وهل حالنا في الاغتراب أفضل؟ ~كاتيا سعد
صوتنا – جبلنا ماغازين
بقلم: كاتيا سعد (باريس)
هل هم يتحدّثون عن لبنان أم ينعون لنا الوطن؟ سؤال يدور في ذهني كلما سمعت أو قرأت تعليقاً كمثل "وضع البلد خربان"، أو "خلص ما بقا ينعاش بهالبلد"، وغيرها من التعابير التي اعتاد اللبنانيون تردادها يومياً.
يحلو للبناني "العنّ" (أو النقّ باللغة العامية) في النهار عن الوضع الاقتصادي والدولة والسياسيين وما إلى هنالك من أوضاع صعبة، وفي الليل حدّث ولا حرج عن الحياة "الوردية" التي تطفو على سطحها ملامح البذخ المادي بين المطاعم والملاهي الليلية. بمعنى آخر "كلام النهار تمحوه حياة الليل".
لمَ تلوم الوضع الاقتصادي دائماً؟ ولمَ تندب حظّك على السياسيين الذين ساهمت بوصولهم إلى السلطة؟
تعلّم أن تتحمّل مسؤولية أفعالك، وابدأ العيش على قدر ما يسمح لك ظرفك: هل من الضروري قيادة سيارة من أحدث الموديلات؟ هل تتأثر نفسيتك إن لم تكن من الأوائل في استخدام آخر موديل الهواتف الذكية؟ هل هو من المنطقي أن تقيم حفلة زفاف بما يفوق الـ١٠٠ ألف دولار في حين أنّ قدرتك هي أقل بكثير؟ لمَ تتكبّر على وظيفة متواضعة إلى حين تتاح لك الفرصة لتحقيق ما تريده؟ هل من الإجباري أن تقضي إجازتك في أوروبا إن لم تكن إمكاناتك المادية كافية لها؟ هل تنقص قيمتك إن لم ترتد الملابس والإكسسوارات ذات الماركات العالمية؟ هل تتأثر نفسية الأولاد إذا لم تُقِم لهم حفلة ضخمة لعيد ميلادهم؟
من حقّك أن تكون طموحاً وتعيش حياة الرفاهية، ولكن عندما تريد توجيه إصبع الاتهام في الوضع المعيشي، لا تستثنِ نفسك.
ماذا إن هاجرت؟ سأخبرك بما قد يحصل: أوّل ما ستفعله هو أنك ستتخلّى عن المظاهر، سوف تعتمد وسائل النقل العام، ستقبل بأية وظيفة كبداية، ستقلّص أيام الخروج مع الأصدقاء والسهر، ستسكن في منزل صغير وتقضي حاجاتك بيدك، وستكون على طبيعتك وتفكر بنفسك - لا بما يجعلك تشبه سواك في المجتمع -، وسوف تتخلى عن الكماليات وتركّز على الأساس... باختصار، ستهتمّ بما هو رئيسي قبل الثانوي.
حاول ألاّ تنظر إلى الخارج - أي دول الاغتراب - بعين السائح، وإنما بعين المواطن. حينها، ستجد بأنّ حالنا، إلى حدّ كبير، هو حالك في لبنان أو في أي بلد آخر. ففي ميزاننا في بلاد الاغتراب هناك الجيّد كما السيء ولن تلتمس الفوارق إلا وأنت على أرض الواقع. وغالباً ما يكون الفرق في كيفية التعاطي مع الوضع. حتى في فرنسا، ثمة أزمة اقتصادية وبالتأكيد تصلك أخبار المظاهرات والإضرابات، ناهيك عن جرائم القتل، وحالات التنمر والعنف ضد المرأة والطفل، وغيرها. أضف إلى ذلك العاطلين عن العمل، غلاء المعيشة، الضرائب، ارتفاع الإيجارات، حالات الفقر المرعبة (مواطنون يتخذون مأوى لهم أبواب المحال التجارية بعد انتهاء دوام العمل ومحطات القطار، ويفترشون أرضها سريراً لهم) وما إلى هناك من صور وأحداث لا تغفل عن المواطن ولا عن الإعلام.
ولكن نعم، فالإعلام هنا (في فرنسا) لا يقف عند هذا الخطّ، بل يتعدّاه ليسلّط الضوء على أحداث إيجابية ثقافية، اجتماعية، فنية وغيرها من الأحداث التي ترسم صورة أكثر "ورديّة" عن البلد وتجذب السائح إليه. نعم هنا التسهيلات اللوجستية كثيرة خاصة في مجال الضمان الصحي وحقوق الإنسان. نعم، حالنا كمغتربين هو حال المواطن الأصلي في الحقوق والواجبات. ولكن نحن روّضنا أعيننا لكي ترى ما هو جميل وايجابي، وجعلنا منطقنا يتأقلم مع الممكن، وتخطّينا بعض الكماليات لنهتمّ بما هو من الأولويات.
بقدر ما أتأسّف على صوت "العنين" الذي يصدره اللبناني، بقدر ما أفرح بردّة فعل المواطن الأجنبي عندما يدرك بأنني لبنانية. أفتخر كلما ألتمس الحماس لدى الأجنبي ورغبته بزيارة لبنان وهو يقول "سمعت عنه الكثير من أصدقاء قاموا بزيارته"، أو عندما يحدثني مَن قصَده للسياحة أو العمل ليخبرني عن مدى دهشته بالأماكن التي زارها.
آسّف أكثر كلما شعرت بأنّ الإعلام اللبناني يبدو أحياناً شريكاً في تسويق سمعة سيئة عن لبنان، وكيف أن اللبناني يتصرف كـ "ورقة نعوة" متنقلة على وسائل التواصل الاجتماعي. في حين أجد نفسي أتعرّف على لبنان آخر، أكثر إيجابية وجاذبية، في التقارير التي تقدّمها الوسائل الإعلامية في الخارج أو الفيديوهات والمشاهدات الجميلة التي ينقلها هواة السفر الأوروبيين والأميركيين والأستراليين وغيرهم عن لبنان على اليوتيوب.
نعم، لبنان حاله هو حال كل بلد، وإن كان يمرّ بفترات من المخاض القاسي ولكن هذا لا ينفي أن فيه أحداثاً تستحقّ تسليط الضوء عليها. فرجاءً أيها اللبناني المقيم، دَعْكَ من موّال "نيّالكن، عايشين بالخارج أكيد أحسن من هون". وكُفّ عن التوهّم بأن حالنا كمغتربين كمن يعيش في جنّة على الأرض. فما أدراك أنّ الحال هو أفضل؟ أم أنك من الفريق الذي يردد "وين ما كان أحسن من لبنان؟" وأدعوك بالمقابل إلى عدم الاكتفاء بالنظر إلى المواطنين اللبنانيين الذين يقفون على أبواب السفارات طلباً للهجرة، بل بالنظر أيضاً إلى أولئك اللبنانيين المغتربين الذين يحطون في مطار بيروت في هجرة معاكسة بنيّة الاستقرار في لبنان.
*كاتيا سعد (إعلامية لبنانية مقيمة في باريس)
(المقالات المنشورة هنا لا تعبر عن رأي أو موقف إدارة موقع جبلنا ماغازين)