بلدة فالوغا ارتبط اسمها بالاصطياف والمياه العذبة وعلى سفوحها ارتفع أول علم لبناني
بلدنا - جبلنا ماغازين
(بالتعاون مع المنبر الثقافي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم)
فالوغا من أجمل وأهم مصايف جبل لبنان على الإطلاق. تقع في أعالي قضاء بعبدا، وتبعد 35 كلم عن بيروت. اسمها سرياني الأصل ويعني "المقسومة" أو "المفصولة" إذ يمر في وسطها نهر شتوي فيقسمها إلى فالوغا شمالية وأخرى جنوبية.
تصل إلى البلدة عن طريق عاليه صعوداً نحو المديرج فحمانا ثم فالوغا. أو من بيروت الى المنصورية - المونتيفردي - رأس المتن - دير الحرف - فالوغا. وللقادمين من المتن الشمالي عن طريق بعبدات - بزبدين - قرنايل - فالوغا. أما القادمون من البقاع فيصلون إليها عن طريق زحلة - شتورة - ضهر البيدر - فالوغا.
تعلو عن سطح البحر من 1250 الى 1600 متر، وتتمدد عامودياً لتلامس قمة جبل الكنَيسة في وسط البلاد، وهذا الجبل يحتوي على آثار لكنيسة صغيرة تعود إلى العهد الروماني، فسُميَ بالكنَيْسة (أي الكنيسة الصغيرة) تيمّنا بهذه الآثار. وتعتبر هذه البلدة الساحرة مقصداً أول للمصطافين الذين يأتون سنوياً من مختلف أنحاء الساحل اللبناني والدول العربية والخليجية وفي مقدمهم الكويتيون.
إنها قرية خضراء تزدحم فيها أشجار الصنوبر والسنديان وبساتين الكرمة والتفاح. وفي أعاليها تقبع غابة أرز فالوغا الشهيرة التي شهدت رفع أول علم للبنان إبان مرحلة الاستقلال عام 1943، كما تحوي قصراً لأحد الأمراء اللمعيين وهو اليوم مقر بلدية فالوغا. وارتبط اسم فالوغا بمنابع المياه الطبيعية العذبة، فمنها يملأ أبناء الجوار جرارهم، وفيها تأسست اعرق شركات المياه المعدنية في لبنان.
معروف ان الشاعر الفرنسي "لامارتين" قضى فترة من حياته في لبنان، وقد تغنى بفالوغا في كتاباته ووصفها "بقطعة سما"، وكان يمضي نهاره فيها صامتاً متأملاً في طبيعتها. وقد دأب أبناؤها على المحافظة على ميزتها هذه، ويعتبر المجلس البلدي الفالوغي من أنشط المجالس البلدية في جبل لبنان.
يُعرف من فالوغا عائلات: أبو جودة، زغزغي، عبد الخالق، غانم، الرامي، عبدو، حداد، الخطيب، أبو زيد، المصري، أبو ديوان، شمعون، بصيبص، حاج، الحلبي، شبيب، الأعور، خوري، كفوري، الحاج، عنداري، وغيرها من العائلات اللبنانية العريقة.
ككل العائلات اللبنانية، يتوزع أبناء فالوغا بين لبنان والمهجر، فيسجل لهم حضور فاعل في أستراليا والأميركيتين. وتتناقل إحدى الروايات عن رحيل بعض البيوت الفالوغية إلى مصر واستقرارهم فيها بعد خسارة الأمير بشير في ثورة 1840؛ وهم كانوا من المقربين من أمير البلاد ومستشاريه.
لفالوغا محطة محفورة في ذاكرة لبنان الحديث. فإثر دخول الفرنسيين الى لبنان عام 1918 بنوا لهم مواقع مراقبة في أعالي سلسلة جبال لبنان الغربية، فظهرت "الغرفة الفرنسية" من أقصى الشمال اللبناني حتى تلال جزين ومرجعيون في الجنوب. و بطبيعة الحال، كان لجبل الكنَيسة حيث هي فالوغا "غرفته"، وهي عبارة عن بناء حجري صغير متماسك يستعمله الجنود صيفاً وشتاءً للمراقبة العسكرية. وكان العلم الفرنسي يرفرف فوق كل غرفة في هذه الجبال إلى ان احتدمت المواجهة مع السلطات الفرنسية إثر مطالبة الشعب اللبناني باستقلاله؛ وكانت فرقة الجندرما اللبنانية ضمن الجيش الفرنسي قد التزمت الهدوء ورفضت استلام أوامر ضد اللبنانيين وراح يظهر التململ داخل صفوف اللبنانيين في جيش فرنسا في تلك المرحلة، إلى أن أتى يوم 23 تموز 1943، وكان قائد موقع "الغرفة الفرنسية" في جبل الكنيَسة هو قائد فرقة القناصة في الجيش الإفرنسي المقدم جميل لحود (والد الرئيس الأسبق أميل لحود) ومعه فرقته (عزيز الأحدب، جوزيف معلوف، عادل حلبي، جورج معكرون، جميل الحسامي، سعدالله نجار، ريمون الحايك، وفؤاد قديس). في ذلك النهار، أمر المقدم لحود جنودَه بإنزال البنديرة الفرنسية وبرفع علم الأرز مكانه لأول مرة على سارية رسمية في لبنان، في مشهدية وطنية ترددت أصداؤها من أقصى البلاد إلى اقصاها، ورفعت معنويات أبناء القرى البعيدة لما تحمل هذه المبادرة في طياتها من عزم على المواجهة وقرار العسكر بحماية أبناء بلدهم.
*إعداد جبلنا ماغازين بالتعاون مع المنبر الثقافي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم