طرابلس - عاصمة لبنان الثانية Tripoli
طرابلس، عاصمة محافظة الشمال، هي ثاني أكبر مدن لبنان بعد بيروت. تقع على بعد 85 كيلومتراً إلى الشمال من بيروت كما تبعد عن الحدود السورية نحو 40 كيلو متراً. وهي مدينة مضيافة امتزج فيها الحاضر بالتاريخ، وعرفت منذ القدم بموقعها الجغرافي المميز كونها صلة الوصل ما بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والداخل السوري والعربي، مما جعلها مركزاً تجارياً مهما على مستوى لبنان والمنطقة.
طرابلس، والتي تسمى أيضاً بالفيحاء، هي تعريب لكلمة Τρίπολις) Tripolis) اليونانية التي تعني المدن الثلاث. ويعود الاسم حيث أُسس على أرضها أول اتحاد من نوعه في التاريخ لثلاث من مدن فينيقيا القديمة: هي صور وصيدا وأرواد، ونشأت عنه مدينة فينيقية بثلاثة أحياء عمرانية وهي "محلاتا"، "مايزا" و"كايزا". شكلت تلك المدينة فيما بعد بأحيائها العمرانية المذكورة النواة الأساسية التي قامت عليها طرابلس اليوم.
كما عرفت المدينة بأسماء مختلفة عبر العصور. فبرسائل تل العمارنة سميت "دربلي". في أثار أخرى سميت "أهلية" أو وهلية. وبمنحوتات انتصارات الغزو الاشوري للمدينة، سيمت "مهالاتا"، "مهلاتا"، "مايزا" و"كايزا".
بين القرنين السادس والرابع ق. م. ارتقى شأن طرابلس بين المدن الفينيقية حيث أصبحت عاصمة للاتحاد الفينيقي، وأصبح اسمها "آثر "Athar، وهذا ما كشفت عنه قطع النقود المسكوكة فيها بتاريخ 189 -188 ق. م. والتي صكّت في العهد اليوناني ولكنّها تحمل كتابة فينيقية تدل على اسم طرابلس الفينيقي.
دخلها اليونانيون في القرن الرابع قبل الميلاد، وأطلقوا عليها اسم ” تريبوليس – Tripolis “أي المدينة المثلثة. وقد ظلت تحمل هذا الاسم طوال العصور التاريخية التي تتالت عليها من الرومان حتى العرب الذين دخلوا عليها في القرن السابع الميلادي فعرّبوا الاسم إلى ”أطرابلس“ بإضافة الهمزة في أوّلها تمييزاً لها عن ”طرابلس الغرب“، ومن ثمّ حذفت الهمزة وأصبحت ”طرابلس“. ولقد سميت طرابلس ومنطقتها بـ"إمارة طربلس" ثم بـ"دولة طرابلس" ثم "مملكة طرابلس المشرقية".
أما الصليبيون، فدعوها "تريبل" وجعلوها مركز مقاطعة طرابلس. لقّبت "بالمدينة المقدّسة" في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي. كما دعيت أيام العرب بالفيحاء وما زالت هذه الصفة ملازمة لها حتى اليوم.
إنها مدينة تضمّ عدداً كبيراً من البُنى التاريخيّة والأثرية، ومتكاملة بأحيائها، وأسواقها، وأزقّتها المتعرّجة المُلْتوية، والمسقوفة، ومعالمها، وتضمّ بين جَنَباتها أكثر من 160 مَعْلماً، بين قلعة، وجامع، ومسجد، ومدرسة، وخان، وحمّام، وسوق، وسبيل مياه، وكتابات، ونقوش، وغيرها من المعالم الجمالية والفنيّة. تضرب طرابلس جذورها في عُمق التاريخ وتَرْقى إلى 3500 عام حيث أسّسها الفينيقيون، وتعاقبت عليها الأمم والعهود من الفينيقيّين حتى الانتداب الفرنسي، مروراً بالرومان، والبيزنطيّين، والعرب، والفرنجة، والمماليك، والعثمانيين.
