عن 8 و14 وانحلال الأرقام -- بقلم: فايز غازي
فايز
غازي - جبلنا ماغازين
يحكى أن أحد قادة السجون في العصر الحديث ابتدع طريقةً لقتل نفسية مساجين الحرب وتحطيم ما تبقى فيهم من كبرياء وعزّة نفس، فقام بترقيمهم ومناداتهم بالرقم عوضاً عن الإسم... وباتباع هذه الطريقة، يصبح "الشخص" رقماً، وبمرور الوقت يقتنع - هو نفسه - بأنه " رقم 9" أو "رقم 67"، فينسى اسمه وهويته، ومن ثم قضيته، ويتحلل رويداً رويداً، عقلياً ونفسياً...
محاكاةً لنجاح حيلة ذلك السجان، إتّبع بعض سياسيينا في لبنان طريقته عينها!
ففي السجن الكبير المدعو "لبنان"، ينقسم المجتمع عامودياً بين رقمين اثنين... تقع المشاحانات والمشكلات والحروب بين رقمين اثنين... تنقسم الألوان - وهي حزمة واحدة بالقوة - بين رقمين اثنين... تعيين ناطور في قرية حدودية طريقها من خارج الأراضي اللبنانية تجري تبعاً لقاعدة الرقمين... حتى الحب الذي لم يجرِ عليه قانون في غابر الأزمان وصل عندنا وخضع بدوره لقاعدة الرقمين!
كم منا فهموا وسكتوا؟ وكم منّا، ممن يدعون الفهم جزافاً، يقولون "أنا 8" أو "أنا 14"؟
ولكننا لسنا أرقاماً وهم يريدوننا أن تقتنع بأننا مجرد أرقام صغيرة!
لسنا أسرى حرب، ولسنا أعداء... بل نحن مواطنون في دولة يحكمها "غرباؤها"!
نحن مجتمع كامل، يضم ما لا يقل عن 4 ملايين نسمة يختزلوننا في رقمين!!
مجتمع لم يعد الوجود ضمنه ممكناً إلا في صورة الرقم!
مجتمع أضحى أبناؤه أرقاماً صغيرة في الرقم الكبير... وكأنهم "براغي" صغيرة تمكّن وتثبت "النظام" القائم... وهو أقرب لمهزلة من "نظام"!
كل شخصية الإنسان، بدءاً بتاريخه وتاريخ حضارته، كل آماله ، تطلعاته، أحلامه وأوهامه يختصرونها لنا برقمين اثنين...
لا أدري ولا يهمني من على حق، لكنني متأكد من أن تلك الطبقة المسيطرة على بلدنا هي على باطل – في ظل غفوة الشعب وسباته العميق. كما لا يهمني لماذا يتقاتلون؛ لأنهم في النهاية سيجتمعون عند تقسيم "الجبنة" بينهم. سيتفقون علينا... سيخترعون أو يحدّثون أفكاراً جديدة لخداعنا... سيشذبون العقل والوعي فينا على مراحل... سيتابعون نفس اللعبة التي ورثوها عن آبائهم أو أجدادهم ليجعلوا منا أرقاماً... تغيّرت الطرق واللعبة واحدة!!!....
لكن ما يهمني هو ان نسأل لماذا و إلى متى؟
يهمني أن لا نبرر لأولئك السجانين مكرهم وخبثهم... أن أستيقظ في أحد الأيام ولست بحاجة لجواز سفري... وإذا نظرت من على الشرفة يوماً، أن أرى أملاً بالحياة!
يهمني أن أرى أغلال هذا السجن وقد تقطعت، وأن أرى السجانين في سجن أرضي أو علوي... لا فرق!
كل ما يهمني هو أن تنحلّ هذه الأرقام وتذوب قبل أن نذوب نحن "المرقومون" فيها!