رؤية في الدور الوطني للجاليات اللبنانية في القارة اللاتينية - بقلم: السفير هشام حمدان
السفير هشام حمدان – خاص جبلنا ماغازين
لا شك أن عملي السابق كسفير للبنان في الأرجنتين لمدة 12 سنة قد ساعدني في فهم الاهتمامات اللاتينية وأولويات المنطقة وأوضاعها الجيوسياسية وكذلك حاجاتها الاقتصادية وواقع الجالية اللبنانية فيها. وسمح لي هذا الأمر بوضع تصورات واضحة وخطة عمل محددة لتعزيز الروابط بين لبنان وهذه الدول وكذلك مع الجالية اللبنانية. لكن يجب أن نأخذ بالأعتبار أن لكل بلد لاتيني خصوصياته ولذلك لا يمكن لآية خطة أن تكون عامة وواحدة في كل هذه البلدان.
واذ أؤكد اعجابي الشديد بالشخصية اللاتينية بشكل عام، غير انه يجب ان نأخذ بالاعتبار وجود انماط مختلفة من الثقافة السائدة في كل بلد من بلدان المنطقة. وعليه، فإن العادات والتقاليد تختلف اختلافاً مهماً لا سيما في المدن الكبرى حيث تتركز المجموعات العرقية عادة، الأمر الذي ينعكس على طبيعة العلاقات مع سكان تلك المدن. اما في قرى وبلدات الداخل فانه يوجد تشابه كبيراً في العادات لأنها تضم أكثريات من السكان الاصليين. ومن هذا المنطلق فان العلاقات مع سكان مكسيكو العاصمة تختلف عن العلاقات مع سكان بيونس ايريس أو بوغوتا أو مونتيفيديو وغيرها. ان وجود جاليات كبيرة من مواطنين من دول مختلفة ولا سيما اوروبية في بيونس ايرس يطبع هذه المدينة بثقافة مختلفة عن ثقافة سكان مكسيكو سيتي. واني ارى ان سكان مكسيكو سيتي هم اكثر انفتاحا واستعدادا لاقامة تواصل شخصي وعائلي مع الاجنبي الموجود في المدينة. وعليه كان واضحا لي سريعا مدى الدور الناشط والفاعل والمتقدم للجالية اللبنانية في المكسيك ولا سيما كمجموعة عرقية ذات اصول خارجية بمقابل الدور الضعيف اجمالا للجالية اللبنانية كمجموعة عرقية مماثلة في الحياة العامة في الأرجنتين رغم النجاحات الرائعة الفردية الكثيرة .
وأنا لا أخفي مدى الاعتزاز بمظاهر القوة التي أبرزتها الجالية في المكسيك والذي شعرت به حين زيارتي مقر المركز اللبناني سواء القديم في هرمس او الجديد في شارع تولوكا ، الا اني شعرت باعتزاز أكبر بمظاهر التنظيم لدى هذه الجالية خاصة عندما تمّت دعوتي لحضور الاجتماعات المشتركة للجان المختلفة العاملة في اطار المركز. في الواقع، ان التنظيم والنشاط الذي يقوم به المركز ولجانه يعتبر نموذجاً يمكن ان يحتذى في دول الاغتراب الأخرى. وهما يشكلان دافعاً قوياً للسفير للعمل بجهد ونشاط في هذا البلاد. أما لماذا هذا التنظيم أكثر حضورا في المكسيك؟ فالأمر يحتاج الى قراءة منفصلة ومتعمقة لكن لا شك أن أحد الأسباب هو غياب صدام المصالح غير المرئي بين المجموعات العرقية الفاعلة في البلاد.
ولا شك ان الاهتمامت الدولية في لبنان ستزيد لا سيما وأني أتوقع أن يخرج أكثر نضجا وحصانة بعد كل العواصف التي مرت وتمر به. كما أن اكتشاف النفط والغاز عنصر اضافي يعزز الاهتمامات الاقتصادية للدول المختلفة في لبنان. ومن المؤكد ان هذا العامل الجديد قد يكون دافعاً لزيادة الرخاء والاستقرار في البلاد من خلال زيادة النمو فيه. لكنه يمكن ان يكون أيضاً دافعاً للتنافس الدولي وزيادة شهية دول خارجية للتدخل في الشأن الوطني. واني اذ اعتقد ان اللبنانيين لديهم الخبرة الكافية والذكاء والقدرة على منع تحويل هذه الثروة الى سبب يضر بالأمن الوطني خاصة وان لبنان دولة فاعلة ونشطة في السوق الاقتصادية الدولية الا أني أتمنى أن لا تحجب مظاهر الثروة النفطية المادية ألنظر عن واقع وأهمية الأغتراب اللبناني. واني أكرر مرة أخرى دعوتي لقادة الرأي في لبنان باقامة سياسة وطنية للأستفادة من هذه الثروة الهائلة وتنظيمها في خدمة لبنان وعلاقات الصداقة بينه وبين دول وشعوب العالم.
نعم ، من حيث المبدأ فان التبادل السياحي مع أي دولة في العالم هو أمر مهم للاقتصاد الوطني في لبنان. ولكن الظروف التي تحيط بلبنان ولا سيما بسبب الاحداث في الدول المجاورة له، فان السياحة من المكسيك أو من الأرجنتين وغيرهما من الدول اللاتينية باتجاه لبنان تبقى محدودة. وأذ نسعى لوضع خطة عمل ثنائية متفق عليها بين لبنان والمكسيك كما فعلنا في الأرجنتين، لتعزيز التبادل السياحي وعدم السماح بجعل الاوضاع السياسية في المنطقة حاجزاً امام هذا التبادل، الا أننا نرفض النظر الى زيارات أبناء الجالية من موقع تطوير العمل السياحي بل نعتبره ضرورة استراتيجية لخدمة السياسة الوطنية المتعلقة باستعادة ابناء الجالية في الخارج للبنانيتهم وتفعيل دورهم في تعزيز علاقات البلد مع العالم. وأنه لذلك يتوجب وضع زيارات ابناء الجالية في اطار السياسة الوطنية العامة ووضع خطط لتطوير زيارات مبرمجة دورية مموّلة من صناديق معدة لهذا الغرض.
لقد اثبتت الجاليات اللبنانية في كافة دول أميركا ومن دون أي استثناء، انها جاليات فاعلة ومؤثرة ايجابياً في التنمية الوطنية لبلدانها. وقدمت اسماء لامعة في كل الحقول العامة.
لكني أرجو العمل على مضاعفة التعاون بين ابناء الجالية لتكوين قوة اجتماعية تساهم في حماية مصالحهم كأفراد وكمجموعة وتعزز دورهم الاجتماعي وتأثيرهم على العلاقات بين البلد الأم لبنان وبلد التبني.
لدى افراد الجالية اللبنانية في أي بلد أميركي لاتيني امتياز مهم بسبب جذورهم اللبنانية للوصول قبل كل الآخرين الى الاسواق اللبنانية والعربية والاستفادة من التقدم الاقتصادي والفورة الاقتصادية الهائلة الموجودة في هذه الدول. أتمنى أن يلعب أبناء الجالية سواء على مستوى الافراد او كمجموعة في تعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية والسياحية والانسانية والسياسية بين الأوطان التي تبناها أجدادهم أوطانا لهم واحتضنتهم وساعدتهم بالتقدم والترقي ولبنان وكل الدول العربية ليس فقط وفاء لآبائهم وأجدادهم بل ايضا لهذه الأوطان التي تريدهم أن يفتحوا لها أفاقا جديدة في عالم المنافسة المعولمة اليوم.
*الدكتور هشام حمدان