يوم تاريخي للبنان: محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الحريري تنطلق في لاهاي
بعد 8 سنوات و11 شهراً على جريمة الاغتيال التي غيرت وجه لبنان، أطلقت المحكمة الخاصة بلبنان اليوم (الخميس) في لاهاي، ووفق اعلى معايير العدالة الدولية، جلسات محاكمة المتهمين الخمسة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وعدد من المدنيين في عملية الاغتيال التي وقعت في بيروت يوم 14 شباط 2005.
وأعلن رئيس غرفة الدرجة الاولى في المحكمة الدولية القاضي الاوسترالي دايفد ري عن "بدء الاستماع الى الشهود يوم الأربعاء المقبل"، وأوضح ان "الإدعاء ينوي استدعاء مئات الشهود".
وبحضور حشد إعلامي وشخصيات سياسية واهالي الضحايا والمتضررين يتقدمهم الرئيس سعد الحريري، افتتح رئيس المحكمة دايفيد باراغوانت الجلسة عارضا المراحل التي ستتخللها جلسات المحاكمة. وألقى كلمة أكد خلالها ان المحكمة ستطبق حقوق المتهمين بالحصول على محاكمة عادلة، وأن الشهود بإمكانهم عرض الأدلة أمام المحكمة. ومن ثم أشار الادعاء في المحكمة الى ان كل من المتهمين سليم عياش ومصطفى بدر الدين يعتبران شاركا في المؤامرة التي أدت الى الانفجار في 2005، اي ان بدر الدين وعياش متهمان بارتكاب هذه الجريمة ، فيما المتهمان الآخران أسد صبرا وحسين عنيسي يعتبران متواطئان.
ووجه الادعاء التهمة بانهيار جزء من فندق السان الجورج والقتل المتعمد للرئيس رفيق الحريري و21 شخصاً آخرين بعد تخطيط مسبق عبر استخدام مواد متفجرة، بالاضافة الى محاولة القتل المتعمد لمئتي وستة أشخاص في العام 2005.
ومن ثم عرض المدعي العام نورمان فاريل لصور
اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وشدد على انه من حق الشعب اللبناني معرفة الحقيقة
ومعرفة هوية المجرمين الذين نفذوا هذه الجريمة، وأكّد أنّ “جهات داخلية وخارجية
خططت لاغتيال الحريري".
وأوضح فاريل مهمة كلٍ من المتهمين في القضية، لافتًا إلى أنّ “عياش كان مسؤولا عن
مراقبة الحريري وعن شراء سيارة المتسوبيشي”، وقد أشرف بمساعدة بدر الدين على
التحضير المادي للإعتداء الذي استغرق 4 اشهر، وراقبا الحريري لمدة 3 اشهر“. أمّا مرعي،
فقد أشرف على إعداد إعلان مسؤولية الإعتداء زورًا، في حين إستدرج عنيسي أبو عدس،
الرجل الذي ظهر في شريطٍ مسجّل بعد حصول التفجير متبنيًا مسؤولية جماعته عنه.
وأوضح فاريل أنّ “بدر الدين استخدم 13 هاتفًا احدها ضمن الشبكة السرية المستخدمة في الاعتداء”، مؤكّدًا أنّ “منفذي جريمة اغتيال الحريري تركوا أدلة لتضليل التحقيق واستخدموا شبكات اتصال داخلية للتفجير”. وأشار فاريل الى ان رغم رفض المتهمين المثول أمام المحكمة لديهم الحق في الدفاع عن انفسهم من خلال محامي الدفاع. ومن ثام قام فاريل بالاستعانة بصور لمسرح جريمة 14 شباط لشرح كيفية حصولها.
من جهة أخرى، عرض القاضي مين الأحداث التي شهدها يوم 14 شباط ، معددا الأشخاص التي تحدث معها الرئيس الشهيد الحريري في مجلس النواب وبعد مغادرته وشرح تفاصيل عملية الاغتيال.
ثم عرضت المحكمة بقايا محرك سيارة الميتسوبيتشي التي اختفت من مسرح الجريمة، مشيرة الى ان هذه السيارة التي استخدمت في التفجير نقلت من دولة الامارات وتم بيعها في معرض للسيارات في لبنان.
ولفتت المحكمة الى ان مقارنة الحمض النووي لأبي عدس وعائلته تؤكد ان الاشلاء التي وجدت في مكان التفجير لا تتطابق معه، كما ان الاضرار في المباني المحيطة بمكان الانفجار تؤكد عدم حدوث الانفجار تحت الارض.
وأشارت المحكمة الى انه تم استخدام 2 طن من مادة الـ RDX التي من غير الوارد ان يتم نقلها إلا بشاحنة مسطحة، لافتة الى ان التحقيق يشير الى ان المتهمين هم جزء من مجموعة أكبر غير مؤكدة العدد.
وقدم القاضي كاميرون عرضاً حول لبعض الادلة ضد المتهمين، حيث أشار الى ان الفيديو الذي تم عرضه لابي عدس كان لتشويه الحقائق وهو مزور، ومن ثم تم عرض بيانات الاتصالات التي تم أخذها من شركتي “ألفا” و”ام تي سي” كما عرضت بيانات الاتصالات التي أجراها المتهمون مع بعضهم بالاضافة الى بيانات الاتصالات الخاصة بالمتهم بدر الدين. واعتبر كاميرون أن "الهواتف مهمة لأنها تشكل ادلة قاطعة، كونها استخدمت كأدوات في عملية الاعتداء“. واضاف:” تم تزوير 9 نسخ من الوثائق الشخصية للحصول على عقود شركات الهواتف بهدف الحؤول دون معرفة الهوية الحقيقية لمن قام بشرائها".
