أنطون نكد بايع - بويبلا، المكسيك
صرخة مغترب
عندما أحاول الكلام عن لبنان اليوم، يجتاز فؤادي سيف من الألم والحزن وتغمر نفسي سحابة من التعاسة والمرارة والشقاء لأن لبنان مربع الصبا ومقر الأحلام ومسكن الأهل والأحباب والذي عرفته قبل ان تندلع فيه نيران الحروب الاخيرة والمتعددة. كان بلد العلم والفكر النيّر، بلد الحرية والتسامح والمحبة.
ترى ماذا حل بهذا الوطن الجميل وشعبه الآمن المسالم ؟ هذا الشعب الذي عرفته تاجراً وعالماً ومفكراً. لبنان الذي كان واحة الشرق وملجأ لكل مضطهد أصبح محط أنظار الجميع وكان لكل حسود فيه مطمع. وما لبثت ان لعبت به الأيادي الغريبة القذرة الخبيثة، فاشعلت فيه نار الفتنة، فعمّه الخراب والدمار والموت فاصبح ولم يزل مسرحاً لجرائم وفظائع ترتكب باسمه، وهو منها براء.
لن تهدأ الحال في لبنان حتى تكتشف الحقيقة وحتى يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته الكاملة ويقوم بتنفيذ جميع قراراته لأن اصحاب المطامع يسيطرون على هذا الوطن الجريح، ويساعدهم على تحقيق مآربهم حفنة من السياسيين الذين سوف لا يغفر لهم الشعب ولا التاريخ. فقد وضعوا مصلحتهم الشخصية فوق مصلحة الوطن بالذات.
يعيش اللبناني اليوم حالة تذمر مستمر وقلق دائم على مستقبله. وليس من البعيد ان ينتفض هذا الشعب الجبار يوماً ويحاسب جميع الذين دفعوه الى هذه الهوة المفجعة ويقول لهم: وطني وطن المحبة والتسامح وأنتم جعلتموه وطن الحقد والموت. وطني وطن المعرفة والنور وانتم جعلتموه وطن الجهل والظلام. وطني وطن السياحة والازدهار وانتم جعلتموه وطن الظلام والخراب، وطني وطن الطموح والعزة والكرامة وأنتم جعلتموه وطن اللامبالات بالقيم الإنسانية.
لبنان والمنطقة وربما العالم بأسره اليوم يقف على مفترق طرق: فإما أن يختار السلام الدائم او الخراب الشامل. فإلى محبي السلام في العالم نرفع صوتاً عالياً طالبين منهم ان يعملوا على حفظ جميع حقوق الأطراف المعنية والى التوصل الى حل عادل وسلام دائم يشمل الجميع وان يساعدونا على استعادة حريتنا واستقلالنا وان يحافظوا على هذا الوطن الصغير بحجمه والكبير بتاريخه.
انا المغترب الذي لا يزال يحمل في اعماقه هذه المشاعر العذبة عن وطن الأرز، اتجه الى إخواننا المقيمين في الوطن والى القادات السياسيين والى جميع المسؤولين في الحكومة اللبنانية وخارجها لأخاطبهم بلسان الامهات الثكالى والأطفال اليتامى والنساء الأرامل، وباسم المعوقين والمشوهين، باسم الذين دمرت بيتوهم أونهبت أرزاقهم، باسم كل المغتربين الذين يذوبون شوقاً وحنيناً الى زيارة الوطن الأم... أتوجه إليهم على اختلاف ميولهم ومذاهبهم، وأطلب منهم ان يكونوا يداً واحدة وقلباً واحداً وأن يضعوا خلافاتهم جانباً وأن يعملوا جميعاً لمصلحة لبنان وأن يتلقوا الأوامر النابعة من إرادة الشعب بدون أية ضغوط أو توجيهات من الخارج، وان يحافظوا على سيادته واستقلاله التام وان لا يفرّطوا بحبة واحدة من ترابه، لأن لبنان من جنوبه الجريح الصامد الى شماله القلب النابض، ومن شرقه الى غربه العارم بأساطير التضحية والفداء، الى جبله الشامخ المكلل بالعنفوان، الى عاصمته الحبيبة بيروت... هو عزيز وغالٍ على قلوبنا جميعاً.
إن لبنان حراً قوياً مستقلاً هو دعامة صامدة لكل الانظمة في المنطقة.
على كل منا ان يساهم بكتابة هذه الصفحة الجديدة من تاريخ لبنان. وعلى كل منّا ان يكون سفيراً له وان نلفت نظر الشعوب كلها ونعلمها ان لبنان هو كبش المحرقة في الشرق الاوسط وان هذا حرام لا يجوز، لأن اللبناني بطبيعته هو رجل مسالم وليس من العدل ان يصلبوه ليكفر عن ذنب لم يقترفه.
اننا واثقون تماماً ان حل هذه الازمة وخلاص لبنان وشعبه يجب ان يأتي من الداخل، فليس من حق القيادات السياسية أن تنفرد برأيها عندما يكون لبنان بخطر. بل يجب ان تنصهر هذه الإرادات والآراء في إطار وطني واحد وان تستعاد الثقة بين الجميع للمحافظة على الدستور وميثاق التعايش المشترك، لأنه اذا آمن الشعب يوماً بأولوية لبنان، فلا بد ان يستجيب العالم.
يجب ان نتحرر من الأنانية لتكون حياتنا حياة تضحية وبذل وعطاء، ومن الخوف لنعيش أروع فصول الفداء، ومن الأهواء والميول الضيقة لنكون مثالاً يحتذى به من المحبة والتسامح لنعطي صورة جلية للصمود والبقاء، ولنعاهد جميعاً لبنان أن حبه سيبقى خلجة في فؤادنا وأنشودة على لساننا وثورة لاهبة في قلوبنا.
علينا تأييد الشرعية الممثلة برئيس البلاد وأن يكون الجيش اللبناني هو المسؤول الوحيد لحماية الوطن والدفاع عن حدوده.
*كتبها: أنطون نكد بايع
بويبلا - المكسيك