يعتمد اقتصاد طرابلس على الصناعات الحرفية، وبعض الصناعات التحويلية الصغيرة، والسياحة. وتنقسم المدينة إلى قسمين: القسم الأول هو الميناء والقسم الثاني هو المدينة نفسها إضافة إلى ضاحيتيها، البحصاص والبداوي، وشريطين ضيقين على امتداد شاطئ البحر، واحد باتجاه الشمال، والآخر باتجاه الجنوب ويشكل منطقة القلمون. يبلغ عدد سكان طرابلس (الكبرى) القاطنين فيها 600000 نسمة تقريبا، وتشكل الكثافة السكانية فيها نسة عالية جداً وتصل إلى 7086 شخصاً في الكيلومتر الواحد.
تقع أمام ساحلها مجموعة جزر صغيرة أهمها: جزيرة الرامكين وجزيرة النخل وجزيرة سنني. وقد أعلنت جميعها عام 1993 محمية طبيعية بحرية تعرف باسم محمية جزر النخل.
تشرف على طرابلس سلسلة جبلية ترتفع قممها إلى ما فوق 3000 م تكسوها غابة الأرز والثلوج الدائمة، وتنتشر على سفوح تلك السلسلة المصايف ذات المناظر الخلابة، والمياه العذبة والهواء العليل. ويخترق المدينة نهر يتدفق من مغارة قاديشا في أعالي جبل المكمل، يعرف محليا ً بنهر أبو علي نسبة إلى "أبو علي بن عمار" أحد ولاتها من أسرة بني عمار الذين حكموا طرابلس في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي. يشطر نهر "أبو علي" طرابلس إلى شطرين، شرقي وغربي، يصل بينهما جسر الجديد أقيم بعد طوفان النهر عام 1956، وهو يغذي تربتها ويروي بساتينها التي تغطي سهلها الخصيب.
مناطقها:
أبي سمراء، قبة النصر، جبل محسـن، باب التبانة، السويقة والجسرين، الميناء، باب الرمل، ضهر المغر، البحصاص، باب الحديد، المعرض، والزاهري، الرمانة، النوري، التل وضاحيتيها: البحصاص والبداوي، المهاترة الظاهرية (المعروفة بالزاهرية)، والمئتين، بالإضافة إلى القلمون.
طرابلس القديمة:
يتميّز ساحل طرابلس بمجموعة من التشكيلات الجغرافية التي يمكن استعمالها كموانئ للسفن والمراكب، ويتميّز أيضاً بوجود مجموعة من الجزر، هي الوحيدة في لبنان، وقد لعبت تلك الجزر دوراً هاماً في السيطرة على الطرق العسكرية والتجارية في المنطقة. ففي العصر الهيليني، وبالتحديد في ظلّ حكم خلفاء الاسكندر الأكبر، لعبت طرابلس دور قاعدة بحرية كبيرة وذات استقلالية نسبية. أمّا في العصر الروماني، بلغت المدينة أوج تطورها واحتوت على العديد من المعالم الهامّة. ودّمرت طرابلس في العام 551 خلال العهد البيزنطي وذلك بفعل زلزال مدمّر أدّى إلى انقضاض البحر عليها.
عادت طرابلس للعب دور هام كقاعدة عسكرية ابتداءً من العام 635 في عهدالأمويين. وفي العصر الفاطمي، تميّزت طرابلس بحكم ذاتي مستقّل وأصبحت مركزاً للعلم لا مثيل له في المنطقة. وفي بداية القرن الثاني عشر، حوصرت طرابلس ثمّ سقطت بيد الإفرنج الصليبيين في العام 1109. تضررت معظم معالم المدينة بشكل كبير، وبخاصة مكتبتها المعروفة باسم "دار العلم" والتي كانت تضم في كنفاتها ثلاثة ملايين مخطوط وكانت تنافس في غناها مكتبة بغداد.