يذكر ان الجلسة حضرها عدد من الشخصيات أبرزهم الرئيس سعد الحريري، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، النائب سامي الجميل، النائب مروان حماده، النائب باسم السبع، الوزير السابق الياس المر، النائب السابق غطاس خوري، جميل السيد، توفيق أنطوان غانم، زاهر وليد عيدو، والد الشهيد الرائد وسام عيد، نبيل حاوي شقيق الشهيد جورج حاوي، زوجة اللواء الشهيد وسام الحسن، جيزيل خوري زوجة الشهيد سمير قصير، والدكتورة مي شدياق.
ولاحقاً، صدر عن المحكمة البيان الاتي:
"بدأت اليوم المحاكمة في قضية المدعي العام ضد عياش وآخرين أمام المحكمة
الخاصة بلبنان بتصريحات المدعي العام التمهيدية.
وعرض الادعاء لهذه القضية المعقدة ستليه
تصريحات يدلي بها الممثلون القانونيون للمتضررين المشاركين في الإجراءات ومحامو
الدفاع عن السيد بدر الدين والسيد عنيسي.
وقضية عياش وآخرين تتعلق باعتداء 14 شباط
2005 الذي أدى إلى مقتل 22 شخصا، منهم رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،
وإصابة 226 شخصا آخر بجروح. ولا يزال المتهمون سليم جميل عياش، ومصطفى أمين بدر
الدين، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا فارين من وجه العدالة. وتقام الإجراءات
ضدهم غيابيا.
وستفسح المحاكمة المجال للشعب اللبناني
مشاهدة تقديم الأدلة والطعن فيها، ومشاهدة الشهود أيضا يدلون بإفاداتهم ويخضعون
لاستجواب مضاد علنا".
الحريري
عقب حضوره جلسة بدء المحاكمات في جريمة اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في المحكمة الخاصة بلبنان، تحدث الرئيس سعد الحريري إلى الصحافيين وقال: "نحن هنا اليوم بفضل الشعب اللبناني وبإرادة اللبنانيين الذين لم يتوقفوا يوما عن المطالبة بالحقيقة والعدالة والمحكمة الدولية. وجودنا هنا اليوم هو بحد ذاته دليل على أن موقفنا منذ اللحظة الأولى وفي كل لحظة كان وسيبقى طلب العدالة، لا الثأر، وطلب القصاص، لا الانتقام" وأضاف: "في قاموسنا، الرد على العنف لا يمكن أن يكون بالعنف، بل بمزيد من التمسك بإنسانية الإنسان، بالقانون وبالعدالة، وقبل كل شيء، بالإيمان بالله عز وجل".
وقال: "اليوم هو يوم تاريخي بامتياز، والرئيس رفيق الحريري كان حاضرا بقوة ومعه كل الشهداء الذين قضوا معه، وكل الشهداء الذين سقطوا من بعده، وصولا إلى آخر الأحبة في قافلة الشهداء محمد شطح ومرافقه ومئات الضحايا الذين حصدتهم جرائم التفجير والاغتيال السياسي.. المحكمة الدولية لأجل لبنان انطلقت، ومسار العدالة لن يتوقف. ولا جدوى بعد اليوم من اي محاولة لتعطيل هذا المسار. إن حماية المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والإصرار على عدم تسليمهم الى العدالة، هو جريمة مضافة إلى الجريمة الأساسية الكبرى.
لقد هالنا بالتأكيد أن تكون هناك مجموعة لبنانية موضع اتهام مسند إلى أدلة وتحقيقات واسعة، وما كنا نتصور أن في صفوف اللبنانيين من يمكن أن يبيع نفسه للشيطان ان يتطوع لقتل رفيق الحريري وتنفيذ أبشع عملية إرهابية بتلك الكمية الهائلة من المتفجرات. هذه الحقيقة جارحة وموجعة، ولكنها باتت حقيقة لا تنفع معها محاولات التهرب من العدالة، والمكابرة وإيواء المتهمين وحمايتهم.
ان جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وجرائم الاغتيال السياسي التي شهدها لبنان، أسهمت في تخريب الحياة الوطنية في بلادنا، وبقيت لسنوات طويلة مجهولة الفاعلين والمخططين والمنفذين، إلى أن أدت إرادة اللبنانيين إلى اتخاذ المجتمع الدولي قرارا تاريخيا بوضع اليد على التحقيق فيها وسوق المتهمين إلى العدالة الدولية.
وها هي أنظار اللبنانيين وعواطفهم مشدودة منذ اليوم إلى أعمال هذه المحكمة التي فتحت أولى صفحات العدالة الحقيقية، ووضعت حجر الأساس المطلوب لمكافحة الاغتيال السياسي والجريمة المنظمة في لبنان والعالم العربي.
إنني اشدد في هذه المناسبة على دور السلطات اللبنانية المختصة في التعاون الجدي مع المحكمة الدولية، وأتوجه بالشكر إلى القضاء اللبناني وقوى الأمن الداخلي وجميع الأجهزة الرسمية على ما بذلته من جهود حتى الآن في مؤازرة التحقيق، ولا يسعني إلا أن أستذكر التضحيات الكبرى في هذا المجال، وبخاصة الشهيدين وسام الحسن ووسام عيد، والشهيد الحي سمير شحادة".