الديبلوماسي الفرنسي، وألّا يكون جزءاً مما يعتبره "حزب الله" قراراً أميركياً بإسقاط الحكومة، لكنه كان صريحاً في ممارسته الديبلوماسية وإنْ كان يتولى مهماته بلا صلاحيات في وزارته، حيث مرجعية الوزارة والسلك الديبلوماسي كانت محصورة بالقوى الممسكة بالقرار. وهو اكتشف أن ثمة مَن يتدخل في كل شؤون الوزارة ويُدير بعض تركيبها وزيرها السابق جبران باسيل، فيما الملفات الحساسة تجري متابعتها بتكليف شخصيات أخرى للتوسط فيها. واكتشف أيضاً أنه مستبعد من التقرير في الملفات المتصلة بالمجتمع الدولي، من قضية النازحين السوريين إلى مسألة ترسيم الحدود وغيرها من مسائل كيانية لوزارة الخارجية دور حاسم فيها.
وأضافت الصحيفة: بعد استقالة حتي ستكون الحكومة أمام امتحان جديد بالنسبة إلى قوى الممانعة. "حزب الله" يعتبر، وفق سياسي لبناني متابع، أن استقالة حتي تُدرج ضمن المحاولات الأميركية لإسقاط حكومة دياب، وهي أتت قبل أيام من صدور الحكم النهائي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لذا قرر "الحزب" مع حلفائه السير بالحكومة نحو المواجهة لمنع إسقاطها. ووفق السياسي، تشير أجواء "الحزب" إلى أنها ليست المرة الأولى التي يسعى فيها الأميركيون الى إسقاط الحكومة، بل سبقتها محاولات قبل أقل من شهرين في معركة التعيينات الشهيرة، وقيل حينها إن هناك تسوية لتكليف شخصية محسوبة على الأميركيين ضمن سلة متكاملة، وسُرّب معها أن رئيس مجلس النواب نبيه بري موافق عليها. اعتبر "الحزب" حينها انه أسقط هذه المحاولة بـ"كفّ يد السفيرة الاميركية دوروثي شيا"، لكن الاهم انه حسم في موقف الرئيس دياب المطواع إلى جانبه حين هاجم تدخل السفراء في الشؤون الداخلية ووجّه كلامه مباشرة الى السفيرة الاميركية، وكذلك الى السفير السعودي في بيروت. في تلك المواجهة كان مطلوباً من الوزير حتي أن يؤنب دوروثي شيا ويندد بتدخلها عند استدعائها الى الخارجية، إلا انه تصرف ديبلوماسياً ولم يجارِ "الحزب" في المواجهة بعد القرار الذي أصدره القاضي محمد مازح وجرى طيّه لاحقاً.
الأنباء: كان يشعر بأنه مراقب ومقيد سياسياً
وبجسب جريدة الأنباء"، جملة أسباب دفعت وزير الخارجية ناصيف حتي إلى استقالة. يصعب حصر هذه الاستقالة في سبب محدد ومباشر، ويمكن الكلام عن ظروف وعوامل تدافعت وتراكمت وأدت إلى الاستقالة الوزارية الأولى من حكومة الرئيس حسان دياب، والاستقالة الثانية المدوية بعد استقالة مدير عام وزارة المالية… ويمكن اختصارها في النقاط التالية:
1-الإحراج الكبير الذي شعر به حتي جراء “الخطأ الدبلوماسي” الذي ارتكبه رئيس الحكومة حسان دياب، منتقدا في تغريدة له وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان وقائلا عنه انه لم يحضر ملفاته جيدا، وأن زيارته إلى بيروت لم تحمل جديدا، وهذا الانتقاد غير المسبوق لرأس الديبلوماسية الفرنسية قابله الوزير حتي بامتعاض شديد، خصوصا أن علاقة وطيدة تربطه بالفرنسيين وبالوزير لودريان خصوصا، وخاصة أيضا أنه “استبعد” من عملية الإعداد لزيارة لودريان ولم يكن له فيها دور وتأثير، وقد عبر حتي في أكثر من مناسبة عن خلافه مع طريقة تعاطي رئيس الحكومة في السياسة الخارجية، “الأمر الذي بات يستنزف رصيدي المهني والديبلوماسي” (كما قال صراحة في مقابلته التلفزيونية الأخيرة).