وفي العهد الصليبي، أصبحت مدينة طرابلس عاصمة "كونتية طرابلس". وفي العام 1289، فُتحت طرابلس على يد المنصور قلاوون سلطان مصر والشام الذي أعطى أوامره بهدم المدينة القديمة، والتي كانت تقع فيما يعرف حاضراً باسم الميناء، وبنائها من جديد في السهل المنبسط تحت قلعة طرابلس. واتخذها سلاطين المماليك طوال قرنين وربع القرن من الزمان عاصمة لنيابة السلطنة، وأقيمت فيها عشرات المساجد والمدارس، والزوايا، والتكايا، والخوانق، والرُّبط، والحمّامات، والخانات، والقياسر، والطواحين، وأقيمت لها عدة بوابات في مختلف الاتجاهات، وتشعّبت حاراتها ودروبها وأزقّتها الملتوية والممتدّة تحت عقود الدّور والمنازل التي توفّر لها حماية ذاتيّة بحيث تحوّلت في معظمها إلى سراديب ودهاليز سريّة لا يعرف السيّر فيها إلاّ أهلها، بمعنى أن بناءها وخِططها كانت عسكرية دفاعية حسب مقتضيات ذلك العصر، وأقيم على امتداد ساحلها من رأس الميناء إلى رأس النهر ستة أبراج حربية للمرابطة فيها، هي: برج الأمير أيتمش، وبرج الأمير جُلُبّان، وطرباي (الشيخ عفّان)، والأمير الأحمدي (الفاخورة)، والأمير برسباي (المعروف بالسباع)، وبرج السلطان قايتباي (المعروف ببرج رأس النهر)، وللدفاع عن المدينة إذا دهمها العدوّ. كما جرى ترميم الحصن الذي أسّسه "ابن مجيب الأزدي"، وأعاد بناءه "ريموند دي سان جيل"، وحوّله نائب السلطنة "سيف الدين أسندمر الكرجي" إلى قلعة كبيرة.
يُعتبر عهد الأتراك في طرابلس أطول العهود الإسلامية التي خضعت لسيادتها، حيث امتدّ حكمهم أكثر من أربعة قرون، باستثناء ثماني سنوات خضعت فيها للحكم المصري حين دخلها "إبراهيم باشا" ابن محمد علي الكبير سنة 1832 م. واتخذها قاعدة عسكرية أثناء حملته على بلاد الشام وأقام فيها. وعادت إلى الأتراك العثمانيين بعد جلاء المصريين عنها سنة 1840 م. ثم خضعت للانتداب الفرنسي سنة 1918 م. فكانت "ساعة التل" آخر ما تركه العثمانيون من آثار في طرابلس.
بقيت طرابلس رائدة المدن الساحليّة حتى عام 1920، عندما أصبحت كغيرها من المدن الساحليّة جزءا ً من دولة لبنان الكبير. ومع دولة الاستقلال 1943، أصبحت طرابلس العاصمة الثانية بعد مدينة بيروت، وأصبحت عاصمة محافظة لبنان الشمالي.
آثار المدينة
فاق عدد آثار طرابلس في آخر إحصاء أجرته بلديتها منذ أكثر من عشر سنوات 200 موقع أثري.
تُعتبر طرابلس المدينة الأولى بثروتها التُراثية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وهي الثانية بآثارها المملوكية بعد القاهرة، وتمثل متحفاً حياً يجمع بين المعالم الرومانية والبيزنطية، والآثار الفاطمية والصليبية، والعمارة المملوكية والعثمانية. وتعود أغلبية هذه الآثار إلى العهد المملوكي، يليه العهد العثماني، فالعهد الصليبي والبيزنطي، ويقول المؤرخون أن مباني مدينة الميناء الحديثة قائمة على أنقاض المدينة البيزنطية.
