صوتنا- كاتيا سعد (باريس): لبنان غنيّ بشعبه وفقير بسياسيّيه
كتبت كاتيا سعد (من باريس) الآتي:
اعتدتُ أن أكتب مقالاتي بقلم أبيض حيث لطالما تناولت فيها شخصيات لبنانية سطع اسمها في بلاد الاغتراب ومواضيع إيجابية بمعظمها تعنى باللبناني المقيم أو المغترب. ولشدّة إيماني بهذا الوطن، كنت أحرص على أبراز الجوانب المضيئة من كل مقال أو خبر. لكن مؤخّراً، أشعر وكأنني بتّ أكتب عنه بصيغة الرثاء وبقلم أسود وبحروف دامعة حزناً على ما آل إليه.
هو وطني الذي، وإنْ كنت لا أقيم فيه، كنتُ وما زلت وسأبقى أنتمي إليه بكل فخر.
أشعر وكأنّ كل ما سمعته عن لبنان ما قبل عام ١٩٧٥، كل ما شاهدته من أفلام وثائقية عن تلك الحقبة، كل الإشراق الذي بقيت أتابعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى تشرين الأول ٢٠١٩، وكل ما عشته بنفسي قبل هجرتي ومن ثم أثناء تمضية إجازاتي فيه.. هذا كله وكأنه دُفن في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ يوم قرّر اللبناني أن ينتفض ويكشف ما خلف ذلك الإشراق. فأخذ الفساد يتظهّر ويطفو على تلك "البقعة الصغيرة في خريطة العالم" كما يسمّيها البعض، تلك النقطة التي أبهرت العالم بقوة إرادتها وسحر جاذبيتها وانفتاحها وإبداعات أبنائها رغم صغر حجمها.
ملفات سوداء بدأت تنكشف في وضح النهار فتؤكد للصغير والكبير بأن البلد كان ليكون بألف خير لولا وجود هذه الطبقة السياسية، التي لا تمتّ بصلة إلى فنّ السياسة وأصول العمل السياسي.
استفسار بسيط جداً: كيف تمنع بعض المؤسسات توظيف أفراد العائلة الواحدة، في حين أنّ "مركز إدارة الوطن" (رئاسة الجمهورية، مجلس النواب، وغيرها) ينتمي في غالبيته إلى عائلة واحدة؟ كيف يجب أن نقيّم سياسة بلد قائمة أصلا على رؤساء ونواب توارثوا "المقاعد" أو اعتلوا منصباً ليس من اختصاصهم وكأننا نلعب بالعملة المعدنية "طرّة نقشة" فإما أن يصيب القرار عند إقراره أم نعمد إلى إلغائه؟
يا أيها الزعيم، أذكّرك بأن لبنان في اللغة العربية ولغة التاريخ هو بلد وليس دمية، وأبناؤه هم مواطنون وليسوا دمى. ولّى زمن "أنا أضمن هذا الناخب أو ذاك في الانتخابات"، فهذا الجيل انتفخ من جوعكم السياسي – بل من "جوع المناصب" المتحكم بكم.
هذا الجيل لا يريد أن يساعدكم في الصعود عالياً، فيما أنتم تدفعون به نحو الأسفل.
تطالبون المواطن بدفع الضرائب، وإن تأخر تتصلون "لتطمئنوا" على رقمه المالي، ولكن ماذا عن أموال "بإمّها وأبوها" منهوبة ومسروقة ومبيّضة ومتربّعة في دول الاغتراب؟ تلاحقون مواطناً بريئاً لم يعد لديه ما يخسره، فاتّخذ من الشارع منبراً لصوته، وتستدعون امرأة إلى المساءلة لأنها تعدّت على أحد مرافقي رجال "السلطة" وتهمتها أنها تدافع عن حقها. ولكن ماذا عنكم أنتم من تعدّيتم على حرية المواطن وحقّه بالعيش؟ ماذا عنكم وأنتم تحاولون إغراق البلد إلى القعر؟ تستاؤون من طرد الثوار لأحد السياسيين من هنا أو هناك، ولكن هذه ردة فعل طبيعية متوقعة من شعب جاع وانتقص غذاءه لتمتلئ بيوتكم طعاماً ومالاً!
بالأمس، طالبتم الشعب بمنحكم "فرصة"... فهل تريدون فرصة لإغراق البلد أكثر أم لإزالة الأدلة التي تدينكم في العمق؟ أم تريدون فرصة لتحرموا شعبكم من الحياة الكريمة مقابل زيادة سقف ثرواتكم المجهولة-المعروفة المصدر؟
وماذا عن اليوم؟ هل ستعلنون إفلاس لبنان رسمياً.. ويا لها من استراتيجية للتهرّب من كل مسؤولية على كافة الأصعدة! وهل ستنطلي علينا هذه الخدعة؟ أيا ليتكم تخططون لإعادة أموال لبنان التي ملأت جيوبكم والتي إن عادت إلى "أحضان" لبنان لاغتنى هو وافتقرتم أنتم!
*كاتيا سعد - صحافية لبنانية مقيمة في باريس