حلّ من اثنين لتخليص جامعة الاغتراب من تهمة انتحال الصفة! ~بقلم: فاديا سمعان
كلمة لو سمحتوا – جبلنا ماغازين
بقلم: فاديا سمعان
لانشغالهم بأمورهم الحياتية ومشاكل السياسة المحلية والإقليمية، قد لا يعلم كثير من اللبنانيين المقيمين أن للبنانيين في الاغتراب مؤسسة تمثلهم وهي صوت لهم، تدعى الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم. تصحيح: هناك جامعتان لبنانيتان ثقافيتان في العالم....
لا، عفواً فهناك ثلاث جامعات!
أصحح من جديد: هناك جامعة بثلاثة رؤوس وأجسام لا تعد ولا تحصى... بل جامعة بثلاثة رؤوس مرئية وعشرات الرؤوس غير المرئية.
إذن، اقتضى التصويب مجدداً ولمرة أخيرة: هناك جامعة غير جامعة. وبالتالي، هي تنتحل صفة ليست لها!
فكيف لها أن تسمى جامعة وهي فعلياً لا تجمع المغتربين، بل هي مصابة - مثلها كمثل أي جسم لبناني مقيم - بالانقسام والانفصام اللذين يُقعدانها عن القيام بأي دور مرتجى منها لأجل لبنان؟
وكيف لهذه الجامعة أن تكون صوت الاغتراب إذا كانت الأصوات فيها متداخلة متشابكة مشتبكة لا تكاد تسمع منها إلا صراخاً وقرقعة واتهامات متبادلة، تماماً كما يجري على المستوى السياسي في لبنان؟
بل ربما تكون الحال أفضل قليلاً في لبنان المقيم عنها في لبنان المغترب. فالسياسيون هناك يختلفون، يتقاتلون، يتهمون، يُقاضون و"يشرشحون" بعضهم بعضاً، ثم تأتي مناسبة ما لتجمعهم إحدى المصالح، فيتصالحون. أما في لبنان المغترب، فرواسب صراعات الداخل وحروب الماضي تبقى لتنخر في الجسم الاغترابي كالسوس وتصيبه بالاهتراء والعجز.
ولا أقول إن مشاكل "الجامعة غير الجامعة" هي هذه الأمور وحدها. لا، أبداً... فهل تعلم أيها اللبناني المقيم أو المغترب بأن إحدى الإشكالات داخلها هي ما إذا كان يجب أن تُطلَق على أولئك الذين يعيشون خارج لبنان صفة "منتشرين" أم "مغتربين"؟
نعم ...يتلهون في الاختلاف على الصفة والتسمية، وينسون الدور المرتجى من وجود الجامعة وإمكاناتها.
يصرفون معظم جهدهم ووقتهم - وحتى مالهم - لإيجاد حلول جزئية لمشاكل آنية طارئة، فيجرون مصالحات شكلية وجزئية، ينتهي مفعولها بعد أيام ليعودوا إلى دوامة الخلاف والاختلاف.
سألت يوماً خبيراً في دواء "أدفيل" الأميركي للألم: "هل عندما نأخذ الدواء نلغي أسباب الألم أم أننا فقط نلغي الشعور به؟" فأجاب: "مسببات الألم تبقى موجودة، حتى الألم بذاته يبقى ولكننا لا نشعر به."
فهل يكون الحل بأن نأخذ مسكناً ونبقي أسباب الألم موجودة؟ أم هل يكون بإجراء مصالحة لا ترضي بنودها كل أطراف الجامعة؟ أم بـ"طائف" اغترابي؟ أم بطاولة حوار مثيلة لطاولة الحوار اللبناني الشهيرة؟ أم بمشاورات موسعة لا تستثي أي معني بالجامعة توضع فيها كل الهواجس على الطاولة للتعمق في درسها ومعالجتها؟
المطلوب حل نهائي لا يُبقي على القنابل الموقوتة التي قد تنفجر داخل الجامعة في أية لحظة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الانتماء الحزبي والطائفي والزعمائي الذي لا يجب أن يكون له دور في المؤسسة، الأنظمة التي ترعى عمل الجامعة والممارسة الديمقراطية فيها، إشكالية احتساب الأصوات، المصالح الشخصية، وموضوع المادة 12 التي تضع الجامعة اللبنانية الثقافية تحت وصاية مديرية المغتربين. وهذه أمور أفشلت حتى الآن جهوداً كبيرة بذلت ولا تزال من أجل لمّ شمل الجامعة.
المطلوب حل دائم لا مرحلي... حل على قواعد متينة لا مترنحة... حل يلغي الصورة التي باتت الجامعة تعكسها عن لبنان وصراعاته المقيتة... حل يشعر بعده المغتربون بأن الجامعة أصبحت فعلاً صوتهم وسندهم وممثلة لهم... حل تشترك فيه المرأة التي لا تزال بعيدة عن صنع القرار داخل الجامعة فيما بإمكانها أن تلعب على الأقل دور المايسترو الذي يوزع الأدوار وينظم الاجتماعات ويدير الحوارات، والإطفائي الذي يبادر لخنق أي حريق في مهده... حل تشترك في صياغته وتطبيقه على الأرض وجوه شبابية اغترابية متفانية في إخلاصها لبلد الأرز، نظيفة من غبار السياسة، بريئة من الشحن الطائفي، خالية من مشاعر الحقد وإرث النكاية، صادقة في تعاطيها مع أي لبناني مغترب أو مقيم مهما تعددت ميوله كونها لا تعترف إلا برابط واحد هو رابط الدم والتاريخ والتراب الذي يرقد فيه كل ماضيها.
أمام أركان الجامعة اليوم حلّ من اثنين: إما أن يحلوها فيرتاحون ويريحون، وإما أن يحلوا كل ما يشوبها من مشاكل وإشكالات لتطوي صفحة الضعف والانقسام وتدب فيها الحياة من جديد.
والخوف... كل الخوف هو من دعسة ناقصة تؤدي إلى تفريخ رؤوس جديدة في الجسم الاغترابي، فنصبح أمام أربع جامعات أو أكثر، كما يُحكى اليوم!