صحافي أردني يكشف سرّ لبنان!
صفحة حرة – جبلنا ماغازين
كتب الصحافي الأردني عبد الهادي راجي المجالي في صحيفة "الراي" قبل أيام مقالاً لافتاً بعنوان "لبنان" جاء فيه:
.... ماذا نعني بدولة قوية؟ الكيان الصهيوني مثلا أجرى تجهيزات مهمة استعدادا للضربة، حصن الجبهة الداخلية..وقام بتزويد جميع الوزراء وقادة الجيش بهواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية...قام أيضا بفتح الملاجئ، قام أيضا بإيجاد بدائل للوقود في حال ضربت الخزانات...وفر كميات هائلة من الدواء، وأجرى اتصالات مع الغرب من أجل توفير الدعم العسكري، ناهيك عن قيامه بعمل خط ساخن مع قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية..لأجل توفير الدعم العسكري في حال كانت الضربة قوية.
لبنان ماذا فعل؟..أنا أتابع المحطات اللبنانية، وأتابع الأخبار...لبنان ليس مهتما كثيرا بالوقود، والجبهة الداخلية لديه محصنة تماما...فالجميع هنالك يحبون بعضهم...أليسا أنتجت فيلما على (نتفلكس) عن حياتها الشخصية، وهذا الفيلم لقي رواجا في الساحة...ويشهد جدلا في أحاديث الناس، المطاعم لديه أيضا أنتجت عروضا خاصة مثلا أحد المطاعم في بيروت قدم عرضا (15) دولارا تستطيع تناول ما تشاء من الأكل البحري الطازج وشرب ما تشاء، ولهذا قرر الياس اصطاب زوجته اليوم وحماته وشقيقة زوجته..وجارتهم (ام حسين) إلى المطعم...وائل كفوري أقام حفلا صاخبا والتذاكر نفذت بعد ساعة واحدة..
سؤال ما سر لبنان؟..لبنان وطن غريب جدا، في الحرب الناس فيه تتعاطى مع الصواريخ على أنها مفرقعات، وتخرج للشوارع ولا تسأل..في انهيار البنوك ونفاد العملة الصعبة، يصر جورج على الذهاب إلى الشاطئ ودعوة الأصدقاء ويعطيك نظرية مهمة في الإقتصاد تقول: (يا خي بفرجها ربك)...الجنوب يقصف كل يوم وتدمر فيه البيوت وتهدم، ومع ذلك لم أشاهد لبنانيا واحدا يظهر على شاشة التلفاز ويتذمر..لم أشاهد لبنانيا واحدا يحمل (عفشه) ويغادر....لما أشاهد مذيعة تبكي أو مسيرة تنتقد الوضع القائم...المهم أن المخزون القومي اللبناني من الحب ما زال مطمئنا..
هل لبنان دولة حقيقة أم مصنع فرح, أنا لا أعرف سر هذا البلد وسر هذه القوة وهذا الجبروت...لكن ما أعرفه أن طيران الشرق الأوسط ما زال يعمل والمضيفات الجميلات، ما زلن يبتسمن عند إقلاع الطائرة...ما زال العشاق يتقابلون في (الروشة)، وليس مهما ما يحدث..المهم أن العشق هنالك ينبت مثل الشجر..وأغاني فيروز ليست بالأغاني أبدا، من قال أن فيروز كانت تغني لايعرف لبنان..فيروز كانت تزرع الأرز في قلوب الناس، وتسقي البحر من ألحان الرحابنه..هم الوحيدون الذين عطش البحر لديهم فسقوه من أغاني فيروز...
وليس مهما لديهم إن نفد الطحين من الأسواق، المهم أن لا ينفد الفرح من عيون عبود والأكثر أهمية من ذلك أن (أم الياس) قادرة على إطعام الحارة كلها، فلديها مخزون من (الكبة) يكفي الجميع...
هذا الشعب العظيم يتعاطى مع الحرب على أنها (مزحة)، ويتعاطى مع الشهداء على أنهم حالة طبيعية...فالنزف صار قدرا على اللبنانيين، ويدفعون دمهم لأجل فلسطين والعروبة والدين ولأجل أن تبقى بيروت عزيزة برضى كامل، لايمنون على أحد ولا يطلبون إشادة من أحد..
لا تسجلوا لبنان في الأمم المتحدة، على أنها دولة بل سجلوها على أنها أكبر مصنع في العالم للفرح والسكر، وإياكم أن تكتبوا على جواز السفر خانة تقول: الجنسية لبنانية..بل اكتبوا الجنسية: عاشق يختصر التاريخ والحكايا ويختصر العروبة...وتذكروا دوما أن (البكلة) التي تضعها بنات الأشرفية على جدائلهن في الصباح لحظة خروجهن للعمل، أقوى من مقلاع داوود، وأقوى من القبة الحديدية..على الأقل هذه (البكلة)...تضم الشعر الذي اغتسل بكلمات جبران..وقصائد سعيد عقل..تضم خصلات الشعر التي خلدها عازار حبيب، وغنى لها نصري شمس الدين...
أضحك حين أقرأ في الأخبار تصريحات لنتنياهو يقول فيها: أن بيروت ستدمر في حالة ضرب تل أبيب...هذا الرجل لا يعرف لبنان أبدا..لايعرف أنهم الشعب الوحيد الذي جعل بحر بيروت يعطش...فسقوه من صوت فيروز وارتوى...
أنا ذاهب لبيروت غدا...أريد من (الروشة) أن تداوي عثرات روحي وتعب قلبي المعنى...
عاشت بيروت...وليعطش البحر...لبنان سيبقى هو الأقوى.
*عبد الهادي راجي المجالي