مساجد طرابلس ومدارسها
تُعرف مدينة طرابلس بكثرة المساجد والتكايا والزوايا والمدارس الدينية التي يعود بناؤها لأيام المماليك والعثمانيين من بعدهم، حيث عماراتها المزخرفة وقناطرها المتناثرة. ويوجد في طرابلس العديد من الجوامع العريقة ومعظمها ذات طراز مملوكي ومنها:
الجامع المنصوري الكبير: يعد من أعظم المساجد الجامعة في طرابلس أسسه السلطان الأشرف خليل بن قلاوون في العام 1294 م. وهو أكبر وأقدم جوامع المماليك في طرابلس ولبنان على الإطلاق.
جامع العطار: من أكبر جوامع طرابلس وثالثها من حيث الأهمية بني في عصر المماليك. أسسه "بدر الدين بن العطار" أحد عطاري طرابلس الأثرياء سنة 1325 م على نفقته الخاصة فنسب إليه.
جامع البرطاسي: يعرف بجامع ومدرسة البرطاسي أو البرطاسية، وسمي نسبة إلى مؤسسة "عيسى بن عمر البرطاسي" عام 1310 م. وهو من أجمل الجوامع المملوكية.
جامع الأويسي: حمل اسم مشيّده "محي الدين الأويسي" الذي بناه عام 865 هـ. وفيه ضريح لمحمود بك السنجق، صاحب المسجد المعروف باسمه في التبّانة.
جامع التوبة: بني في عصر المماليك على يد السلطان الناصر محمد بن قلاوون نحو عام 1315 م. وجُدد في عهد (بني سيفا) أمراء طرابلس في العصر العثماني عام 1612 م.
جامع طينال: أجمل وأفخم جوامع طرابلس ولبنان، بناه الأمير سيف الدين طينال الأشرفي الحاجب عام 1336 م. وهو يضاهي أجمل جوامع القاهرة ودمشق.
إضافة إلى ما ذكر من مساجد هناك عشرات أخرى تزخر بها طرابلس ومنها: جامع السيد عبد الواحد المكناسي المغربي الطراز، مسجد البهاء، جامع شرف الدين الذي أسسه حاكم طرابلس العثماني، جامع الحميدي نسبةً للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذي جدده، مسجد الحُجَيْجيّة وهو من بقايا الأبنية الصليبية، جامع أرغون شاه بناه الأمير المملوكي أرغون الإبراهيمي، جامع الطحام المملوكي، جامع المعلق العثماني.
ومن المدارس التي بنيت بمعظمها في عصر المماليك: مدرسة الشيخ الهندي المعروفة بالمشهد وتحتوي على زخارف ملونة في الخارج والداخل، مدرسة الشمسية وهي أقدم مدارس المماليك في لبنان وهي تقدم أقدم نموذج للبيوت المملوكية القديمة، المدرسة الناصرية التي بناها السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، مدرسة الأمير شهاب الدين قرطاي التي تضاهي ببوابتها الشمالية أجمل وأفخم مساجد القاهرة ودمشق، المدرسة العجمية في أحدٌ أقدم وأحصن الأزقة في المدينة وأضيقها، المدرسة الظاهرية، المدرسة النورية التي تحتوي على أجمل محراب وبها قبر بناه الأمير المملوكي طرمش الدوادار، المدرسة السقرقية التي بناها الأمير سيف الدين. إضافة إلى ما ذكر هناك: مدرسة الرفاعي من العصر العثماني، مدرسة الأمير سنجر الحمصي، مدرسة القاضي أوغلو العثماني، المدرسة القادرية من عصر المماليك من القرن 14 م، المدرسة الطواشية من عصر المملوكي، وهي من أجمل مدارس طرابلس ذات التأثيرات الأندلسية، وغيرها...
المقامات والمزارات
مقام والي طرابلس العثماني أحمد باشا الشالق المؤرخ عام 1665 م.
مقام عبد السلام المشيشي من أهل المغرب.
مزار السيدة للروم الأرثوذكس في ضواحي جبل محسن، من العصر الصليبي، يزوره المؤمنون إلى الآن، وتظهر الحروف اللاتينية منقوشة على عقده.
