رئيس المؤسسة المارونية للانتشار شارل الحاج: للمغترب حق الانتخاب وأعداد المغادرين مؤشر خطير
فاديا سمعان - جبلنا ماغازين
في خضم الأزمات المتلاحقة التي تعصف به، يشهد لبنان هجرة المئات من أبنائه يومياً إلى دول أخرى تؤمن لهم فرص العمل والعيش الكريم.
إنها موجة هجرة جديدة تطبع الواقع اللبناني بعد الموجات الكبرى التي مر بها عبر التاريخ، حيث كان البلد قد شهد أولى موجات الهجرة الكبيرة في أواخر القرن التاسع عشر وامتدت حتى فترة الحرب العالمية الأولى (1865 - 1916). ويُقدر أن 330 ألف شخص هاجروا من جبل لبنان آنذاك، وفقاً لما نشره "مرصد الأزمة" التابع للجامعة الأميركية في بيروت في تقرير حديث له.
أما الموجة الكبيرة الثانية، فجاءت خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 -1990)، حيث تُقدر أعداد المهاجرين في تلك الفترة بحوالي 990 ألف شخص.
ولقد أكد "مرصد الأزمة" أن "موجة الهجرة الثالثة" بدأت بالفعل في لبنان حيث تشهد البلاد منذ أشهر ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الهجرة والساعين إليها في ظل الانهيار المالي الذي حرم اللبنانيين من أبسط مقومات الحياة الكريمة.
الحاج: أعداد المغادرين منذ اندلاع الأزمة مؤشر خطير
المؤسسة المارونية للانتشار التي تواكب بقلق ازدياد أعداد المهاجرين منذ انلاع الأزمة والتي تفاقمت بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام الماضي، تشير إلى أنه بحسب "الإحصاءات الأخيرة المتداولة سجلت مغادرة ما يقارب 350.000 شخص معظمهم مع عائلاتهم منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019 وحتى تاريخه سعيًا وراء فرص عمل جديدة في مختلف القطاعات ولتأمين التعليم المنتظم لأبنائهم في كافة المراحل الدراسية".
في مقابلة مع "جبلنا ماغازين" قال رئيس المؤسسة المارونية للانتشار شارل الحاج إن "الهجرة تُعتبر تاريخيًا من أبرز سمات الشعب اللبناني، حتى قبل تأسيس دولة لبنان الكبير، وينتشر المغتربون اللبنانيون في شتى أصقاع المعمورة ويتوزعون في مختلف قارات ودول العالم. ولطالما شكّل هؤلاء قوة داعمة للبنان على مختلف الأصعدة وخاصة في مجال الاقتصاد والثقافة وكذلك السياسة ووقفوا الى جانب وطنهم في كل الاستحقاقات التي شهدها منذ تأسيسه الى اليوم. ولعل أبرز أوجه الدعم الحالية هي رساميل وتحويلات المغتربين الى ذويهم بشكل شهري ومنتظم، وهذا ما يعتبر من أهم مقومات صمود أكثر من 400 ألف عائلة مقيمة في لبنان".
ورداً على سؤال عن مدى خطورة هذه الموجة الجديدة، يقول الحاج: "لقد أصبحت الهجرة حلماً يرافق معظم العاملين في لبنان في مختلف القطاعات بعد انهيار قيمة العملة الوطنية وفقدان القدرة الشرائية لرواتبهم وكذلك غياب مقومات الحياة الأساسية من كهرباء ومحروقات وأدوية وغيرها، وخاصة مع الرفع الكلي للدعم الذي أصبح حقيقة واقعة لا يمكن الهروب منها. لذلك أصبح العمل في الخارج لتأمين دخل مناسب للعائلة وحياة كريمة مطلبًا أساسيًا لأكثر من 70 بالمئة من الشعب اللبناني، وهذا الرقم المخيف نعتبره مؤشراً خطيراً ينذر بانهيار النسيج الاقتصادي والاجتماعي ككل، على غرار ما حصل في زيمبابواي وفنزويلا، إذا لم تحصل أي صدمة إيجابية تعطي بعضًا من الثقة المفقودة لمعظم اللبنانيين بالنظام السياسي القائم الذي أوصل البلاد الى حالة الانهيار الشامل عبر السياسات الاقتصادية العشوائية المعتمدة ونظام المحاصصة الفاسد الذي دمر مكونات العمل الإداري في مختلف قطاعات الدولة".
