الممثل أسعد رشدان يعود إلى الشاشة وإلى لبنان سائحاً أميركياً من أصل عمشيتيّ –خاص جبلنا ماغازين
فاديا سمعان – جبلنا ماغازين
هو من القلائل الذين لا يشترطون على الصحافي نوع الأسئلة وحدودها. فهو اعتاد أن يقول ما يجول في خاطره بكل شفافية وبلا رتوش. ولأنني عرفته كذلك، لم أدع سؤالاً محرجاً "يعتب عليّ" في مقابلتي معه. وجاءت إجاباته سلسة، سريعة، ومعبرة بالفعل عما يفكر فيه أو يزعجه أو يخطط له.
هاجر أسعد رشدان من لبنان إلى تكساس في الولايات المتحدة منذ 13 سنة ناقماً على كثير مما كان يجري في البلد من ممارسات وفوضى في السياسة والأمن والاقتصاد... كما في الفن أيضاً.
ممثل قدير. وقف إلى جانب الكبار على المسرح، ولمع على الشاشة وفي الإذاعة، وارتبط اسمه بكثير من الأعمال الفنية المرموقة. ثم هاجر وعانى ما يعانيه أي مغترب بعيد عن بلده وضيعته وأحبائه... وبالأخص عن مجال عمله الأساسي، أي التمثيل، الذي رافق معظم سنوات حياته في لبنان.
منذ حوالي السنة، أعلن بغضب أنه تخلى عن جنسيته اللبنانية، فاتهموه بأنه أصبح يكره بلده الأم. آلمه ذلك، فكتب بعدها بأيام مقالاً في موقع "جبلنا ماغازين" حمل عنوان: "فيك تكره لبنان؟"، وكتب بعد ذلك عدداً من المقالات والقصائد أفرغ فيها كل مكنونات صدره من مشاعر الحنين والحب والحزن والنقمة والغضب، نذكر منها: حكاية وطن – الشيزوفرينيا اللبنانية – بلدي – وحلم مجنون!
في أواخر آذار الجاري، يعود الفنان أسعد رشدان إلى لبنان سائحاً "تكساسياً" إلى بلد الأرز... في رحلة عمل طويلة لتصوير مسلسل قد تتحول إلى مشروع هجرة... ولكن في الاتجاه المعاكس.
وهنا نص الحوار الذي أجريته معه كاملاً:
س: ما هدف زيارتك الطويلة إلى لبنان هذه المرة؟ وما هي احتمالات هجرتك المعاكسة وعودتك للبقاء في لبنان؟
*(يضحك ثم يجيب:) الزيارة زيارة عمل بحتة لكن في اطار مهنتي الاساسية والتي ندرت حياتي لها زاهدا في كل المغريات التي تعرضت لها خلال الأيام الخوالي. اما عن "الهجرة المعاكسة" فدعيني اصارحك القول بأني ضحكت من قلبي على هذا التعبير الذكي والمبطّن والـ"مهضوم" فوق العادة ولم يسبق ﻷحد ان استعمله ... هاها ...الهجرة المعاكسة. والله فكرة !!! اما في الجِد، وللإجابة الموضوعيّة على السؤال، هي ليست عودة وليست هجرة معاكسة، هي بكل بساطة رحلة عمل لا اكثر ولا اقل، ولو كانت منى (طايع) ستصوّر المسلسل في المرّيخ لما حجزت الى لبنان بل الى ...المرّيخ!
