إنسَ أنك لبنانيّ! ~بقلم: هناء حمزة
كلمة لو سمحتوا- جبلنا ماغازين
بقلم: هناء حمزة - دبي
عزيزي المغترب الجديد،
في اللحظة التي تهبط فيها الطائرة التي تنقلك إلى وجهتك الجديدة، إنس أنك لبناني وارمِ خلفك كل ما تعلمته في لبنان وما اكتسبته بالفطرة... فالعالم يا عزيزي ليس لبنان. ولبنان نقطة صغيرة يكاد العالم لا يعرفها؛ وإن عرفها فربما ستكره نفسك لأنك قادم منها وبعدها تحاول أن تنسى تماماً أنك لبناني!
نعم يا عزيزي. لبنان مهد الحضارة وصلة الوصل بين الشرق والغرب واللبناني المثقف والمنفتح هو ماض لا يمكنك أن تتغنى به اليوم حين تكتشف بأم العين أن الحضارة هي الرقي بالتصرف والثقافة أبعد بكثير من "hi كيفك ca va".
هنا، في هذا العالم، بعيداً عن تلك النقطة، بلاد أجمل من بلادنا... حتى أن هناك بلاداً صنعت جمالها بيدها، بعكسنا تماماً نحن الذين دمرنا جمال بلدنا بيدنا! وفي هذا العالم تتعلم أن إشارة السير تحترم بقوة الغرامة المالية، ورمي النفايات في الشارع يعاقب عليه القانون، والحرية حدودها حرية الآخر، والرقي هو في أسلوب التعامل مع الآخر...
في هذا العالم وخارج تلك النقطة، الدولة تخطط لمستقبل شعبها، والشعب ينتمي إلى دولته... لا شعوب في شعب ولا دويلات في دولة!
في هذا العالم - يا أخي في المواطنية - لا أخاً ولا عائلة ولا أقرباء يتوسطون لك من أجل أن تحصل على حقك. فحقك ملكك ولا منة لأحد به عليك! تعمل تنجح.. تزرع تحصد.. وهكذا، عليك أن تكون وفياً لعملك ومخلصاً له. فلا زعيم تلجأ إليه إذا أخطات فياخذ خطأك رهينة، ولا نائب يفرضك في وظيفة، فيكون "لحم كتافك" من خيره إلى أبد الآبدين... فـ"لحم كتافك" هنا يا عزيزي هو من عملك وجهدك وتفانيك في عملك ومن فرصٍ عليكَ أن تحسن الاستفادة منها فلا تغفلها حتى لا تغفلك...
نعم. بعد أن تهبط بك الطائرة، ستكتشف أننا لسنا صلة الشرق بالغرب. فالتكنولوجيا هي اليوم أهم صلة للشرق بالغرب!
العالم تغير ونحن لم نتغير... العالم يسير إلى الامام ونحن نجري إلى الخلف... العالم يحلّق ونحن نحترف السقوط الحر... العالم يخطط للسكن على المريخ ونحن نكاد نصل إلى قاع الأرض!
لسنا الأفهم والأفضل والأشطر. ففي هذا العالم - كما هنا في دبي مثلاً - قد تجد شاباً من الهند متفوقاً عليك وصبية من الفيلبين قد تكون أفضل منك! أما الأشطر، فأرجو ألا تذكر هذه الكلمة أمام أحد. فمع الأسف يا شريكي في الوطن "شطارة اللبناني" خارج تلك النقطة تعني للبعض نصباً واحتيالاً ووصولية وانتهازية... بينما الشطارة هي الكفاءة والجدارة. وهل تعلم يا عزيزي أن هناك من يصف النصاب والمحتال والانتهازي والوصولي والعنصري والطائفي باللبناني؟
أرجوك وأنت تهبط مع الطائرة على أرض واقع غير واقعنا الأليم ألا تقول إنك لبناني قبل أن تثبت أنك جدير بأن تكون لبنانياً بالصورة التي نحلم أن نراك بها...
نصيحتي إليك، إنسَ تماماً أنك لبناني ولا تحاول ان تلعب على القوانين بحجة أن القانون سُنّ لكي يُكسَر، بل اتبعه بالحرف والنقطة ... وارجوك ابتعد عن "السياسة"، فلا تعمل على التحريض والفتن في العمل وخارجه، وارضخ لنظام الدولة التي تقيم فيها واحترم خصوصيتها لشجعها بذلك على استقبال مزيد من أبناء جنسيتك!
وعلى الصعيد الشخصي، إنسى أيضاً أنك لبناني وتواضع حتى النخاع...
إنسَ أنك لبناني وانفتح على الآخر وتقبل كل الحضارات والثقافات والعروق والأديان والألوان...
تصرف برقيّ.. مارس حريتك باحترام للآخر.. اجتهد وتعلم وتقدم ولا تضع الوقت ولا المال بل استفد من كل ثانية بالعلم والعمل، واجمع المال بعرق جبينك واستمتع بصرفه على ما يجب أن يصرف وخطط لمستقبلك وتقاعدك ومستقبل أولادك! كن أنيقا "مهفهفاً" مرتباً في لباسك، ولا تصدق أن ثمن اللباس هو صورتك أمام الناس؛ فصورتك هي في أناقة أخلاقك. واقتنِ سيارة عملية حتى ولو لم تكن سيارة الحلم... كن كثير الإنتاج قليلَ الاستهلاك! وفر.. ادّخر.. لا تُغرق نفسك في الديون! اصرف على قدر بساطك، أما بيتك، فليكن دافئًا دفءَ بيت أمك في الوطن الأم... فدفء الأم وحنانها ورضاها هو جلّ ما تحتاجه خارج بلدك! غير ذلك، امضِ إلى عالمك الجديد مغلقاً الباب خلفك. وتذكر أن بيدك أن تعيد للبنان عزه المسلوب وكرامته وصورته المكسورة!
إبدأ بنفسك. اغسل صورة "اللبناني" وأكد أنك لبناني من طراز جديد.. نسخة منقحة للبنان الذي نحلم به على غرار أرقى دول العالم وأنجحها... نسخة جميلة للبناني يريد أن يحلق عالياً بعد أن لامس القاع...
قد يكون عليك أن تنسى أنك لبناني لكي تعود فتفتخر بأن تكون لبنانياً!
قد يكون على كل منا أن يغسل صورة لبنان ويستعيد هويته بذراعه ويثبت للعالم أن تلك النقطة الصغيرة على خارطة العالم أنجبت هذا "اللبناني"!
*هناء حمزة – إعلامية مقيمة في دبي