الحاج: الاغتراب رئة لبنان ويحق له المشاركة في انتخاب النواب الـ128
وإذ يؤكد الحاج على دور الاغتراب، الذي يعتبر الرئة الذي يتنفس منها لبنان، في إخراج البلد من أزمته الخانقة وإنعاش اقتصاده وترميم مؤسساته البنيوية، توجه باسم المؤسسة الى المنتشرين في أقاصي العالم متمنياً عليهم تكثيف دعمهم المادي لعائلاتهم في لبنان بهدف تأمين الحاجات الأساسية من غذاء وتعليم وطبابة. ودعاهم إلى اعتماد لبنان في برامجهم السياحية والتشجيع على زيارته بهدف المساهمة في إنعاش الاقتصاد السياحي.
وكرر الحاج دعوة المؤسسة المارونية للانتشار للمغتربين إلى المساهمة في المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية في قراهم وبلداتهم بهدف تأمين فرص عمل والحد من هجرة العائلات. كما جدد الدعوة إلى السعي لتأمين فرص عمل عن بُعد في مجالات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي للأشخاص الذي فقدوا وظائفهم (شركات، مؤسسات، مصارف..) كما للطلاب المتخرجين في هذه الاختصاصات على أن تُدفع الرواتب من الخارج.
وشدد الحاج أيضاً على ضرورة مساهمة المغتربين في تسويق الإنتاج اللبناني الزراعي والصناعي بهدف تأمين مداخيل بالعملات الأجنبية.
ورداً على سؤال عن تصويت المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة، أكد الحاج على حق المغترب بالمشاركة في في الحياة السياسية، متمنياً أن يصار إلى تعليق مسألة انتخاب 6 نواب من الانتشار في القانون الحالي لأن رغبة المنتشرين هي المشاركة في اختيار كافة ممثليهم في المجلس النيابي.
إعادة إطلاق نشاطات المؤسسة في الخارج وتفعيل تقديمات سوليداريتي في الداخل
وإذ يؤكد الحاج على استمرار نشاط مكاتب المؤسسة المارونية للانتشار في الخارج، وإن بوتيرة أقل بسبب تفشي وباء كورونا، يشير إلى أن "المؤسسة أطلقت عملها عام 2009 وافتتحت 14 مكتبًا لها في بلاد الانتشار وكان همها التواصل مع المنتشرين ومساعدتهم على تسجيل وقوعاتهم الشخصية واستعادة جنسيتهم اللبنانية، ولكن جائحة كورونا خفّفت من زخم العمل ومنعت الموظفين من التواجد في المكاتب والمشاركة في المؤتمرات واللقاءات والندوات". ولكنه أضاف: "مع ذلك، وبالرغم من الصعوبات التي تواجهها المؤسسة في تحويلات رواتب الموظفين الى الخارج من حساباتها في لبنان، اتخذت مؤخرًا قرارًا بالمثابرة وطلبت من موظفيها وبالأخص في الولايات المتحدة الاميركية إطلاق عجلة العمل مجددًا والمشاركة شخصيًا في المؤتمرات واللقاءات الراعوية والندوات بهدف التعريف عن المؤسسة والتشجيع على التسجيل واستعادة الجنسية بحيث ان مكاتبها قامت خلال شهر آب بـ5 حملات في ولايات متعددة وتمكنت من إنجاز العشرات من الملفات".
وعن المبادرات الإنسانية والاجتماعية التي تقوم بها المؤسسة منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، قال الحاج: "اتخذ مكتب مجلس الأمناء قرارًا في شهر كانون الأول 2019 بمواكبة الأزمة الاقتصادية التي بدأت تعصف بالوطن، وتوافق الأعضاء على إطلاق جمعية "معًا في المحن – Solidarity”، مع الرهبنة اللبنانية المارونية ومؤسسة جيلبير وروز ماري شاغوري، على أن تحصر المؤسسة تقديماتها الى الجمعية بالدعم المعنوي واللوجستي والبشري. بحيث تقوم المؤسسة وبعد استلام لوائح العائلات المحتاجة من المصادر الرسمية والكنسية والاجتماعية (وزارة الشؤون الاجتماعية، الأبرشيات والرهبان، كاريتاس، SVP، Auxilia...) بدمجها وتنقيحها وإخراج لوائح مفصلة لكل بلدة لبنانية".
