صوتنا – أنطون نكد من المكسيك: رسالة إلى لبنان المقيم
كتب أنطون نكد، وهو ناشط في الجالية اللبنانية في بويبلا (المكسيك) الآتي:
"أتقدم بداية من أسرة "جبلنا ماغازين" ومن رئيسة تحريرها السيدة فاديا سمعان بالشكر الجزيل لجهودكم الكبيرة من خلال هذه المجلة القيمة واهتمامكم الجبار الذي تبذلونه حتى تبنوا جسر اتصال مهم جداً بين لبنان المقيم ولبنان المغترب ليعرّف ويقرب الأجيال المتحدرة من أصل لبناني في بلاد العالم بإخوانهم في الوطن الأم. وبمناسبة مرور سنتين على تداول هذه المجلة القيمة أتمنى لكم كل التوفيق والمضي في النجاح المستمر حتى نردد معكم ومع السيدة سمعان شعار مجلتكم: مش عايشين بلبنان ...لبنان عايش فينا! ألف مبروك وعقبال المية سنة.
لذالك بكل فخر ومحبة يسعدني أن أخاطب من خلال هذه الصفحة العزيزة أهلأ واحباباً وأن أوجه اليهم حديث القلب للقلب والروح للروح، حديث مغترب يضج في صدره الحنين وتتراكم في اعماقه الأشواق الى الوطن الحبيب لبنان، مرتع الصبا وموطن الاحلام ومسكن الأهل والأحباب.
لبنان الذي حملته في ذاكرتي لوحة سماوية وفي قلبي حباً لاهبا وفي روحي وجوداً أبدياً... لبنان الجبل الشامخ بسمائه الصافيه وشواطئه الهادئة وسهوله الخصبه وموسيقاة العذبة المؤلفة من زغاريد البلابل والحساسين المتنقلة من غصن الى غصن مرددة معها ألحان الخلود. خلود أرزه الىذي كان وحياً للشعراء، ومن منجيرة الراعي واصوات مآزن الجوامع وأجراس الكنائس ومن هدير الجداول والسواقي التي تروي حقوله وتملؤها بالأزهارالجميلة على مختلف انواعها، فتنشر الروائح العطره في سمائه الصافيه ويحملها النسيم الهادئ الى القلوب والنفوس فتغمرها بالمحبه والسعاده، وفي هذا الجو المملؤ بالحب والجمال يرتفع الأنسان الى ربه مصلياً وصارخاً: "لبنان يا قطعة سما إسمك على على شفافي صلا"...
لبنان هذا الشعب الصامد العنيد المؤمن بربه وأزلية وطنه ووحدة صف أبنائه. اللبناني، الذي لم تتوفر له فرص العمل والحرية اللازمة والطمأنينة والسلام المنشودين، ضاقت به حدود بلاده فهاجر الى أربع أقطاع العالم، رأسماله الوحيد عزيمة جبارة لا تعرف الملل قدت من صخور جبالنا وايمان بالله وثقة بالنفس لا تزعزعها الأهوال ولا تمحوها الأعاصير، صامدة عميقة الجذور كصمود الأرز في أعالينا. فالطموح اللبناني عجيب غريب وملحمة الاغتراب اللبناني مدعاة فخر واعتزاز سّطرها المغتربون بكفاحهم المضني الطويل بعرق جبينهم.. بدماء قلوبهم.. وبعصارة أفكارهم، فنالوا ثقة الشعوب التي حلوا ضيوفاً عليها وساهموا في اعمار بلادهم واحتلوا اعظم المراكز فكانوا سفراء للبنان يعملون لرفع شأنه إلى المقام الذي يليق به كوطن صاحب سيادة.
يؤلمنا كثيرا الوضع الذي يعيشه لبنان والمنطقة ككل وتحزننا الأجواء المشحونة بالدماء، وتدمي فؤادنا المآسي والمجازر التي ترتكب بحق الأبرياء، وتقلقنا الخلافات والصراعات الدائرة بين جميع الاطراف والقيادات السياسية والدينية والحزبية والوطنية.
أما آن لنا أن نأخذ العبر من الماضي ونعمل بكل صدق على ايجاد حلول سريعة لخلافاتنا؟ فأشباح الحروب الأخيرة لا تزال تطاردنا حيث زرعت ارض الوطن الحبيب بالنار والحديد وألبسته ثوب الحداد على خيرة شبابه ولا تزال صورها البشعة المفجعة عالقة بالاذهان. كما أننا نتذكر جيدا ان الكثير من القيادات التي شاركت من قريب او بعيد في هذه الحروب آنذاك هي اليوم المسؤولة عن عدم تكرار هذه المآسي، ونأمل أن لا يعيد التاريخ نفسه من جديد. وهل من المفترض والمطلوب منا أن ننتظر حتى يعمّ الخراب والدمار والموت وطننا الغالي حتى نجلس الى طاولة واحدة للحوار المقنع والمفيد للتوصل الى حل مشترك والى مصالحة عامة و شاملة حفاظاً على بلدنا؟
كفانا عذاباً وموتاً وتشرداً، فإكراماً لأرواح كل شهدائنا ورفقا بكرامة أحيائنا، نطالب بعدم تكرار الأخطاء السابقة لأن لبنان اليوم يقف على شفير الهاوية، فهناك مصالح و مطامع ورسائل دولية ومحلية يريد البعض توجيهها الى الفريق الاخر متخذا من لبنان وشعبه دور ساعي بريد ومختبراً لأثبات تطلعاتهم وتحقيق مآربهم. وعندما تتلاقي مصالحهم قد يتركون لبنان يتخبط بمشاكله الداخلية ويكون هو من جديد كبش المحرقة. صدق من قال : عند تغيير الدول أحفظ راسك. فماذا ينفع لبنان لو ربح حروب الآخرين وخسر نفسه؟
لبنان الطائر الفينيقي هو بحاجة إلى المساعدة والتعاون المتبادل بين جناحيه الممثلين بشطريه المقيم والمغترب حتى يحلق بعيداً وعالياً ويبعد عنه غبار المآسي والأخطار المحيطة به من كل حدب وصوب ويوصله الى بر الامان.
نتوجه بكل محبه وصدق الى إخواننا المقيمين لنقول لهم: أننا نشارككم آلامكم ونرافقكم في مسيرتكم الطويلة على درب هذه الجلجلة الحزينة ونأمل ان قيامة لبنان آتية وقريبة جدا باذن الله. والى جميع المسؤولين في لبنان نطلب منهم ان يضعوا خلافاتهم جانبا ويعملوا لمصلحة هذا الوطن الجريح، فحل الازمة اللبنانية يجب ان يأتي من الداخل، وعندما يكون الوطن بخطر يجب ان تنصهر كل الإرادات والآراء في إطار وطني واحد لأجل أستعادة الثقة وحسن النية بين الجميع ويعملوا الى انتخاب رئيس للجمهورية واحترام الدستور والعيش المشترك والحفاظ على الوفاق الوطني والذي يؤدي حتما الى وحدة السلاح واحترام الشرعية والطمأنينة والمساواة تحت سقف قانون واحد عادل وشامل.
نحن نعتقد ونجزم ان الدين لله والوطن للجميع ونؤمن أيضاً بحسن الجوار ونريد ان تكون علاقاتنا على ما يرام مع الاشقاء والاصدقاء عبر التفاهم والاحترام المتبادلين، لذلك فإن المحافظة على حرية لبنان واستقلاله هو واجب وطني وحاجة انسانية وتاريخية، لكي يبقى بلدنا نموذجاً للآخرين".
*أنطون نكد – بويبلا، المكسيك