شهادة مغترب على جدار الحياة! -باسم عربيد
كتب صديق "جبلنا ماغازين" باسم عربيد (من ألمانيا):
جدار أبيض فارغ في صحراء رمالها متحركة، أرضُها ملتهبة، اسمُها الحياة!
اليوم أدقُ مسماراً بالجدار لأعلق شهادتي التي منحتني إياها السنين .
ألعب قرب الجدار ولا أستطيع أن أقف في مكانٍ واحدٍ بسبب لهيب الرمل الذي يحرق ألأقدام ويترك أثراً لتلك الحروق في ذاكرتنا... الرمال المتحركة غمرت شهادتي حتى أصبحت الحياة لعبة القذارة فبتّ غير قادر على اللعب معها. فالقذارة التي امتلأت بها القلوب والعقول أصبحت هي المعيار الصح الذي يراه البعض.
الوهم أصبح حقيقة، والحقيقة أصبحت طفلة زنى ولدت في مكانٍ ليس مكانها وزمانٍ ليس زمانها، فأصبح الكذب حرية في غرف دون جدران، يسرح ويمرح بيننا، والحقيقة سجناً جدرانه الظلم والتخلف وقلة الوعي.
لم أعد أعتب على الحياة. هكذا كتبتُ على شهادتي التي غمرتها الرمال المتحركة. بل ألوم نفسي لأَنني رضيت بأن أكون شاهدٓ زورٍ معلقاً على جدرانها...
أصبحت كل الكلمات مزورة، الأماكن مزورة، الضحكة مزورة، الحب مزوراً، الابتسامة مزورة، المظاهر مزورة. وأصبحت هوية الأنسان أيضاً مزورة .. يسألني أحدهم "كيفك منيح؟" فأزوّر الحقيقة في الجواب... أصبح لكل سؤال كذبة نجيب بها لا شعورياً!
اعتدنا الكذب دون أن ندري... نكذب في أعمارنا، في أعمالنا، في علمنا، في تصرفاتنا، في شهاداتنا، وأحياناً في أسمائنا وفي إيماننا، وحتى في قولنا إننا نحب الحياة.
أصبحت قلوبنا تكذب، وأصبحت العاطفة لونها أخضر كُتب على جدرانها (سجن الدولار)... السجن الذي نسعى جميعاً إلى دخوله رغم الرائحة الكريهة التي تفوح منه: رائحة الخيانة ودم الفقراء .
الحياة هي ذلك الطبق ألشهي الذي أُعدٓ خفيفاً لنا، ولكننا أصبحنا اليوم نأكل ولا نشبع... نصاب بالتخمة ونستمر بالتهافت على الوليمة رغم السمّ الذي تحتويه!
جعلتني الحياة أقف في منتصف العمر أمام جدارها مغترباً وحيداً يتيماً... فقررت أن أضع صورتي قرب شهادتي على حائطها بعد أن غمرتني الرمال.
*باسم عربيد (ألمانيا)