كيف يمكن للبنان الإفادة من طاقات المغتربين؟
مقال نشر في "النهار" كتبه إيلي
نصرالله
- مستشار قانوني وخبير في شؤون الهجرة في كندا
تنظم وزارة الخارجية
والمغتربين مؤتمراً يدعى "الطاقة الاغترابية اللبنانية"، يعقد في بيروت
بين 21 الجاري و23 منه. وجلسات المؤتمر المميز ستعالج المسائل الآتية:
مشاريع وزارة
الخارجية للإغتراب، قصص نجاحات اللبنانيين في الخارج، الاستثمار في لبنان، استعادة
الجنسية والمحافظة على الهوية اللبنانية، الديبلوماسية الاقتصادية – المغتربون
والاقتصاد.
ويقسم المؤتمر الى 12
لقاءً قطاعياً منها: الطب والأدوية، المصارف والتأمين؛ الهندسة والتأمين؛ الهندسة
والاعمار؛ المنتجات الزراعية؛ إعلام وإعلان؛ الفنون والأزياء؛ النشر والعلوم
الثقافية؛ الصناعة والتجارة؛ الاتصالات والمعلوماتية؛ السياحة والخدمات، والسياحة
ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الاغتراب. موضوعات مهمة جداً ضمن واقع استثنائي
داخلي وإقليمي ودولي.
الاحصاءات الأخيرة – ليست نهائية – تدل على أن عدد اللبنانيين في الخارج يضاهي 12 مليوناً من هنا أهمية هذه المبادرة الحكومية لاستغلال الطاقات اللبنانية الجبارة في كل أنحاء المعمورة.
جيل بعد جيل رحل من أرض الأرز وبلاد الزيتون والشمس الى غير رجعة. ورحل معه مستقبل بلد يعاني استنزاف العقول والقدرات البشرية الخلاقة. هذا الاستنزاف تعانيه اليوم كل البلاد العربية. فقد أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في 18 كانون الأول 2012 أنه "وفقاً لاحصائية نشرت أخيراً فإن 34% من الأطباء الاختصاصيين في بريطانيا ينتمون الى الجالية العربية،... وإن عدد العقول المهاجرة من مصر وحدها وصل الى 854 ألف عالم وخبير، أما من جميع البلدان العربية فالأعداد تتجاوز الأربعة ملايين من خيرة الكفايات العلمية".
إن مسألة لماذا هذا المؤتمر؟ أمر معروف ولازم وضروري جداً. والأمر الأهم هو التالي: كيف؟ وأين نبدأ ونخطط وننفذ خطة استغلال الطاقات الاغترابية اللبنانية لخدمة هذا الوطن الذي هو في غرفة العناية الفائقة؟
الاستثمارات الاقتصادية تنمو في الاستقرار السياسي والأمني. ونحن لا نزال في انتظار الاستقرار في لبنان. وأموال المغتربين ستبقى ضحية المد والجزر لهذه المعادلة. إن أفضل ما يمكن أن يسعى اليه المغترب اللبناني الحالي حقاً بلبنان أفضل أن يطبق الخطة التالية:
– 1مساعدة الحكومة الحالية، خصوصاً عندما قال رئيس الوزراء تمام سلام أن تنمية عقلية المواطنة في المدارس هي ضرورة وطنية وجودية. لا وجود لوطن بدون تكريس مفهوم المواطنة.
– 2المساعدة العملية في إدخال حوار قضية فصل الدين عن السياسة، كما تمارس – أو بأدنى حدودها – في أغلب البلدان التي يسكنونها – إنها المعادلة الأفضل لحل المعضلة الزمنية في الشرق.
– 3الطاقة الاغترابية اللبنانية ليست فقط مالية ولا يجوز أن تكون هكذا. إن بناء المجتمع المدني هي ركيزة بناء الدولة العادلة والقوية. (المجتمع المدني يحارب الطائفية والاقطاعية السياسية والاحتكار المالي).
– 4المغترب يجب أن يكون مثلا يقتدى به وليس صورة طبق الأصل عن المواطن الغارق في سجن العادات القديمة وعبادة الزعامات التقليدية والأفكار التي أوصلت لبنان الى شفير الهاوية. إذاً الاغتراب يجب أن يكون أساس النهضة والثورة على المجرّب والذي أدى الى الخراب. إن جبران خليل جبران كان رائداً في هذا المجال ورجلاً تاريخياً من المستحسن استخلاص العبر والدروس من أقواله وأفعاله والتي تمارس في بلاد الغرب وتتدفن وتهجر في بلادنا وكل الشرق!
– 5أصبح لدى المغترب القدرة على المقارنة بين وطنه الأم ووطنه الثاني. لذلك لديه القدرة على التأثير على الحضارة السياسية للبلد. إن تغيير الثقافة السياسية والفكرية والاقتصادية أهم للمدى البعيد والقريب من أي قطاع محدود. فالحقيقة تبقى ساطعة لكل ذي بصيرة: إن كل استثمارات المغتربين، ونهضة القطاعات الاقتصادية المذكورة آنفاً، وإن كانت ضرورية، تبقى عقيمة وبذوراً على صخور إن لم نعالج ونجد حلاً - ولو تدريجياً – لمسائل الفساد والمواطنية والطائفية السياسية والمجتمع المدني والعلمنة والعدالة الاجتماعية واحترام القوانين.
إثنا عشر مليون مغترب لبناني لديهم قوة هائلة إذا كانوا جادين وملتزمين في لبنان الغد ولبنان الأفضل. فإذا أردتم تغيير لبنان فما عليكم إلا تغيير وتحسين أنفسكم...