عودة المغتربين والكورونا السياسية اللبنانية! -بقلم: الياس كسّاب
بقلم: الياس كساب (الرئيس العالمي السابق للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم)
بعد أن أغلق الاقتصاد العالمي أبوابَه في عطلة كورونا القسريّة، وبعد أن وضعَ الوباءُ الكرةَ الأرضيّةَ بالحجْر، ربما لانتقامِ الطبيعةِ من عنجهيّةِ الإنسان وجَبَروتهِ، ولإجبارِ البشريّةِ على تنفيس الانحباس الطبيعي، والاحتقانِ السياسي المُولِّدِ للحروبِ التي يدفعُ ثمنها الأبرياء، رحنا كمغتربين، في بيوتنا المنتشرة حول العالم، نرقبُ الوطنَ الصغيرَ المُثخنَ بالجراح، في أوج أزمته الاقتصادية والمالية التي أورثها لنا فسادُ الطبقة السياسية اللبنانية، وكلنا، حولَ العالم، نضع أيادينا على قلوبنا خوفاً على صحة اللبنانيين في الوطن، وصحة المغتربين المنتشرين في أصقاع المعمور، وعلى آلافٍ مؤلّفةٍ منهم عاملين في الحقل الصحيِّ، وفي جميع الدول، أطبّاء، ممرضاتٍ وممرضين لبنانيين، وكان منهم أطباء شهداء على مذبح الإنسانية، خاصّةً في أوروبا، ونرقُبُ كذلك طالباتنا وطلابنا الذين لا تكفيهم صعوبةُ الحصولِ على أموالِ ذويهم نتيجة "الحجْرِ المالي" على أموال اللبنانيين، بل أصبحوا رهائن بين العَوَز والوباء.
تحركت الحكومة اللبنانية مشكورةً، بغض النظر عن الدوافع والضغوط، لفتح المطار أمام إعادة من يرغب من المغتربين إلى الوطن الأم، خاصّةً من القرن الإفريقي، واعتبرنا، كمغتربين، أنَّ ذلك هو أقل ما يمكن أن تقدمه الحكومة للمنتشرين، وهنا، لا بُدَّ أن ننوه بعمل وزارة الخارجية والمغتربين على تفعيل وتنظيم عمل السفارات في الخارج لإنجاح المهمة، ووزارة الصحة أيضاً على كل التدابير التي اتخذتها، بمساندة القوى الأمنية بالطبع، لتحقيق هذه المبادرة بالطريقة الآمنة الممكنة، للمسافرين العائدين، لذويهم، وللمقيمين.
ولكن، هالنا ما رأيناه من "همروجة" العودة، فكأنَّ أركان السلطةَ السياسية جيّشت فرقَ "الزفّةِ" الإعلامية لتحقيق المكاسب الشعبية، في حملةٍ غير مدروسة العواقب، وغيرِ عابئةٍ بكرامات الناس، ولا حتى بمفاعيلَ سلبيةٍ قد تتأتى على المغتربين من كلامٍ غير مسؤول ضجّت به حلقاتُ التغطية الإعلامية، فَبدلَ أن يستقبلوا المغتربينَ وهم يُطأطؤون الرؤوس، راحوا، في سوقِ المزايدات الرخيص، ينفثونَ في غُبارِ ألاعيبهم المعتادة للاستفادة من الكوارث نفوذاً، ولكي يُغطوا ما اقترفت أياديهم بِحقِّ المغتربين!
ولكي نصوِّبَ الأمور، وحتى لا تستمر لُعبةُ الاستغباء المكشوفِ التي نؤكد أنّها لن تنطلي على المغتربين، دعونا نذكّر السياسيين اللبنانيين الفاسدين، (علَّ في التذكير نرى بعضَ حياء)، بما يلي:
- تذكروا أنَّ المغتربين، الذين تمنُّونَ عليهم بالعودة اليوم، هم بعضُ من كانوا عصبَ الاقتصاد اللبناني، ودائعَ واستثمارات، سرقتم أموالهم، وحجزتم ودائعَهم في غفلةٍ منهم ومن الضمير، يعودون، وهم يحملون خسائرَ باهظةً نتيجةَ هبوط المؤشرات العالمية في دول الاغتراب، ليستجدوا منكم حفنةً من ودائعهم كي يُعيلوا أطفالهم ومُسنيهم، سرقتم، ليس فقط جنى العمر، بل أحلامهم والمستقبل.
- هؤلاء المغتربون، كان بعضهم عُرضةً، حتى الأمس القريب، لخُوّاتكم، من أموالهم، واستثماراتهم التي عيّنتم أنفسكم ومحاسبيكم فيها شركاء مضاربين، ولوثتم سمعتهم بالصفقات المشبوهة وهم منها براء.
- هؤلاء المغتربون شوّهتم سُمعَتهم في العالم بسياساتكم غير المسؤولة والطائشة والمتهوّرة، اعتقدتم أنكم لاعبون كبارٌعلى مسرحِ السياسة العالمية، فخسرتم صداقات لبنان التاريخية، ودفع اللبنانيون عامةً، والمغتربون منهم خاصّةً، ثمَنها إهاناتٍ في مطارات العالم، و"نقزةً" منهم في دول الإقامة.
- "همروجتكم" الإعلامية اللامسؤولة، خاصّةً تناولكم للأوضاع الصحيّة في دول أفريقيا، نرجو أن لا تنعكسَ سلباً على علاقات لبنان بهذه الدول، والتي يحمل المغتربون جنسياتها، فنحن، كمغتربين، وقد حضنت هذه الدول عائلاتنا، وجنينا الأموال الطائلة من ثرواتها، وبسبب التفلّتِ الإعلامي المُضاف للإعلام الرسمي غير المدروس، نرفض أن نبدو ناكري جميل لهذه الدول وشعوبها، وكمن يهرب حين تتعرض هذه الدول للمخاطر، فنحن لا نكنُّ لهذه الشعوب إلا مشاعر المحبة الممزوجة بالاحترام والعرفان بالجميل، فما يُضيرهم يُضيرنا، فنحن وإياهم في وحدة حال.
- هؤلاء المغتربون وقفوا مع ثورة ١٧ تشرين، من أجل العدالة وسلطة القانون، وضدَّ الفساد المستشري، وإذا كان من حظِّ الفاسدين أن يستفيدوا مؤقتاً، وللأسف، من وباء كورونا، إذ تأجلت مفاعيل الثورة، فإنّ ثورةَ اللبنانيين، مُقيمينَ ومُغتربين، لا بُدَّ مُستمرة، فإذا كانت كورونا خطراً على حياة الأفراد، فإنّ خطر الكورونا السياسية اللبنانية فعلى مستقبل اللبنانيين جميعاً، على تطلعاتهم، وأحلامهم، ونجاحاتهم، ورؤاهم، لا بل على مُسقبل لبنان الوطن الحُرِّ العادلِ والسيِّدِ المُستقل، ولا بُدَّ لهذا الوباء السياسي من نهاية، كي يستعيد الشعبُ اللبناني لبنانَ من سالبيه!
وعلى أمل أن يخرج اللبنانيون متعافين من أزمة كورونا، وإذ نحمل في أسبوع الآلام هذا معاً آلام لبنان المسروق والمقهور والحزين، نتطلع إلى يوم القيامة، قيامة الوطن من الموت الذي يبدو، ولضعيفي الإيمان، مُحَتَّماً!
*الياس كساب - الرئيس العالمي السابق للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم