يوميات لبناني يحب الحياة من طرف واحد -- بقلم: بيار عقيقي
بيار عقيقي – جبلنا ماغازين
لحظة. يرنّ هاتفي. "سماع دويّ انفجار في بيروت". أهرع الى التلفاز لأتابع "الصور الأولية والحصرية للانفجار". أشعر بالغضب. "لمَ بيروت؟ لماذا نحن؟". أدين. أستنكر. أنضم الى حملات التنديد على مواقع التواصل الإلكتروني. ثم أنصرف الى متابعة التحاليل وأغوص في المناقشات مع الزملاء والأصدقاء تحت عنوان "كيف ولماذا وأين المصير؟"
لا أختبئ من شيء، تماماً كغيري من اللبنانيين.
ننصح بعضنا بعضاً "ما تروح محل، خليك بالبيت!" ونجيب "أكيد وأنت كمان".
وما يدخل في أذن يخرج من أخرى...
فبعد ساعات قليلة، تجدنا بعد آخر انفجار في مقهى بيروتي، نشرب ونرقص ونغنّي. كأن
الانفجار وقع في بلد آخر، لا في لبنان.
نحاول إقناع بعضنا البعض أن "الخروج الى الشارع يشكّل الخطر الأكبر على حياتنا"، ولكننا وفي الوقت عينه نشعر بالضيق من البقاء "مضبوبين". فنحن نحب الحياة، وإن لم تحبنا الحياة مؤخراً... ومنعاً للإحراج أو الحسد أو صَيبة بالعين، نخرج متسللين من بيوتنا الى حيث اعتدنا السهر وتمضية الوقت.
تمرّ الانفجارات بوتيرة عادية في بيروت، كما كان عليه الحال في جونيه والزلقا والجديدة في ربيع وصيف 2005 حيث استمرت الحياة طبيعية، رغم الموت والمآسي. لا تتواصل الحياة بوتيرة طبيعية استهزاءً بالشهداء والجرحى، أبداً. بل لأن الشهداء والجرحى كانوا في الخندق عينه مع مشاريع الشهداء والجرحى مستقبلاً في حال استمرار الاعتداءات...
اعتدنا على فكرة "لبنان صغير"،
وانطلاقاً من صغره الجغرافي بتنا كالمحاصرين في قالب لا يُمكن الخروج منه. فلم لا
نعيش حياتنا بدلاً من انتظار الموت بحرقة؟ وقد لا يأتي هذا الموت. فبعضنا سينجو
حتماً. فلنمت سعداء أو نحيا سعداء، ولو بالحدّ الأدنى...
هكذا أصبحت يومياتنا... هكذا أصبحنا نحن. إنها موروثة في الجينات.
سبقنا جيل الحرب، وتعلّمنا الكثير منه.
اعتدنا لملمة جراحنا ومتابعة عملنا وحياتنا.
غداً قد يقع انفجار آخر... سيرنّ هاتفي مجدداً: "سماع دويّ انفجار في بيروت". سأفتح التلفاز، وسأتابع الصور الأولية والحصرية والنقاشات والتحليلات، قبل أن أذه إلى مكان لا يبعد كثيراً عن ساحة الانفجار... لأشرب كأساً.
لن أرضى بالعيش في قلق دائم. اخترت الحياة حتى الرمق الأخير... هكذا يحيا الشعب اللبناني!