Follow us

image

لبنانيان من كندا يطلقان مشروعاً تعليمياً ثورجياً من أجل لبنان بأدنى مستوى فساد! -كاتيا سعد

كاتيا سعد – جبلنا ماغازين

بعيداً عن لبنان التقسيم الطائفي والانقسام السياسي، غالباً ما يجتمع اللبنانيون المقيمون والمغتربون للحفاظ على الوجه الثقافي والتربوي لبلدهم. وفي 15 أيلول 2017، انطلق "البرنامج التعليمي المدني" Educational Civic Program من مونتريال – كندا، وهي مبادرة تربوية جديدة في مجال التربية المدنية، عرّابها فيصل فرحات، رئيس جمعية جون مايكل فرحات، وفؤاد فارس، صاحب شركة MINDSMASTER للاستشارات المعلوماتية والإدارة والتسويق، بالتعاون مع جامعة الروح القدس – الكسليك. أمّا أرضها الخام فمدرسة القديس أنطونيوس في بلدة حمّانا اللبنانية في المتن الأعلى لتكون هي "المدرسة التجريبية".

بدأت شرارة هذا المشروع مع فيصل فرحات، الذي هاجر خلال الحرب الأهلية عام 1979 إلى دبي ومنها إلى كندا. وبعد 25 سنة من النجاح في مجال المأكولات الصحية – الطبيعية، قرّر بيع المصنع الذي يضمّ 300 موظفاً، والتوجه إلى الميدان التربوي. ويقول: "عند تردّدي إلى لبنان، آنذاك، كنتُ ألاحظ، مع الأسف، التراجع في العديد من الأمور اليومية - الحياتية كالكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت، وفي أمور البيئة ونظافة المأكولات والفساد في المجال العام وحتى في المجال الخاص". وهو ما يعاني منه اللبناني الذي اعتاد على هذا الوضع حتى اليوم وتأقلم معه، فـ "شعرت بأنّ لبنان وصل الى مرحلة من الفوضى لا أمل في الرجوع عنها"، على حدّ قول فيصل. حينها بدأ العمل على مشروع التربية المدنية للمدارس "على أمل أنّ يتعلّم الطالب الأسس الصحيحة قبل الانخراط بالمجتمع الفاسد".

وعرض فرحات المشروع على فؤاد فارس، الذي هاجر بشكل نهائي إلى مونتريال – كندا عام 2004 على الرغم من النجاح الذي حقّقته شركته في لبنان، لأنّه "شعر بأنّ الأمور تتراجع إلى الوراء داخله". وتواصل فؤاد فارس مع الأب طوني طحان، من دير مار أنطونيوس للرهبنة المارونية اللبنانية في كندا، القائمة حالياً في جامعة الروح القدس، الذي وضعهما في اتصال مع الأب طلال هاشم، نائب رئيس جامعة الروح القدس للشؤون الإدارية، الذي أولى هذه المبادرة اهتماماً كبيراً من أجل ترسيخ الهوية الوطنية. ويقول: "أصبحت الحاجة إلى هذا النوع من التربية ملحّة، في ظلّ انتشار الفساد في صفوف المجتمع وتدهور القيم الاجتماعية والأخلاقية. فالالتزام المجتمعي، من أهم القِيَم التي يجب على المؤسسات التربوية أن تحرص على تنميتها لدى الجيل الجديد".

عملياً، عند انطلاقة الفكرة في 15 أيلول/سبتمبر 2017، تواصل فؤاد مع طلاب لبنانيين كنديين "وتابعت معهم كيف ينظرون إلى بعض المواضيع كالانتخابات وكيفيّة محاسبة نوّابهم، وفهمت حاجة الأولاد في لبنان إلى مثل هذه التنشئة". وفي 2 تشرين الأول 2017، كان لبنان على موعد مع انطلاق هذه المبادرة "بمساعدة الأب طلال في المتابعة مع إدارة مدرسة القديس أنطونيوس/حمّانا، وعدد من الطلاب المتطوّعين في جامعة الروح القدس".

ويعتمد هذا المنهج التعليمي الجديد، على المعلومات النظرية المنصوص عليها في كتب التربية المدنية من جهة، ومن جهة أخرى يعطي الفرصة للطالب للتعبير عن أفكاره في أي موضوع كان ومحاولة طرح الحلول المناسبة، والتوصل إلى حلّ جماعي مع زملائه. وبذلك، يساهم هذا المشروع في تأمين التوعية الكافية للأولاد، ويشرك اللبناني منذ الصغر في رؤيته للفساد، حق الاختيار في الانتخابات، قبول الآخر والتواصل بالإضافة الى حماية الطبيعية.

وقد وقع الخيار على مدرسة القديس أنطونيوس، لتكون هي "المدرسة التجريبية"، على حدّ قول الأب طلال هاشم "لأنها مدرسة جبلية، وتضمّ طلاّباً من مختلف الطوائف، وهذا ما يوحّد اللبنانيين ويدفعهم لاحترام الدولة وقوانينها ومؤسساتها بغضّ النظر عن ديانتنا وإيماننا ومعتقداتنا".

ويتمّ تطبيق المشروع التعليمي المدني على التلاميذ من عمر الـ 8 سنوات إلى 12 سنة "من أجل بناء لبنان جديد بأفكار جديدة وهذا أفضل ما يمكن كمغتربين أن نقدّمه للبنان"، كما يعلّل فؤاد فارس.

وعليه، يقوم طلاب كلية الحقوق والعلوم السياسية بشكل خاص، بزيارة المدرسة لمساعدة الطلاب ونقل الصورة جليّةً إليهم، ويقدّمون تقريراً في نهاية العام الدراسي حول كيفيّة احترام القوانين العامة وكيفية تطبيقها.

وهنا يرى فيصل فرحات بأن الصعوبة تكمن في ايجاد أفضل طريقة للتعاون مع المدرّسين وتقديم المواد العلمية لهم بطريقة سريعة وبسيطة بواسطة التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي. وهذا الهدف المرجوّ من "المدرسة التجريبية"، التي ستساهم في معرفة أين نجحت هذه المبادرة وما الذي لم تنجح في تحقيقه، ومدى تكيّف المدارس والمدرّسين معها. وفي عام 2018 – 2019، ستشمل هذه المبادرة 6 إلى 8 مدارس في كل المناطق اللبنانية حتى يصبح مشروعاً مكتملاً يتمّ عرضه عام 2020 على وزارة التربية، وتدخل المادة رسمياً ضمن المنهج الدراسي. وهنا يقول فؤاد فارس: "نحن نسعى لنبني مشروعاً قابلاً للحياة (...) مشروعاً يخرج من إطاره الفردي، ويكون على صعيد الوطن ككلّ".

هذه النظرة إلى لبنان الغد، تبدأ بمبادرات ذات هدف وطني، وتنبع من المشاكل التي يستشفها المواطن من قلب البلد الأم. وعسى أن تحقّق هذه المبادرة أهدافها المرجوّة بين صفوف الطلاب ، وبالتالي يكون استثمار كل من فيصل فرحات، فؤاد فارس والأب طلال هاشم، في جيل اليوم نجاحاً جديداً للبنان الغد بأدنى مستوى من الفساد.