لبنان ليس دولة فاشلة! -بقلم: السفير هشام حمدان
صوتنا - جبلنا ماغازين
كتب السفير هشام حمدان:
كثرت في الآونة الأخيرة الشعارات المطالبة بوصاية الأمم المتحدة على لبنان. ورأيي بهذا الأمر سأوضحه من خلال الاجابة على ثلاثة اسئلة متصلة:
أولاً: هل لبنان دولة فاشلة؟
لبنان ليس بلدا طارئا أو جديداً على المجتمع الدولي. فلبنان عضو مؤسس في الأمم المتحدة وساهم مساهمة لافتة جدا في تطوير القانون الدولي ونظام العلاقات الدولية. فهل ننسى ان لبنان شارك في صياغة إعلان حقوق الإنسان وشرعة المحكمة الجنائية الدولية، ومواطنه القاضي جوزيف عقل عضو المحكمة الدولية لقانون البحار؟
هذا الوطن لديه تاريخ عريق وطويل من الحضور الدولي، فكيف يتحول الى دولة فاشلة؟
إن القول بأن لبنان دولة فاشلة ينال من كرامتنا الوطنية وتاريخنا ويحرمنا حقوقنا المحمية في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقرارات الدولية.
لبنان ليس دولة فاشلة أبداً. بل على العكس لبنان هو نموذج الدولة والشعب المقاوم للاحتلال الخارجي المباشر وغير المباشر والتدخلات الخارجية القائمة على حسابه. وهو يعاني لأنه يرفض الاستسلام ولا يريد أن يعود الى وصاية دولة خارجية.
لقد خضعنا للوصاية السورية وكانت الأمور تسير بانتظام لأن السوري كان يحكم البلاد وكان الخارج يؤيده والشعب مستسلماً له. وعندما بدا شعب لبنان يرفع الصوت ضد الوصاية السورية بدأت المعاناة، لكن هذه الوصاية كانت قد زرعت ما يكفي من البذور التي أنبتت ميليشيات كحزب الله وأمل والتقدمي والقومي وغيرهم...
شعبنا يدفع ثمن عناده طلباً للحرية والاستقلال والسيادة. شعبنا لا يحتاج إلى مساعدة مالية من أحد، بل يحتاج إلى المساعدة الأممية ووفقا لميثاق الامم المتحدة على استعادة الدولة من الدويلة وأتباعها.
لدينا كل الكفاءات التي لا تقيم بلداً فحسب، بل تقيم الشرق الأوسط بأكمله من جديد. في ضوء كل ذلك، أنا أرفض - وبالصوت العالي - أي شعار أو قول لوضع لبنان تحت الفصل الثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة. ولن أقبل ولو على حساب حياتي أن أتنازل عن تاريخ لبنان وتاريخ شعبه وقيمته وحقيقة طاقاته مهما كان الثمن. عيب كبير، بل هو خائن من يقبل القول إن لبنان دولة فاشلة.
ثانياً: ما هي التدابير التي تقوم بها الأمم المتحدة لمساعدة دولة في مثل حالة لبنان؟
عطفاً على هذا السؤال هناك جهل عام في الشارع اللبناني، بما في ذلك بين المفكرين فيه، للتطورات الدولية التي حصلت بعد عام 1990. فكرة الوصاية انتهت تماماً.
لقد كان هناك نقاش جار في الجمعية العامة لإلغاء مجلس الوصاية. فكل الدول التي كانت تخضع للوصاية حصلت على استقلالها وكان باقياً فقط جزيرتان او ثلاث جزر صغيرة في الكاريبي، وساد اتجاه لمنحها الاستقلال.
إذاً فكرة الوصاية أضحت غير مقبولة أممياً بعد عام 1990، وبنتيجة التحول الدولي الذي طرأ في حينه، برز مفهوم آخر، هو مفهوم بناء السلم بعد النزاع. فقد طلبت قمة مجلس الأمن من الأمين العام حينذاك بطرس غالي، وضع مفكرة حول العناصر الضرورية لحفظ الأمن والسلم الدوليين. وهو وضع هذه المفكرة وضمن في ملحقها فكرةَ بناء السلم بعد النزاع. فلقد كانت هناك دول عدة مثل لبنان، عانت وتعاني من الحروب والأزمات، وتحتاج إلى مساعدة المجتمع الدولي.
إذاً هناك خلط بين مطلب الوصاية وبين مطلب بناء السلم بعد النزاع...
أنا من اكثر المطالبين بهذا البرنامج. وأنا موجود أصلا في أوستن (تكساس) لهذا الغرض. إذ أضع بحثاً كاملاً بهذا الشأن. وثمة برنامج تحت هذا العنوان في لبنان، تقوم عليه الدكتورة نجاة رشدي، الممثل الشخصي للأمين العام في لبنان، لكنه بحاجة للتطوير لا أكثر. وأنا على استعداد لبحث عناصر هذا البرنامج مع كل من يرغب بذلك.
ثالثاً: ما هي المساعدة الدولية المطلوبة؟
لبنان ليس بحاجة إلى وصاية أبداً، بل يحتاج إلى تنفيذ الأمم المتحدة موجباتها نحو بلدٍ مؤسسٍ لها، ولقد حددت قراراتها هذه الموجبات بوضوح وهي: تفعيل اتفاقية الهدنة لعام 1949. وهذا يعني تطبيق الفصل السابع من الميثاق - ليس ضد حزب الله ومن يستخدم الأراضي اللبنانية في حروب ضد إسرائيل فحسب - بل أيضا في وجه إسرائيل ومن يستخدم أراضيها إذا حاولوا استخدامها في حروبهم ضد الآخرين.
نحن نطالب أيضاً بضمان حيادنا لكي نبعث برسالة قوية محمية دولياً بأننا لن نشكل خطراً أمنياً على أحد. مطلوب إذن منحنا الحياد وتفعيل اتفاقية الهدنة. ومطلوب أيضاً تنفيذ القرار 1701 الذي يؤكد على اتفاق الهدنة والقرارين 1559 و1680 وغيرها. وهذا يعني تمدد انتشار القوات الدولية على كل الحدود اللبنانية مع سوريا لمنع أي تدخل من سوريا في شؤوننا. فالنظام السوري الحالي يشكل حالة عداء للبنان لا تقل خطراً عن العداء الإسرائيلي.
ومن الضروري أن تساعد الأمم المتحدة الجيش اللبناني لضمان الأمن الداخلي. وفي حال فشل الجيش في جمع السلاح من الميليشيات وفقا لذلك القرار، فمن الضروري دعمه بكل الوسائل العسكرية المناسبة لهذا الغرض.
مطلوب أيضاً برنامج لإعادة بناء السلام بعد الحرب - ليس من خلال البنك الدولي فحسب - بل من خلال كل الهيئات الدولية العاملة مع الامم المتحدة. وتحديدا مطلوب مساعدة لبنان لانجاز انتخابات حرة وإطلاق الآلية السياسية للتطبيق الكامل لاتفاق الطائف كما ورد في القرار 1701.
*السفير هشام حمدان – أوستن، تكساس