مُهاجرون أو مهجّرون؟ بقلم: سيليا حمادة
قد تستغربون هذا العنوان. ولكن أعدكم ستنظرون اليه بصورة مختلفة بعد قراءة المضمون.
المهاجرون هم من اختاروا الهجرة طوعا أو
قسرا، قديما جدا أو حديثا وفي ظروف مختلفة.
المهاجرون هم أولئك المغامرون الباحثون أبدا عن حياة أفضل ومستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم.
ولا ننسى أيضا والأهم من حظيوا بفرصة الهجرة دون سواهم لاعتبارات مختلفة أيضا. وهم
غالبا أولئك الذين طالت سنين اغترابهم ونسيوا أو تناسوا أنفسهم في بلاد الاغتراب
لأسباب مختلفة. هم أولئك الذين حملوا جنسية بلد الإقامة، وكذلك أولادهم وعائلاتهم
وبقي الوطن الجميل في ذاكرتهم، وزينوه أكثر في عيون أولادهم وأحفادهم، دون أن يكون
ذلك حافزاً كافياً لعودتهم وتموضعهم فيه في غالب الأحوال.
لا أريد أن أشعّب الموضوع كثيراً وأعود الى تواريخ الهجرة التي تمتد الى ما قبل دولة لبنان الكبير ولبنان الحديث ولا أريد أن أعلل سبب الهجرة كتحليلات معظم السياسيين أو الدارسين لشؤون الاغتراب وأكرر بأن اللبناني مغامر بطبعه وانسان طموح و..وما إلى ما هنالك من تبريرات لفشل كل ما مر على لبنان من حكومات وحكام في انشاء دولة وقانون يتساوى أمامه الجميع... فشلهم في انشاء دولة وطن ومواطن، لا دويلات طائفية مناطقية طبقية قائمة على المحاصصة والمحسوبيات وغياب كليّ للفرص المتساوية أمام أصحاب الكفاءات والاختصاصات، ودائماً بحجة حماية الأقليات والحفاظ على طابع لبنان الحضاري والى ما هنالك من ترّهات.
المغتربون المهاجرون هم أولئك الذين رفعوا اسم وطنهم عاليا أينما حلّوا، سواء بنجاحهم أم بتعاملهم وأخلاقهم في غالب الأحيان، وكانت قصص نجاحاتهم ولا تزال تستقطب اهتمام أهل بلادهم خاصة وحتى المسؤولين الذين يهمهم بالدرجة الأولى بقاء الأموال تصب في مصارف الوطن ودعم اقتصاده. ويبقى سر النجاح الأول وسر الهجرة أيضا لأولئك المغتربين هو الفرص المتعددة والمتساوية التي حظيوا ويحظون بها كمواطنين في بلد الاغتراب، وهو ما لم ولن يحظوا به في بلدهم، في ظل النظام الذي وصفته أعلاه .
أما المغتربون المُهجرون، فليسوا أولئك
الذين هجروا من مناطق إقامتهم في وطنهم لاعتبارات سياسية طائفية ساهم فيها كل
الزعماء على حد سواء وفي ظروف متعددة خلال الحرب الأهلية المشؤومة .
بل هم المهجرون الجدد برأيي، وهم أولئك الذين هجروا – أمثالنا - الى بلدان قريبة
خلال الحرب وقبلها كما بعدها، لأنهم لا يريدون أن يكونوا تابعين لأي زعيم ولا أن
يشحذوا وظيفة أو لقمة عيش ومستقبلاً لأولادهم من أي مسؤول في ظل فرص قليلة وشبه
معدومة في نظام قائم على محاصصة طائفية تكاد تطبّق أيضاً وبشكل أقسى حتى في
الشركات الخاصة في لبنان.
المهجّرون الجدد هم الذين غالبا من اختاروا أن يبقوا على مقربة من الوطن والأهل، وقلة من الذين لم تتوفر لهم فرصة الهجرة الى بلدان أبعد.
المهجرون الجدد هم أولئك المغتربون في دول الخليج تحديداً حيث يتحملون مناخاً حارا جداً مقارنة بمناخ بلادهم، وتحملوا القيود على حرياتهم الشخصية في بيئات محافظة جداً تفرض عليهم الالتزام بقيود كثيرة تعاني منها النساء بشكل خاص (ربما أكتب عن معاناتهنّ في مقال آخر)، مع استثناء دول قليلة منها طبعاً، تمكنت من أن تنافس لبنان وتتفوق عليه من حيث حرية الفرد والقانون. طبعا هذا لا ينفي امتنانهم لتلك الدول التي استضافتهم وأمنت لهم فرص عمل حين ضاقت بهم الحال في بلادهم.
لماذا هم مهجّرون وليسوا مهاجرين؟ لأنهم لا يتساوون مع المهاجرين من حيث الحصول على إقامة دائمة أو جنسية في البلد الذي يعملون ويقيمون فيه، بل يحصلون على اقامة يتم تجديدها كل سنة أو سنتين أو ثلاث، بحسب أنظمة البلد المضيف. وهم معرضون لاستبدالهم بأبناء البلد حين تنتفي الحاجة إلى خدماتهم؛ وهذا طبيعي ومن حق اي بلد اعطاء الأولوية لمواطنيه. ففي المقابل، المهاجر مواطن في بلد الاقامة ولا أحد يستطيع أخذ قرار الاستغناء عن خدماته.
المغتربون/المهجرون الجدد يشكلون أكثر من سبعين بالمئة من الشباب اللبناني الذي يتخرج من الجامعات الكبرى ولا امل لهم بوظائف في بلادهم وان وجدت لا تكفي الرواتب المعروضة لاستئجار بيت وغالبا لا تناسب اختصاصاتهم.
أولئك المغتربون الذين أسميتُهم هنا "مهجرين"، ماذا يفعلون لو استغنت البلاد المضيفة عن خدماتهم؟ فلا جنسية لديهم ولا قانون يحميهم وكذلك بلادهم التي كانت سبب تهجيرهم لانعدام الفرص وتركيبة المحاصصة والمحسوبيات، لا تستطيع أن تؤمن لهم الوظائف أو تهتم بحاجاتهم وحاجات عائلاتهم.
بين المغتربين المهاجرين والمغتربين المهجّرين فروقات كثيرة، ولكن يجمعهم حبّ الوطن والحنين إليه ومعاناة الغربة ومشاكلها، رغم اختلاف ظروفهم. وأختم بالأبيات الختامية لقصيدتي" الوطن الصعب":
"ويقولون الوطن ليس فندقاً
ولو يعلمون
ما أقسى ألا يكون الوطن
بيتاً "
*كتبته ل"جبلنا ماغازين": سيليا حمادة
كاتبة وشاعرة لبنانية مقيمة في الرياض،
المملكة العربية السعودية
.