Follow us

image

صوتنا- أنطوان غانم (من كوينزلاند أستراليا): لكي لا يجد “جورج زريق” آخر سبباً لإحراق نفسه

صوتنا – جبلنا ماغازين

كتب أنطوان غانم (من أستراليا) الآتي:

"لقد قرر جورج زريق الاحتجاج على وضعه الاقتصادي والمعيشي وعدم مقدرته على دفع تكاليف الدراسة لأولاده مستخدماً الوسيلة نفسها التي سبق للتونسي محمد البو عزيزي أن لجأ إليها في كانون الثاني 2011 عندما احرق نفسه احتجاجاً على وضعه الاقتصادي، فأطلق دون أن يدري شرارة ما سمي بالربيع العربي يومها.

ليس جورج اللبناني الوحيد الذي انتحر من أجل وضعه الاقتصادي. فهناك حالات انتحار سجلت قبله وبعده بوسائل مختلفة ولكن للأسباب نفسها، ذكرها الإعلام سابقاً ولكنها مرت مرور الكرام.

أما جورج فاجتاح خبر انتحاره وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وأثار مشاعر الناس لاستخدامه وسيلة الحرق على الملأ. ولكنه جورج، بحرق نفسه، لم ولن يتمكن من أن يكون شرارة لـ"ربيع لبناني"، إذ أن للبنانيين ثقافة خاصة، هي ثقافة "تبعية الزعامة".

قضية جورج أصبحت - بعد رحيله - تتمحور ضمن ثلاث نقاط:

  1. حالة اقتصادية سيئة
  2.  سياسيون ودولة
  3.  مواطنون

الحالة الاقتصادية التي يمر بها لبنان واللبنانيون ليست وليدة الأمس، ولكنها تراكمات سنين طويلة مرت على لبنان واللبنانيين من جراء الطبقة التي حكمت سابقاً وليس الحاكمة اليوم وحسب. فمن المستحيل، أن يحول أحد دولة كلبنان إلى دولة تشبه أستراليا مثلاً في فترة زمنية قصيرة. وسنتان في عمر بناء الدولة هي كشهرين في عمر الإنسان...

أقول هذا - ليس دفاعاً عن العهد الحالي - ولكن فقط لنكون واقعيين. فملامة الدولة في هذه الحالة، وفي كل الحالات، ما هو إلا هروب إلى الأمام. بناء الدولة يبدأ ببناء البشر، أي المواطن. وبناء المواطن يبدأ من البيت. ومن البشر - أي المواطنين - يخرج السياسي والزعيم. والسياسي والزعيم يكونان في خدمة المواطنين. والمواطنون هم من يحاسبون ذلك السياسي والزعيم إذا ما أخفق في خدمتهم.

ولكن مهلاً... هذا يحصل في بلد مثل أستراليا! أما في لبنان، فمن يحاسب من؟ ومن يخدم من؟

نتباهى دائماً وباعتزاز، بأن المستوى الثقافي في لبنان عال. ربما صح ذلك، ولكن بالتأكيد ليس الثقافة السياسية ولا الوطنية. فهما دون المستوى. .

لم أسمع طيلة السنوات الخمس والأربعين التي قضيتها في أستراليا أن فلاناً اطلق النار على فلان من أجل زعيم، أو من أجل حزب. ولم اسمع أن زعيماً ما تبنى فاسداً في الإدارة لأنه من "ملته". أصلاً لا يوجد زعماء في أستراليا، بل موظفون يختارهم الشعب ويحاسبهم يوم الاقتراع... من رئيس الوزراء إلى أصغر نائب.

ولكن ما علاقة هذا بحادثة جورج زريق؟ إنها النقطة الثالثة: "المواطنون"...  في لبنان، المواطن هو الموظف عند الزعيم. وهذا ليس من شطارة الزعيم بل من غباء المواطن الذي يربط ولاءه لزعيمه وحزبه بكلمة "مبدأ" فيجدد له بدل المحاسبة، ويتبعه إلى الهاوية حتى إذا ما سقط يلوم الدولة. وقد سمعنا وقرأنا في هذين اليومين الكثير من الملامة للدولة وللحكام الفاسدين إلى آخر المعزوفة... ومنهم من اقترح على المنتشرين الاستثمار في لبنان لإنعاش الاقتصاد، ومنهم من ترحم على الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم، وإلى آخره. ولكن هل هناك من صمت قليلاً وفكر ملياً وقال في نفسه "إني أتحمل جزءاً من الملامة في حادثة جورج زريق"؟

حتى لا تتكرر حادثة جورج، وربما تتكرر، علينا أن نتعلم الثقافة السياسية والمواطنية. لا ثقافة الزبائنية أو الحزبية العمياء، فنتجرأ ان نقول "لا" ونتعلم ان نحاسب يوم الاقتراع. ونحن المنتشرين، تعلمنا من خلال بلدان السكن كيف نحاسب. ومن هذا المنطلق نبدأ بمساعدة لبنان، وليس بالمشاريع والاستثمارات، فالأموال كثيرة أما الفاسدون فأكثر. نساعد لبنان بالمساءلة والمحاسبة أولاً، ومن خلال حق الاقتراع الذي اكتسبناه كمغتربين مؤخراً، والذي يمكن أن نخسره من خلال مشروع تحجيمنا بستة نواب، إن لم نبادر لنقول "لا" قوية في وجه هذا المشروع الذي أرفضه شخصياً، حتى ولو جاء من رئيس الحزب الذي أؤيد. لأنني، كمواطن، اعتبر أنني جزء في صنع القرار، فكيف لو اجتمعت اجزاء كثيرة معا؟

هذه الثقافة يجب ان تعمِّم علينا لتكون حجر الأساس لبناء وطن لا يجد فيه جورج زريق سبباً لإحراق نفسه، ولا اَي مواطن آخر سبباً للهجرة منه".

*أنطوان غانم – بريزبن (كوينزلاند) أستراليا

(المقالات المنشورة هنا لا تعبر عن رأي أو موقف إدارة موقع جبلنا ماغازين)