ولفت الحاج إلى أن الجمعية التي "انطلق نشاطها في أيار 2020 تمكنت من تأمين 15.000 حصّة غذائية شهريًا وزّعت على أكثر من 750 بلدة لبنانية وكذلك تقديم عشرات آلات التنفس والمستلزمات الطبية الى العديد من المستشفيات. وبعد انفجار المرفأ تمّت تغطية نفقات ترميم 950 شقة سكنية ومحال تجارية. كذلك، أقامت الجمعية مجمّع الميلاد في موقع Solidarity – الرميل بين 18 و23 كانون الأول 2020 والذي استقبل أكثر من 15.000 زائر وزّعت عليهم المأكولات والمشروبات مجانًا وتخللته احتفالات دينية بالميلاد وبرامج ترفيهية متكاملة للكبار والصغار، علمًا بأن الجمعية سوف تنظم هذا الاحتفال مجددًا في الموقع ذاته خلال فترة الميلاد من هذا العام".
وأضاف: "كلذلك قطعت الجمعية وعدًا بدفع الأقساط المدرسية لمدة سنة لأبناء ضحايا ومعوّقي انفجار المرفأ، وستسعى مع شركاء المؤسسة في لبنان وفي بلاد الانتشار ومع المؤسسات الدولية المانحة الى مواكبة المؤسسات التربوية والصحية ومساعدتها على تخطي الأزمات التي تعاني منها ايمانًا منها بحق اللبناني بالطبابة وتحصيل العلم في كافة المراحل الدراسية".
وقال الحاج إن "جمعية سوليداريتي استلمت من مكاتبها ومن بعض الأبرشيات في الانتشار مساعدات مالية وشحنات من المواد الغذائية والأدوية والألبسة كما استلمت مفروشات وأدوات منزلية وألعاب وهدايا للأطفال. وهي - إذ توجّه كلمة شكر وامتنان لكافة المغتربين - تتمنى عليهم أن يكثفوا عطاءاتهم وتقديماتهم وأن يحفظوا لبنان في قلبهم لأن خلاص لبنان مرتهن بأبنائه المنتشرين في أقاصي العالم".
لقاءات في الفاتيكان ودعوة البابا لزيارة لبنان
يذكر أن الحاج قام الأسبوع الماضي بزيارة إلى الكرسي الرسولي وضع خلالها المسؤولين الفاتيكانيين في جوّ تطوّرات الأوضاع المعيشية والاجتماعية المزرية في لبنان. واستقبله أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، وكذلك المسؤول عن العلاقات الدولية المطران بول ريشار كالاغر. كما التقى رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري.
وتطرّقت اللقاءات إلى حاجة لبنان الملّحة إلى مساعدات عاجلة، خصوصًا في قطاعَي التربية والاستشفاء المتداعيَين بفعل الانهيار الاقتصادي والمالي وانفجار مرفأ بيروت، وضآلة المساعدات الدولية أمام فداحة الأضرار وتفاقم الحاجات المتعددة والمتزايدة. مشيراً إلى تفاقم نزيف الهجرة وبلوغها مستويات خطرة لاسيما على صعيد هجرة الأدمغة، وخصوصًا في الأشهر الأخيرة والتي يُخشى أن تزداد في الأشهر المقبلة إن لم تُعالج مسبباتها، والنشاط الذي تقوم به "سوليداريتي" والحاجات المتسارعة والمتفاقمة التي تستوجب تطويرها وفق ما تقتضيه الظروف.
وجدّد الحاج دعوة قداسة البابا فرنسيس لتخصيص لبنان بزيارة للتضامن مع اللبنانيين ورفع معنوياتهم والسير معهم جميعًا على خطى المسيح في جنوب لبنان.