لماذا قانون استعادة الجنسية للمتحدرين أولوية؟
تحت عنوان: "هل يعيد "استعادةُ الجنسية" المسيحيين.. والتوازن الديموغرافي؟" كتبت سعدى علوه في جريدة السفير:
يخوض المتحمسون لإقرار «مشروع قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني» معركة الضغط لتمريره في مجلس النواب تحت عنوان «المصلحة الوطنية المتمثلة بإعادة التوازن الديموغرافي في لبنان». الكلام عن التوازن الديموغرافي ليس جديداً في ظل تراجع عديد المسيحيين في لبنان إلى 33 في المئة على لوائح الشطب، وفق ما أكد الخبير الانتخابي كمال فغالي لـ «السفير»، فيما يذهب المتخوفون على الوجود المسيحي إلى تقدير عديدهم بـ25 إلى 22 في المئة مقيمين فعلياً.
ويبدو «التيار الوطني الحر» رأس حربة في العمل لإقرار مشروع القانون. وبالإضافة إلى السعي لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري لإدراج مشروع القانون على جدول أعمال أول جلسة تشريعية للمجلس النيابي، يعقد وزير الخارجية جبران باسيل لقاءات مع قيادات في القوى المسيحية للتأكيد على موقف مسيحي موحد داعم لمشروع القانون، ومن أبرزها لقاؤه الأخير مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وإضافة المشروع إلى ورقة «إعلان النيات» بين «التيار» و «القوات».
ويخطف مشروع القانون، العالق في اللجان النيابية المشتركة حالياً، الأضواء ليبدو أولوية الأطراف السياسية المسيحية بعد انتخاب رئيس للجمهورية، حيث ان غالبية المغتربين، وخصوصاً الذين انقطعوا عن تسجيل ابنائهم، هم من المسيحيين، وفق الوزير السابق ميشال إده.
وبعدما أكد الوزير جبران باسيل لـ «السفير» أن «قانون الجنسية هو لمصلحة الهوية اللبنانية»، اعتبر «أن إعطاء الحقوق والاستفادة من ثروة لبنان البشرية، مطعمة بانتشاره والثقافات المتنوعة عند المغتربين التي تزيد غنى لبنان، وليس هناك خوف على أي لبناني أن يأخذ الجنسية لأن القانون المطروح يضمن حق كل لبناني يستحق الجنسية».
وبعدما أكد وزير المالية علي حسن خليل لـ «السفير» أن الرئيس نبيه بري «وعد كل من راجعه من النواب بوضع المشروع في أول جلسة تشريعية للمجلس النيابي فور الانتهاء من تحضيره في اللجان النيابية المشتركة»، أشار إلى أن «كتلة التنمية والتحرير» عبّرت عن «موقف ايجابي في خلال نقاش قانون استعادة الجنسية، وسهلت الكثير من النقاط التي كانت مدار نقاش»، وقال «لا مانع لدينا من إنجاز التحضيرات داخل اللجان المشتركة تمهيداً لوضع المشروع أمام الهيئة العامة للمجلس».
وشرح خليل أنه قصد بـ «المعالجة التقنية» أنه، وفق الأصول النظامية، لا يمكن سحب مشروع يناقش في اللجان النيابية ووضعه أمام الهيئة العامة، لا من قبل رئيس المجلس ولا من قبل أي عضو آخر، «وبالتالي المطلوب الضغط من قبل القوى والكتل النيابية المتحمسة لإقرار القانون للإسراع في إنجازه في اللجان النيابية».
وحول المعلومات التي كانت تربط بين إقرار «استعادة الجنسية» وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، عبر خليل عن اعتقاده بعدم وجود ربط بينهما، مؤكداً أن «هذا حق من الحقوق الشرعية للبنانيين الذين لم يحصلوا على جنسيتهم لأسباب مختلفة». واعتبر أن «المهم أن يطبق هذا الحق في إطار قانون واضح المعالم يعطي الجنسية للبنانيين الأصيلين»، مشيراً إلى أن المشروع «كما يهم المسيحيين يهم الطوائف الأخرى، ولا يضيرنا على الاطلاق أن يخدم الوجود المسيحي في لبنان لأننا نؤمن بأنه وجود ضروري وأن تعزيزه يساهم في تعزيز الاستقرار الداخلي اللبناني».