س: قبل حوالي سنة أعلنت أنك مزقت هويتك اللبنانية ولم تعد تريدها. فهل ألصقتها ببعضها الآن؟
*تعبير آخر لا اوافق عليه لكن التساؤل المهضوم في الجزء الثاني، هو الذي فرض عليكِ طرح الجزء الأول على ما أعتقد جازماً. بصراحة لم أعلن يوما أني مزّقت الهوية لأن ثقافتي الأخلاقية تمنعني من التفكير في هكذا فعل، إذ اعتبره عملا لا أخلاقيا؛ فالعَلَم والهوية (التذكرة) والعملة الوطنية ﻷية دولة اعتبرها من المقدّسات. اما في الواقع فإني تخلّيت عن الجنسية اللبنانية؛ والفرق بين التخلّي عن الجنسيّة (الانتماء الدفتري) والهويّة (وهنا ليست بمعنى التذكرة، بل الانتماء الوطني) يفوق فرق المسافة بين القمر والشمس. وهنا أرجو ان يفهم اخواني اللبنانيون ولو لمرّة هذا الفرق الذي "طحلت" وانا اسعى لتوضيحه باسهل العبارات والأمثلة على مدى حياتي.لمرة أخيرة أقول: البيت بيتي والأرض أرضي والناس أهلي وأصحابي وأصدقائي، وهناك تاريخي وذاكرتي، هناك دموعي وابتساماتي، حزني وفرحي، هناك مربط احلامي وطموحاتي.... هناك حبيبتي .... ولكن لن أقبل يوما بعد اﻵن ان يصبح وطني مربطي الى معالف وزرائب هذه الطغمة المتحكّمة برقاب البشر والجامدة كالحجر. وأؤكّد لك باني وأثناء زيارتي هذه، سوف أسعى جاهداً لانهاء معاملات التخلّي الرسمي عن هذه الجنسيّة، وذلك تأكيدا على ثبات موقفي فانا لست من جمعيّة المبوّقين والنواحين والمتزلفين ومحبّي لفت الأنظار، ولم أكن يوما بحاجة الى ذلك منذ نعومة جمجمتي. وقد نمْت على ضيمي اثني عشرة سنة، اذ اني كنت قد أعلنت عن استقالتي من البلد في عدد مجلة الشبكة الذي صدر في اليوم ذاته الذي غادرت فيه، وكان لي الحظ بان احمل معي نسخة من هذا العدد، للتاريخ، وكان ذلك صيف سنة 2002. تحمّلت الايام تلك على أمل حدوث هزة سحرية في ضمائر القيّمين على امور العباد لكن، كما كان جدّي يقول لي : "فالج ما تعالج"... لا أُنكر بأن الحنين يتآكلني. كذلك الشوق الى رفاق الدرب الطويل في كل المجالات التي عملت فيها وتلك التي كنت ناشطاً فيها وهي لا تحصى.
س: ما هي الخبرات التي اكتسبتها من سنوات الغربة الطويلة بعيداً عن لبنان؟ وهل أسعد رشدان لا يزال هو نفسه الذي غادر في العام 2002؟
*دعينا نقول اختبارات لا خبرات. الجو الغربي ليس غريبا عني. صحيح انها كانت المرة الاولى التي ازور فيها اميركا لكن، كنت حتى ذلك التاريخ، قد زرت نصف الكرة اﻻرضية وخاصة اوروبا. اختبارات الحياة دائمة وإن لم تكن كذلك، يتجمّد المرء في اللحظة ويستمرّ أسيراً لها الى النهاية. في بداياتي عانيت كثيرا من التواضع المادي كي لا اقول الفقر، مما اضطُرّني الى العمل باكرا. ما مارسته من اعمال كان قاسيا نسبة الى صغر سني، فما اعانيه اليوم ليس سوى صورة مصغّرة عما مرّ في حياتي؛ ومع ذلك ما زلت افضّله على ممارسة مهنة الفن في لبنان. وتوضيحاً : سبب عزوفي عن الفن ليس الفن بحد ذاته ﻻ سمح الله، لكن الفن الذي نمارسه نحن الممثلون، مشكلته أنه مرتبط باناس لا تمت صفة الفن اليهم بأية صلة، وهم فوق ذلك تجار هيكل سيّئون. أما عن أسعد رشدان إن تغيّر أم لا، اعترف بأن الغربة بشكل عام واميركا بشكل خاص غيّرت في طبعي بشكل كبير. هنا اعمل اكثر ولكنّ الاسترخاء أكبر. لبنان بلد التشنّج الدائم، فكلٌّ على اعصابه وسلاحه، شاهرٌ عداءه حتى على أخيه الذي هو من أمّه وأبيه. وأهمّ عبارة (كنا دائما نردّدها في البلد) take it easy لم أعرف وألمس معناها بل مفعولها إلا هنا. الانفعاليّ العصبي أصبح رجلا هادئاً، يزين الأمور بعدة مكاييل قبل الفعل... ناهيك عن العمر، فقد كبرنا ثلاثة عشر عاما وهي ليست قليلة ان هي بدأت من نهاية الأربعينات من العمر. في الخلاصة مع صحة جيّدة والحمد لله، فكر أسعد وقناعاته في المبادئ والممارسة، لا تتزحزح على مدى العمر، طالت المسافات أم قصرت.