الكنائس وحي النصارى
حي النصارى في طرابلس يشكل مجمعاً أثرياً مسيحياً حيث تتجمع عدة كنائس، أقدمها كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس التي كانت في الأساس مصبغةً لأسرة طرابلسية مسلمة تنازلت عنها وحُولت إلى كنيسة عُرفت بكنيسة السبعة، وجرى تأسيسها عام 1809 م. وبقرب كنيسة مار نقولا أقيمت كنيسة مار جاورجيوس للروم الأرثوذكس بين عامي 1862 و1873 م. وكنيسة مار ميخائيل للموارنة، وقد بُنيت عام 1889 م. تقابلها كنيسة صغيرة للاتين مُلحَقة بمدرسة الطليان. وعلى مقربة من شارع الكنائس هناك كنيسة مار يوسف للسُريان الكاثوليك، وكانت في الأسساس للفرنسيسكان، وبُنيت في القرن 19 م. إضافة إلى ما ذكر عثر بجوار الجامع الأويسي على آثار كنيسة من عهد الصليبيين.
الساحات
الساحة المركزية في طرابلس هي "التل" التي فيها الساعة العثمانية ذات الطبقات الخمس، المُهداة من السلطان عبد الحميد الثاني وبجوارها حديقة المنشية وترى من حول ساحة التل المباني السكنية والتجارية والفنادق ذات الطراز العثماني. وهناك أيضاً ساحة "الكورة" التي تتجاور بها العمارة العثمانية والحديثة، وفي جوارها ساحة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون النجمة سابقاً حيث بداية حدود المدينة القديمة. إضافة إلى ساحة الحمصي التي تُعرف حالياً بالتربيعة.
الأسواق والأزقة والأحياء
سوق النحاسين الذي انشئ في العهد المملوكي وهو خاص بالنحاسيات.
سوق الصياغين الذي يعد من أجمل وأقدم أسواق طرابلس، وهو خاص بمحلات صياغة وبيع الذهب والمجوهرات المصنعة، أو المستوردة من الخارج.
سوق البازركان الذي يعد قلب الأسواق النابضة بالحياة، المتخصص بالأقمشة بأنواعها وألوانها.
سوق حراج وهو من عصر المماليك وربما أقدم من ذلك، ويحتوي على الأعمدة الغرانيتية المرتفعة التي تتوسط ساحته، والأعمدة الضخمة القائمة داخل الحوانيت حول الباحة.
سوق الكندرجية وهو أحد الأسواق المزدحمة بالمارة، وفيه محلات بيع الملابس وأحدث الأزياء. وأخيراً سوق العطارين المتخصص بالعطارة.
اما الأزقة التاريخية فعديدة ومنها: زقاق النمل، الحمام، الأسرار، المهاترة، البرطاسية، سيدي عبد الواحد الذي يمتاز بأن نصفه مسقوف بالمساكن، وهو الطابع السائد في تخطيط المدينة القديمة، وزقاق رباط الخيل وفوقه كتابة منقوشة، ونوافذ حربية لرمي السهام.
الخانات
تقع خانات طرابلس وسط المدينة، وهي من خلال عددها ومساحتها تبيّن أهميّة التجارة وخصوصاً الأهميّة الأقتصادية لهذه المدينة مما يفسّر وجود هذا العدد الكبير من الخانات العائد معظمها إلى العهد المملوكي. للخانات وظائف عديدة فهي وبالأضافة إلى كونها موقعاً لبيع وشراء البضائع، تستعمل أيضا" لتخزين البضاعة وكمكان سكن التجار.
خان الصابون المعروف أيضاً بخان العضيمي كان في البداية يستعمل كثكنة عسكرية للجيش العثماني وتحول وبطلب من السكان المحليين في طرابلس إلى مصنع الصابون. وما يميّزه أنه الوحيد الذي لا يزال يحتفظ ببابه الأصلي المصنوع من الخشب.
خان العسكر الذي بني في عصر المماليك أواخر القرن 13 بهدف استعماله كثكنة للجيش مما يفسّر اسمه. وهو من أكبر الخانات في طرابلس ويتميّز ببنائه الذي يتألف من مبنيين.