وتمنى النائب نعمة الله أبي نصر إقرار مشروع القانون، معتبراً أن للرئيس بري كامل الصلاحيات في إدارجه على أول جلسة تشريعية للمجلس النيابي.
في المقابل، أكد النائب سمير الجسر، الذي ترأس اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة لدراسة مشروع القانون، أن اللجنة عقدت اجتماعاً واحداً فقط «حيث طلب النواب المسيحيون فيها تأجيل البت فيه للوصول إلى توافق حوله، ومن ثم جرى استرداده إلى اللجان المشتركة».
وأشار الجسر إلى أنه كانت هناك اعتراضات عدة خلال نقاش المشروع في اللجان المشتركة، مؤكداً أنه لا يمكن للرئيس بري إدراجه على جدول جلسة تشريعية لأنه «ليس منجزاً حتى الآن، وليس وارداً بصفة معجل من الحكومة».
اقتراع المغتربين
يرى فغالي أن اقتراع اللبنانيين المغتربين «يشبه توجهات أقاربهم في لبنان»، مشيراً إلى أن الذين ينوون المجيء «كتير قليل، يعني كل هذا الضجيج على طبخة بحص». ومن تجربة انتخابات الـ2009، يرى أن «المغتربين يصوتون للأطراف التي تأتي بهم على حسابها»، وعليه صوّت هؤلاء لـ «14 آذار التي استقدمتهم يومذاك بعدما ظن أطراف 8 آذار أن لا جلب للمغتربين من الخارج وعزفوا عن ذلك، فوقعت الخدعة، وبدا أنهم صوتوا لـ14 آذار».
الموارنة.. من أساس لبنان إلى أقلية
يستشهد رئيس «المؤسسة المارونية للانتشار» بإحصاءات علمية منذ العام 1860-1861 لغاية آخر إحصاء رسمي في العام 1932 ليبرهن كيفية تقلص أعداد المسيحيين، وبالتحديد الموارنة في لبنان، مؤكداً حق المتحدرين من أصول لبنانية باستعادة جنسيتهم لما فيه المصلحة الوطنية والحفاظ على كيان لبنان.
ووفق إده، فإن «أساس وجود لبنان هم الموارنة والدروز منذ مئات السنوات، فيما كان السنة منضوين أكثر تحت لواء سوريا، والشيعة كانوا مغلوبا على أمرهم ومضطهدين».
ويبرز إده إحصاء نفذه الفرنسيون بعد المواجهات الطائفية 1860-1861 وبيّن وجود 487 الف نسمة في كل لبنان زائد سهل الحولة الذي كان ضمن لبنان يومها. بين هؤلاء 208 آلاف ماروني، 63 الف أرثوذكسي، و33 الف كاثوليكي و44 الف درزي و55 الف شيعي و76 الف سني والفا يهودي.
في أيام المتصرفية (التي أنشئت وفق بروتوكول 1864) وبعدما سلخوا جبل لبنان عن لبنان الأساسي، انخفض عدد السكان إلى 266 الفا و587 نسمة. توزعوا على 171 الف ماروني و29 الف أرثوذكسي و28 الف درزي و19 الف كاثوليكي وعشرة آلاف شيعي و7 آلاف سني.
خلال الحرب العالمية الأولى، أي في العام 1915، غالبية الذين قضوا بسبب المجاعة كانوا من الموارنة (نصفهم تقريباً) كما هاجر كثير منهم في سنوات 1918-1919-1920. وبينما وصل عدد االلبنانيين في المتصرفية إلى 365 الفا و500 نسمة، وبالتحديد في العام 1906 كان عدد الموارنة 241 الفاً في مقابل 55 الف أرثوذكسي و37 الف كاثوليكي و38 ألف درزي وسبعة آلاف سني، و11 ألف شيعي.