س: ما هو سر هذا المسلسل الذي يعيدك للعمل في لبنان؟ ألست ناقماً على التمثيل من ضمن الأمور التي أنت ناقم عليها في بلدك الأم؟
*سوف أبدأ من الشطر الثاني للسؤال فقد أوضحته جوابا على ما سبقه. هجرتي موقفٌ سياسيّ وطنيّ، تعبيرا عن قرف لا يحتمل ما زال يتفاقم، ولن يزول لا باذن الله ولا بحمده. أما ما يعيدني الى لبنان، -ولفترة محدّدة، قد تتجدّد مع منى والشركة التى تتعامل معها فقط، اعني "طايع بروداكشن و أم اند أم"- فهي دعوة من صديقة عزيزة جدّا لا ارفض لها طلبا مهما كان، لما تتمتّع به من أخلاق عالية ووفاء لا مثيل له وصدق وشفافية وموهبة فذّة. كنت ارى فيها ممثّلة بارعة فأذ بها كاتبة خارقة. لا حرف مجاملة، فانا صخرة ﻻ امل في محاولة عجنها. فيما يخص المسلسل، ما عرفته عنه، عنوانه "أمير الليل" يلعب دور الفتى الاول فيه الفنان رامي عياش ودوري والد حبيبته، شخصيتي جبلية لكن مثقفة تحب الضيعة واﻻرض والاحداث تدور في حقبة الانتداب الفرنسي للبنان. واطلعك لاحقا على كل المستجدات تباعاً، أدامكِ الله ذخرا للوطن لما تقومين به عبر هذا الموقع من مهام مستحيلة في سبيل إبقاء الشعلة على توهّجها .
س: كنت تتابع من بعيد معظم الأعمال التمثيلية والمسلسلات اللبنانية.. هل ترى أن هذا المجال أصبح واعداً في لبنان بعد فترة ضعف أو جمود شهدناها في خلال السنوات الماضية؟
*لبنان وللأسف، على كف عفريت لا بل عفاريت (بالفاء) منعا للالتباس، واستطرادا تجوز الاثنتان..... ليس فقط في المجال الفني بل في كل المجالات. نيران تحت الرماد ونسبة الاشتعال تتعاظم يوما بعد يوم. أضاع هذا البلد فرصاً كان بامكانها أن ترفعه عالياً ولكن ....فالج .... سأقول شيئا في هذا السياق قد يستغربه البعض: لبنان اللا دولة، مرتع للأموال لبنان الدولة ملجأ الفقراء وميزان النشاط والركود يتأرجح بين الفلتان المطلق وبعض الانضباط. وهذا الموضوع بالذات يتطلب حلقة كاملة من الحوار للاحاطة بمعانيه. إن لم يصبح لبنان دولة مدنية مئة بالمئة .....إنسي! الغريزة هي صفة للحيوان؛ اما في لبنان ....فكل شي بيصير.
س: منى طايع استطاعت أن تعيدك إلى الشاشة. فمن يستطيع أن يعيدك إلى المسرح؟ وماذا عن الدوبلاج؟
*المسرح أعود اليه مع كميل سلامة، لكون هذا الصديق مطابق لكل المواصفات البشرية الاساسية والاكسترا... أعود معه بإشارة من إصبعه. كثيرون سيزعلون ويحردون لكن، ما يجب ان يقال لا بد وان يقال. أهمية الهجرة والزهد في الشهرة تجعلان المرء أقوى من القوة، أقلّه في إعلان رأيه بصدق وصراحة وجرأة. أما الدوبلاج فهو جزء مهم من هذه المهنة، امارسه ان استوفى الشروط..
س: أسعد رشدان معروف بمواقفه السياسية المؤيدة لخط 14 آذار وحزب الكتائب، وهذا لا تخفيه على أحد من متابعيك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهل ستتعاطى السياسة في لبنان؟ أم أن الأمر بالنسبة إليك لا يتعدى إطلاق المواقف – أي فشة خلق - مما يجري؟
*عندما كنت في لبنان لم اتوقف يوما عن التعاطي في السياسة. كنت مقاتلاً وكنت من الفريق المؤسس لاذاعة المقاومة اللبنانية بقيادة الرفيق سجعان قزّي اعني "إذاعة لبنان الحر" وقد تعاقب على العمل معنا لاحقا الأخوان جورج ومرسال غانم والياس الزغبي ونوال ليشع عبود مع حفظ اﻻلقاب وعدد كبير من الاعلاميين الألمع في هذا المجال. بعد ذلك بفترة طويلة انتُخبت رئيسا لقسم عمشيت الكتائبي الذي هو من أكبر الاقسام في الحزب .... لست متطرفاً. حافظت على صداقتي مع كل من كان خصما شريفاً؛ أذكر هنا الصديق وابن الضيعة، الكبير مرسال خليفة، وقد خضت خلال الأحداث حربا ضروس ضد محاولةالضغط عليه، لكن سوء تصرّف بعض المسؤولين وارادة مرسال بالمغادرة خوفا من الظروف المحيطة يومها، منعتني من الحؤول دون ذلك. على أثرها، توقفت علاقتي بهؤلاء فورا ودون مسامحة، واستمرّت علاقتي بمرسال على احسن ما يرام، لا تشوبها شائبة. اليوم وفي الفترة الأخيرة وبحكم ما يجري على الساحتين اللبنانية والمحيطة، فقدت الحماس والرغبة في التعاطي انسجاما مع ما عبّرت عنه من قناعات وتصوّر للواقع السياسي اللبناني. والسبب الثاني والاهم هو اني مرتاح ولاول مرة في التاريخ المسيحي اللبناني الى الحوار العوني القواتي، لما لنجاحه انعكاس ايجابيّ على المجتمع الصغير الذي كاد يصبح ميكروسكوبّيا بعد طول صراع.
س: هل تعتقد أن الفنان، كما أي مواطن عادي، يستطيع أن يعبّر عن آرائه السياسية بحرية؟
*ولمَ لا ؟ "ريغن" اصبح رئيس أعظم دولة في العالم "ارنولد" اصبح حاكم كاليفورنيا وكان من ابرز عناصر الحزب الجمهوري في اميركا. أعود واكرّر : الفنان انسان قبل ان يكون فناناً. والسياسة بتعريفها هي من اسمى المهمات في المجتمعات "البشرية" فلماذا العزوف عنها؟ برأيي، من هو بلا راي سياسي هو بلا لون ولا طعم ولا رائحة. انا انسان حر وسأبقى حرّا، وما يعرقل حريتي ألغيه من قاموسي، فنّا كان ام صلاة.واذا كان سيكون هناك حظر وقح على فنان بسبب آرائه السياسيّة، الملتزمة بالاخلاق والاعراف، فستين سنة وسبعين يوم وتمانين ساعة على كل ما هو لبناني. لن يكون هذا لبنان الذي نريد والذي بذلنا الدم والعرق والروح من اجله. اجزم بانه لن يكون كما نحلم ونريد لكن على الأقل، يُستحسن ان يبقى مرتعا لبعض حرية في بعض من أجزائه.
س: كتبت لموقع "جبلنا ماغازين" عدداً من المقالات في خلال العام الماضي، وكنت تصرّ على توقيعها بِ "أسعد رشدان – لبناني الأصل"... فإذا كتبت مقالاً بعد عودتك إلى لبنان، كيف ستوقعه؟
*سائح أميركيّ من أصل عمشيتيّ...