خان الخياطي المعروف أيضاً بخان الحريريين يعود للعصر المملوكي. وكما يدل اسمه، فهو مخصص للخياطين، ويقال أنه بني على بقايا مبنى صليبي مما يزيد من أهميته تاريخياً. ويتميّز بتصميم مختلف فهو كناية عن شارع مقفل.
خان المصريين الذي أقيم على ما يبدو في النصف الأول من القرن 14 للميلاد ويتألف من فناء تتوسطه بركة ماء وتحيط به طبقتان، خصصت السفلى منهما للبهائم والبضائع فيما خصصت العليا للنزلاء. وتطل هذه الغرف على الفناء من خلال أروقة معومدة.
ومن خاناتها أيضاً: الصاغة، التماثيلي (بالميناء)، الخشب، والجاويش.
الحمامات
من آثار الوجود التركي في طرابلس الحمامات العامة، والتي قامت في الأصل لحاجة النظافة والطهارة طبقاً للشريعة الإسلامية، بسبب قلة المياه الواصلة إلى البيوت. ومن حمامات المدينة:
حمام النزهة الذي أتى عليه طوفان نهر أبو علي، حمام الطوافية الذي لم يبق منه شيء، حمام القاضي الذي بُني عام 1340 وأزيل لاحقاً، حمام العطار الذي لم يبق منه سوى واجهته الغربية، حمام الداودار الذي يعتبر أجمل حمامات طرابلس، حمام الحاجب الذي لا تزال آثاره ظاهرة على الضفة الشرقية لنهر أبو علي، حمام القلعة، حمام الجديد أو القراقيش وهو من الطراز العثماني يقع في محلّة الحدادين، بناه إبراهيم باشا العظم، حمام النوري المملوكي بناه الأمير سنجر بن عبد الله النوري سنة 1310 م وفَقَد وظيفته بسبب وضعه السيّئ، حمام العظم أو الحمام الكبير الذي يقع تحت عقد الجامع الكبير في مدينة الميناء، حمام عزالدين الذي يقع في محلة باب الحديد، بناه الأمير عزالدين أيبك الموصلّي يعتبر من أشهر الحمامات في طرابلس، استمر في العمل حتى منتصف الثمانينات، وأصبح مهجورا وبحالة سيّئة. اما الحمام الوحيد الذي يعمل فهو حمام العبد (قرب خان الصابون) الذي بني في أواخر القرن السابع عشر، وهو البناء الوحيد من نوعه الذي ما زال يعمل حتى اليوم.
القصور
أبرز قصور طرابلس هو قصر نوفل العثماني المعروف بمركز "رشيد كرامي الثقافي البلدي" بعد أن حولته بلدية المدينة إلى مكتبة عامة وقاعة محاضرات ومعارض. وهناك أيضاً قصرُ الأمير المملوكي سَنْجَر الحمصي الذي سكنه عام 1324 م، وقصر الأمير المملوكي سيف الدين أَلْطُنْطاش من القرن 13 م. وقصر الأمير عز الدين أيبك الموصلي وهو من عصر المماليك، به زخارف أندلسية شبيهة بقصر الحمراء في غَرْناطة.
الأبراج والقلاع
تشعّبت حارات طرابلس ودروبها وأزقّتها الملتوية تحت عقود الدّور والمنازل التي توفّر لها حماية ذاتيّة بحيث تحوّلت في معظمها إلى سراديب ودهاليز سريّة لا يعرف السيّر فيها إلاّ أهلها، بمعنى أن بناءها وخِططها كانت عسكرية دفاعية، وأقيم على امتداد ساحلها ستة أبراج حربية للمرابطة فيها والدفاع إذا دهمها العدو، وهي: برج الأمير أيتمش، وبرج الأمير جُلُبّان، وطرباي (الشيخ عفّان)، والأمير الأحمدي (الفاخورة)، والأمير برسباي (المعروف بالسباع)، وبرج السلطان قايتباي (المعروف ببرج رأس النهر).
