عندما يعضّ الرجلُ كلباً...! -بقلم: فاديا سمعان
فاديا سمعان – جبلنا ماغازين
ليس سراً أن معظم مَن يتعاطى العمل الصحافي والإعلامي بشكل عام، مرّ عليه، في خلال التدريب على هذه المهنة، مثالٌ مفادُه إن "الخبر الذي يستحق النشر لا يكمن في ما إذا عضّ كلبٌ رجلاً، بل في ما إذا عضّ الرجلُ كلباً". ولكنّ هذا أصبح على ما يبدو من الماضي... فالرجل الذي عضّ كلباً ذهب ولم يعد!
منذ أيام، وجد في مطار بيروت عامل "نظيف" أبى عليه ضميره إلا أن يعيد مبلغاً من المال كان فقده أصحابه في حرم المطار. فأصبح هذا الرجل، صاحبُ الضمير الحي، حديثَ الناس وعنواناً رئيسياً لأخبار الساعة. ومنذ تلك الحادثة، لم يعد هناك أدنى شك في أن الخبر الذي يستحق النشر بات يكمن في ما إذا "عضّ كلبٌ رجلاً"، وليس العكس....
نعم، لقد عضّ كلبٌ رجلاً يا جماعة، فاستحق أن يكون حدثاً ذا قيمةٍ إخبارية!
ولكنّ معايير الصحافة والإعلام لم تنقلب من تلقاء نفسها، بل هي انقلبت نتيجةَ تحوّلِ الأمور البديهية التي من المفترض وجودها (أو حصولها) إلى أضغاث أحلام بعيدةِ المنال... كأنْ يمرّ يومٌ بلا ضحايا إرهاب في العالم، على سبيل المثال.
في لبنان، قد تصبح "البلّوعة" التي تقوم بواجباتها في "بلع" مياه الأمطار بطلةَ نشرات الأخبار، وأما "البلاليع" التي لا تعمل، فتكون أمراً عادياً لا يتوقف أحدٌ عنده... وإذا أدلى زعيم سياسي بتصريح تلفزيوني فاقع ولم يقع ضحايا برصاص الفرح الطائش على "البلاكين"، فهذا حدث قد يصلح لأن يكون خبراً للنشر، أما سقوط ضحايا بهذا الرصاص "الضاحك"، فيكون أمراً عادياً لا يرتقي إلى قيمة الخبر...
مضحكٌ مبكٍ ما نراه في لبنان من تبدّل المعايير وانقلابها... وكم من "رجال تعضّ كلاباً" دون أن نسمع عواءً، وكأن الكلاب "تمسحت" ولم تعد تؤثر فيها عضّات الرجال!
ومع انقلاب المعايير
بهذا الشكل، ليس مستبعداً أن نقرأ في عناوين الصحف اللبنانية في المرحلة المقبلة
عناوين مشابهة للآتي:
- ذهول يسود جبل لبنان بسبب عدم انقطاع الكهرباء طيلة 24 ساعة!
- مواطنو طرابلس يتساءلون: أين صوتُ الرصاص؟
- نقلُ مجموعةٍ من اللبنانيين إلى المستشفيات: تنشقوا هواءً نظيفاً في برج حمود!
- لا حوادث سير على الأتوستراد الساحلي منذ أمس... ما الحكاية؟
- مستشفى يستقبل مريضاً على حافة الموت دون أن يشترط المال قبل العلاج!
- اجتماع مجلس النواب... شو عدا ما بدا؟!
- تشكيل حكومة تمام سلام... الله على كل شيء قدير!
- لبنان يتوافق على رئيس جديد للجمهورية... صناعة محلية!
- لا هدر ولا سرقة في المؤسسة "الفولانية"... وسام الأرز للمدير النظيف!
- لا زحمة على مداخل بيروت اليوم... ليش في أحلى من لبنان؟
- اكتشاف موكب زعيم سياسي لا يمشي عكسَ السير!
- شهر أمني في لبنان: الجيش والقوى الأمنية توقف المطلوبين بالتفجيرات الإرهابية!
وهكذا... تصبح
البديهيات أخباراً رئيسية، وتصغر الأحلام لتتلخص بالبديهيات، وتنكمش التمنيات
لتنحصر بالأولويات، ويأتي عام جديد بلا جديد إلا إذا....... "عضّ الرجلُ
كلباً"!