حقائب الحكومة لهم.. وحقيبة السفر لنا؟ بقلم: بيار عقيقي
بيار عقيقي – جبلنا ماغازين
أهم ما يُمكن التوقف عنده لدى تشكيل أي
حكومة لبنانية هو توزيع الحقائب. فللحقائب معانٍ دقيقة في لبنان، من سيادية إلى
ثانوية إلى هامشية وصف أول وصف خامس ابتدائي، إلى ما هنالك...
اللبناني حسّاس في هذه المسألة. يُسقط المفاهيم الطائفية والمذهبية والسياسية
والشعبية والشخصية والمريخية والكونية على حقيبة ما، فيجعلها شغله الشاغل في مرحلة
تثور فيها براكين الشرق الأوسط. لا يهمّ فنحن في لبنان نعيش في جزيرة معزولة تسبح
وحدها في محيط لا حدود له... على ما يبدو!
كم هو جميل أن نعمل على توزيع الحقائب الحكومية على وزراء يمثلون عنجيهتنا أو
جهلنا أكثر مما يمثلون حاجاتنا وحقوقنا...
أن تُمنح حقيبة مزركشة بلمسات ايرانية لحزب
الله، فهو أمر مبدع... وأن تُمنح مثلها وفيها أباريق شاي لحركة أمل، فهو أمر
خلاّب... وأن يُمنح الحزب التقدمي حقيبة مزدانة بجلد الأسد، فتلك نعمة... بالتوازي
مع فرح تيار المستقبل بحقيبة زرقاء مزيّنة بالتمر والنخيل... وحقيبة زيتية اللون
للقوات، ولا شيء غير الزيتي... وللعونيين حقيبتهم، البرتقالية اللون، لا تسعها
حمضيات العالم أجمع، بكهرباء أو باشتراك، بـ3G أو غيره... وللكتائب حقيبة مثلّثة، يباركها الله وتوافق عليها العائلة
قبل الخروج إلى الوطن...
لكل فريق حقيبته، يتسلّى بها، يفتحها، يمزّقها، يملؤها بكل ما تصل إليه
يداه، يفعل بها ما يشاء، ثم يستريح على امتداد الوطن... فالحقيبة ليست سوى جزء من
غريزة تتآكل العقل السياسي في لبنان، الذي لا يريد الخروج من جهل الحقائب إلى مستوى
علم الحقوق التي من المفترض أن تؤمنها تلك الحقائب.
هم قد تكفيهم تلك الحقائب... لكن، أي حقيبة قد تكفي هذا الشعب؟؟
نحن لا تكفينا سوى حقيبة واحدة تختصر كل
المفاهيم التي بُنيت عليها حضارة لبنان وتاريخ لبنان ومفهوم لبنان... حقيبة أرسى
أسسها "الفاتح الأكبر" المعلّم أنطونيوس البشعلاني!
هي الحقيبة الوحيدة التي تملؤنا بهجة حين نحملها، وتحثنا على الشعور بسعادة
لامتناهية حين ننظر اليها...
فنحن ندرك أنها الوحيدة القادرة على إحيائنا في وقت تقتلنا باقي الحقائب: إنها حقيبة
السفر التي حملها قبلنا ما يزيد على 15 مليون لبناني باتوا يتوزعون اليوم على
امتداد الكرة الأرضية!
هي الحقيبة التي تبقى الأكثر جذباً لمن بقيَ في وطن الأجداد... وهي لا تحتاج إلى
مداورة ولا إلى ترسيخ ولا إلى طائفية، ولا بيان حكومي أو جلسة ثقة... هي سلسة،
سهلة، متساهلة... كل المطلوب أن تضع فيها شلح أرزة وحبّك للبنان وتنطلق إلى ديار
الله الواسعة!