أسعد رشدان: صوتنا لا صمتنا هو الحلّ
عاد الفنان أسعد رشدان من غربته في الولايات المتحدة إلى بيروت قبل بضعة أشهر بداعي إنجاز مسلسل جديد. وها هو، في المقال الأول الذي يكتبه كمقيم في لبنان، يرفع الصوت إلى مستوى أعلى مما كان عليه وهو في تكساس، بعدما فعلت عتمة الفساد ورائحة النفايات المكدسة على الطرق فعلها في "مواطنيّته المعلّقة" وفي قدرته على تحمل سكوت المسؤولين عما وصل إليه الحال في لبنان.
كتب أسعد رشدان لزاوية "صوتنا" في "جبلنا ماغازين" ما يلي:
إلى رؤساء الأحزاب اللبنانيّة المفخّمين
كافة، من كل العقائد والطوائف والتوجّهات دون استثناء:
بعد التحيّة وكــــــــامل الاحترام (كي لا
تجدوا مبرّرا تدّعون عليّ من خلاله، أمام القضاء الصارم في هكذا أمور)...
أودّ أن أعلمكم، أننا سمعنا ونسمع خطبكم في
المهرجانات الصاخبة، وتصاريحكم في المؤتمرات الصحفيّة اليوميّة، وتحليلاتكم
ومواعظكم في البرامج التلفزيونية والإذاعية، ونشاهد كميّة الإعلانات التي يستجلبها
حضوركم المبجّل على هذه الشاشة المفلسة أو تلك، (والتي تعرض مسلسلات حتى آخر حلقة،
وتبدأ بإعادة عرضها من جديد، والممثّلون لم يحصلوا على أجرهم عنها بعد)...
أقول هذا، لأنّ ما تقولونه، سبقكم الى قوله
الآلاف من اللبنانيين، واللذين تتراوح اعمارهم ما بين العشر سنوات والمئة، وهم
يحتدّون على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع، عندما يصلهم الميكروفون، أكثر
منكم بمئات المرات، من خلال معاناتهم التي لم ولن تعرفوا طعمها يوماً...
لم افهم حتى اللحظة، الى من تتوجّهون
بخطبكم النارية المنطقيّة المثيرة للمشاعر الى أقصى الحدود...
على من تضحكون؟
يتحرّك الوزير، والنتيجة، كلام في الليل...
يتحرّك القضاء، والنتيجة... حكم ميشال
سماحة...
ماذا بعد؟
الأزعر من المرتبات العالية في هكذا بلد،
لا يردعه الا مسدّس في الرأس...
هل يمكن الاتكال فقط على المجتمع المدني،
الذي يتشكل من أفراد هم من النخب الفكرية والثقافية والأخلاقية في البلد، والذين
اصبحوا يعَدّون على الأصابع مقارنة مع الزعران والفاسدين؟؟؟
أرجوكم أن تصمتوا، أو :
نظّموا حملات شعبيّة، بما لكم من وصاية
عليها ورعاية لها والقدرة على تحريكها، إن بقي شيء من هذا، وقودوها الى الشارع،
ولا تخرجوا منه قبل ان تقلبوا المقاييس والمفاهيم والواقع المقرف المذري......(لا
اعني حتماً حملات لمصالح شخصيّة ضيّقة مقزّزة كمثل ما شاهدنا منذ فترة وجيزة)
لم يعد هناك ما يخسره الأوادم في هذا
البلد...فإن كنتم من هؤلاء، فلم يعد لكم انتم ما تخسرونه ايضا... اللا بلد، افضل
من هذا البلد ... وكفانا تشدّقاً بأن البلد على كفّ عفريت وأن الوضع لا يحتمل
الشارع وما الى هنالك من شعارات تخاذليّة سخيفة لا تغني عن جوع أو تضمّد جرح كرامة...
حرب؟ فوضى؟ خراب؟ لم لا؟
لم تتكدّس النفايات أثناء الحرب كما اليوم...
لم أرَ محتاجاً واحداً خلال خمسة عشر عاماً
من الحرب.
ما جعنا، إلا عندما اتّكلنا على أمراء
السلم الأشاوس...(رحمة الله على البشير)
ما هو البديل إن استمرّ الوضع على ما هو
عليه؟
أو بالأحرى، ما هو الأفضل ؟
الموت وقوفاً دفاعا عن بعض شرف وكرامة، أم
العيش بين أكياس القمامة وأكل الوسخ اليومي المشهور، وشرب المياه الملوّثة من
المجارير، والموت البطيء من تلوّث ما يتبقى من مأكولات في ثلّاجات لا تصلها
الكهرباء؟؟؟
هل تساءلتم يوماً، كيف يدفع المواطنون ذوو
الدخل المحدود أو الفقراء، فاتورة الكهرباء والماء؟ لن اتكلّم عن الهاتف والخليوي
والانترنت إن كنتم ما زلتم تعتبرونهم من الكماليات...
لم أعد معاديا، لا للسارق ولا للخاطف ولا
لأي آمرء يحاول ان يحصّل حاجته الى المال بأيّة وسيلة ممكنة، فالهرّ، عندما تحاصره
في زاوية مغلقة، من حقّه البديهيّ أن يقتلع عينيك... لا بل قلبك!
أقلّ اجر في العالم، على أكثر البلدان
غلاءً في هذا العالم ذاته....
سرقة الناس على عينك يا تاجر ولا من يسأل
ولا من يحاسب...
لا نريد مومساً خارقة الجمال، بل نريد
شريفةً مهما اشتدّ قبح شكلها...
نسبة الفاسدين والأنانيين واللصوص
والمافياويين في البلد، اصبحت تفوق نسبة الأوادم بمئات المرّات، والذي يتغاضى عن
هذا الواقع، هو متواطىء اساسيّ شاء أم أبى...
نصيحتي، أخرِجوا انفسكم من هذا الآتون، إن كنتم ما زلتم تدّعون العفّة وتمارسونها، فما تتشدّقون به امام الكاميرات والميكروفونات لن يشفع لكم، لا أمام الحاضر، ولا امام التاريخ، وحتماً ليس أمام الله...