2-الحساسية المفرطة التي أبداها حتي حيال الزيارات الخارجية لمدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي زار العراق والكويت، وكان مع وزير الخارجية في زيارة إلى الأردن.
ومع أن اللواء إبراهيم زار دولا عربية في مهمة خاصة مستخدما علاقاته الوثيقة مع مسؤولين أمنيين وزارها كموفد رئاسي، خصوصا أن مدير عام الأمن العام هو في القانون والعرف كبير مستشاري رئيس الجمهورية ويمكن انتدابه لمهمات خارجية سبق أن قام بالكثير منها في السنوات الماضية، إلا أن الوزير حتي اعتبر أن في الأمر تجاوزا على موقعه ودوره وصلاحياته.
3-شعور الوزير حتي بأنه موضوع تحت المراقبة والامتحان و”مقيد سياسيا”، وهو لم يستسغ الانتقادات والضغوط التي تأتيه من مصدرين أساسيين:
-حزب الله كما حدث في أعقاب زيارة “الاستدعاء” للسفيرة الأميركية دوروثي شيا، التي تبين أنها كانت للاعتذار وليست للتوبيخ… أو كما حدث بعد استنكاره للقصف الصاروخي الحوثي على السعودية.
-والمصدر الثاني هو النائب جبران باسيل الذي أبلغه عبر اتصال هاتفي بعد إطلالته التلفزيونية الأخيرة انزعاجه مما قاله، متوجها اليه بعبارات من التأنيب الصريح على المواقف التي أطلقها.
4- شعور الوزير حتي بأنه على رأس وزارة مازالت “تابعة” في تركيبتها ومسؤوليها للوزير السابق جبران باسيل وواقعة تحت تأثيره ونفوذه، وهذا ما أشعره بالضيق على المستوى “الإداري” أيضا بسبب عدم امتلاكه عدة الشغل الخاصة به، وعدم قدرته على تكييف وزارة الخارجية لتكون منسجمة مع سياسته وأدائه، وعدم التمكن من التحكم في التعيينات والتشكيلات الديبلوماسية فيها.
5- عدم رضا وزير الخارجية عن أداء الحكومة وسياستها في الداخل وتجاه الخارج، وتبلغه الكثير من الانتقادات والملاحظات السلبية من مراجع وعواصم معنية بالملف اللبناني.
وكان أبرز ما سمعه وتلقاه خلال زيارته إلى روما ولقائه مع دوائر الفاتيكان التي عبرت عن القلق إزاء مسار الأوضاع في لبنان مع دخولها مرحلة الانهيار وسلوكها منحى كارثيا، وإزاء الطريقة التي تدير بها الحكومة الأمور والأزمات، وما تظهره من بطء وتردد وتخبط وإحجام عن الدخول في عملية الإصلاحات الضرورية والملحة.
وفي النتيجة، وصل حتي إلى قناعة مفادها أن الحكومة الحالية وصلت إلى طريق مسدود، ولن تصل إلى نتيجة، ولا تتجاوب مع متطلبات المرحلة وتحدياتها، و”لا تساعد نفسها” كي يساعدها المجتمع الدولي.
6- استشعار دقة وخطورة التطورات الآتية في المرحلة المقبلة وصعوبة التعامل معها، خصوصا أن هذه المرحلة لا تحتمل سياسات ومواقف “وسطية ورمادية”، ولا تتناسب مع أسلوب حتي وأدائه وتوجهاته وخبرته التي راكمها على مر سنوات من عمله الديبلوماسي الاحترافي.
وختمت جريدة "الأنباء" بالقول: هناك معلومات تشير إلى أن وزير الخارجية تبلغ خلال العطلة رسائل خارجية ضاغطة إحداها تبلغه بأنه سيتلقى خلال يومين دعوة للمشاركة في حضور جلسة إعلان الحكم بالمحكمة الخاصة بلبنان ٧ أغسطس ورسالة أخرى تبلغه بأن المطلوب عند تنفيذ حزب الله عملية الرد على قصف إسرائيل للأراضي اللبنانية إعلان وزارة الخارجية أنه لا علاقة للبنان بالعملية، وتقول هذه المعلومات إن الوزير حتي عاش صدمة مع تلقي هذه الرسائل من جهة، وتوقع أن تزداد الضغوط من جهة أخرى، فارتأى أن الاستقالة الاستباقية هي الخيار الأفضل.