ومع ذلك حصلت المفاجأة في العام 1922 بعد إعلان دولة لبنان الكبير، وبسبب الموت الذي طال غالبية الموارنة والهجرة التي عمدوا إليها إثر المجاعة، بلغ عدد سكان لبنان الكبير 609 آلاف نسمة، فيما تدنى عدد الموارنة إلى 199 الفا و182 مارونيا بعدما كانوا في العام 1906 (في المتصرفية) 241 ألفا و826 مارونيا. وصار عدد الأرثوذكس 81 الفا و42 ألف كاثوليكي و43 ألف درزي و124 الف سني و104 آلاف شيعي.
في سنة 1926، بعد إعلان دولة لبنان الكبير رسمياً، تم استفتاء اللبنانيين الذين هاجروا إلى الخارج فاختاروا الجنسية اللبنانية وقاموا بتسجيلهم في لبنان كلبنانيين ولكنهم لم يبلغوهم بأنه تم تسجيلهم. بلغ عدد هؤلاء 97 الفاً و698 مسيحيا مغتربا، اختاروا جنسيتهم اللبنانية وأصروا عليها ولكن لم يتم تبليغهم بتسجيلهم وحفظ حقهم بالجنسية لهم ولأولادهم. من بين هؤلاء 56 الف ماروني و25 الف أرثوذكسي و12 الف كاثوليكي و2800 أرمن أرثوذكس و796 أرمن كاثوليك. يقول إده إن هؤلاء أهملوا تسجيل أولادهم لأنهم لم يبلغوا بتسجيلهم كلبنانيين.
أما في آخر إحصاء رسمي في 1932، فقد كان هناك مليون و48 الف لبناني ما بين مقيم ومغترب. توزع هؤلاء على 793 ألفا و396 لبنانيا مقيما، أي ما نسبته 75 في المئة من عدد السكان، و254 ألفا و987 لبنانيا مغتربا، أي ما نسبته نحو 25 في المئة من عدد سكان لبنان.
توزع اللبنانيون المقيمون على 396 ألفا 946 مسيحيا أي ما نسبته 50.03 في المئة من عدد السكان، و386 ألفا و469 مسلما أي ما نسبته 48.71 في المئة من عدد السكان، بالإضافة على ثلاثة آلاف و588 يهوديا وستة آلاف مختلف. وتوزع عدد السكان مناصفة ما بين الرجال والنساء (399 ألفا و296 من الإناث، و394 ألفا ومئة ذكر).
أما بين اللبنانيين المغتربين فقد رجحت الكفة نحو المسيحيين الذين بلغ عددهم في 1932 في الخارج 215 الفا و844 مغتربا لبنانيا مسيحيا (بينهم 123 ألف ماروني)، بينما بلغ عدد المهاجرين المسلمين 37 الفا و465 مسلما مغتربا.
يقول إده إنه وقتها أصر المغتربون على الحفاظ على جنسيتهم ولكن الدولة اللبنانية لم تعتبر المهاجرين لبنانيين، وكانوا غالبيتهم من الموارنة. لم يتم اعتبار عدد كبير من المسيحيين، (أي 215 ألفا و844 مسيحياً مهاجراً) لبنانيين بينما بلغ عدد المسيحيين المقيمين 396 الفا و946 مقيما. وحُرم المغتربون مع أولادهم من استرداد الجنسية اللبنانية. كما ساهمت الحرب الأهلية بموت الكثير من المسيحيين والموارنة تحديداً، وفق إده، وهجرة الكثير أيضاً.
وأضاف مرسوم التجنيس في العام 1994 خللاً إضافياً على الديموغرافيا في لبنان، وفق إده، حيث أخذ الرئيس الشهيد رفيق الحريري قراراً مع الرئيس الياس الهراوي ووزير الداخلية بشارة مرهج بتجنيس مئة الف سني و30 الف شيعي وأربعة آلاف ماروني فقط.