قلعة طرابلس
أما قلعة طرابلس فهي أكبر القلاع الحربية في لبنان وأقدمها، أسسها القائد العربي سفيان بن مجيب الأزدي في العام 636 م. وبنى فيها الفاطميون مسجداً أوائل القرن 11 م. وبنى القائد التولوزي "ريموند دي سان جيل" حصناً فوقها عام 1103 م. ثم حوّله الأمير المملوكي "أسَتُدَمُر الكُرْجي" عام 1307 م إلى قلعة وبنى بها أبراجاَ، ثم أضاف السلطان العثماني سليمان بن سليم الأول عام 1521 م البرج الشمالي وفيه باب القلعة.
تقع القلعة فوق تلةٍ صخرية وتتألف من 4 طبقات، بها حمام قديم و3 مساجد، وسجن، وإسطبل للخيول، وقاعات للقادة وكبار المسؤولين، وقاعات ضخمة للجند والذخيرة والمدفعية وآبار وخزانات للمياه، وأحواض للشرب، ومقابر، وباحات واسعة للتدريبات العسكرية والاستعراض، وأكثر من 100 حُجرة مختلفة الاتساع، ونحو 10 أبواب في أسفل أسوارها، بعضها يؤدي إلى النهر، وبعضها يؤدي إلى الأسواق الداخلية إضافة إلى نوافذ للمدفعية.
مرفأ طرابلس
مرفأ طرابلس يعتبر البوابة الأساسية لدخول البضائع إلى منطقة الشرق الأوسط، وعرف تاريخياً بهذه الأهمية لقربه من الداخل السوري من دون عقبات جغرافية. إلى ذلك يعد هذا المرفأ أحد أهم بوابات تنشيط الحركة الاقتصادية في مدينة طرابلس وعموم الشمال وهو يشهد حاليا ورشة عمل متواصلة لتطويره.
الحلويات
تشتهر مدينة طرابلس بصناعة الحلويات التي ذاع صيتها في كل أرجاء الوطن وتعدى الحدود والجغرافيا حتى أضحت الحلويات ملازمة لعراقة طرابلس وأصالتها. ومن أبرز الأنواع التي تعرف بها المدينة: الفيصلية، تاج الملك، الكلاج، حلاوة الجبن، ميرامار، بقلاوة، برمة، عش البلبل ، كول وشكور، بسمة، وبصمة، حلاوة الشميسة، بلورية، إضافة إلى أنواع الكنافة والمفروكة.
اقترن اسم طرابلس بالحلويات عبر تاريخها وما زالت محافظة عليه وتتوارثه جيلاً بعد جيل. صناعة الحلويات الطرابلسية التي ازدهرت منذ نحو القرنين من الزمن افــرزت أسماء عائلات عديدة استثمرت في هذا المجال، أبرزها عائلة الحلاب التي ارتبط اسمها بالحلويات الشرقية. وتحولت هــذه الحرفة على أيدي أفراد العائلة إلى صناعة متكاملة وماركة تجارية امتدت شهرتها عبر القارات. و امتازت أيضا في نفس المجال حلويات التوم من خلال عائلة التوم وهي عائلة طرابلسية عريقة اشتهرت تاريخياً بالتجارة وصناعة الحلويات العربية بنكهة طرابلسية أصيلة. ويحتفظ أبناء العائلة من جيل إلى جيل بأسرار المهنة ويشرفون على الإنتاج وتتجلى أسرارهم في حلاوة الجبن خاصة التي صارت إرثا" ثقافيا" بالعائلة وبالمدينة، وقد تأسست في طرابلس القديمة سنة 1919 م على يدي مؤسس وعميد المهنة والصنعة عبد السلام التوم، وفرعها الرئيسي الأثري يقع جانب مسجد التوبة الأثري مقابل خان العسكر التاريخي والأثري.
*إعداد: جبلنا ماغازين
بالتعاون مع: الدكتور توفيق ملحم