تاريخ... فهمنا! وماذا عن الحاضر؟ -- بقلم: غازي مصري
غازي مصري - جبلنا ماغازين
كلّ منا، نحن المهاجرون، رحل عن الوطن لأسبابه الخاصة؛ إن كان بسبب الحرب أو الدراسة أو العمل، أو بحثاً عن أمور افتقدناها في الوطن. وما يميز اللبناني أنه يعتاد على حياة وتقاليد اي مجتمع ويتأقلم معه، ولكن فكره وقلبه وروحه تبقى في الوطن حيث ولد وترعرع وترك أمه وأباه وطفولته وذكرياته السعيدة أو الحزينة...
وها نحن عندما نجتمع في المهجر، لا نسأل عن
طائفة وحزب... بل "نتساير" عن أخبار لبنان الأليمة أوالمفرحة، ونتهاتف
كي نسمع خبراً ما عن الوطن، ودائماً ننتظر الخبر الذي نتمناه جمبعاً، وهو أن
الهدوء والأمن والاطمئنان والازدهار الاقتصادي والسياحي والاحتفالات والمعارض
وغيرها عادت الى الحياة اللبنانية.
وفي المهجر نجالس أناساً من دول مختلفة... هم يحدثوننا عن الحاضر والمستقبل ولا
يكترثون كثيراً للتاريخ، بينما نحن نقص عليهم حكايات حضارات قدمت الى لبنان ورحلت
وتركت فيه آثار حضاراتها، فنحن نفتش عن أنفسنا في الماضي ولا ندري إذا ما سيكون
لدينا مستقبل في الوطن...
يحدثوننا عن انتصاراتهم في الرياضة والدراسات والاكتشافات، بينما نحن نخبرهم عن حرب أهلية خضناها...
يحدثوننا عن جديدهم في المسرح والثقافة، بينما نحن نخبرهم عن الدمار والحرائق والملاجىء والاجتياحات والاحتلالات...
يحدثوننا عن روائع الفن والأدب والموسيقى مما أنتجَه إخوتهم في الوطن، بينما نحن نحدثهم عما اكتشف الفينيقي والصليبي والأموي والعثماني والفرنسي والأشوري...
يحدثوننا عما يخططون لبنائه في المستقبل... بينما نحن نخبرهم عما بناه الرومان والعثمانيون والمماليك وغيرهم من الحضارات...
وعندما نفكر بيننا وبين أنفسنا، نأسف لحاضرنا المخجل...
في الاغتراب، نحن دائماً نفتش عن الوطن... نفتش عنه في الملاعب الرياضية والمؤتمرات الدولية والاجتماعات والمعارض في العالم... نفتش و"نبحبش" عما إذا كان للفائز أو المشترك أصول لبنانية أو أم أو أب أو جدّ لبناني... دائماً نراهن على أن بين المشتركين من هو لبناني، ونفتش بين أعلام الدول المشاركة عن علم وطننا؛ وفي أكثر الأحيان لانجده، فنخجل، لاننا نحتاج الى مادة نفتخر بها في هذا الحاضر وليس فقط في الماضي... نحتاج إلى أي فوز صغير، إن كان في الرياضة أو الثقافة أو الموسيقى أو الأدب أو العلم أو الطب أو غيرها من الأمور. كل ما نريده هو مادة وطنية لنفتخر بها.
هذه حال اللبناني ككل، وليس فقط المغترب... لا يجد نفسه في الحاضر بل يعيش على أمجاد التاريخ منذ ما قبل الاستقلال... نحن لم نصنع حضارة، بل خسرنا ما ورثناه من حضارات وثقافات، حتى أصبح حاضرنا مخجلاً ولا نعرف إذا كان لنا من مستقبل... قضينا على كل شيء جميل في لبنان وأنتجنا ثقافات جديدة غريبة تعتمد على السلاح والقتل والخطف والتفجير والاغتيال، وأصبحت العمالة فعلاً طبيعياً وفي بعض الأحيان مقوننة!
ألا نخجل عندما نرى نصباً تذكارية لأصحاب الأدب والفكر والفلسفة والطب والعلم لمواطنيين لبنانيين في بلاد أخرى، وأما في بلادنا فلايذكرونهم وقد لا يتذكرونهم؟
ألا نخجل اليوم في الحاضر عندما نصفق حتى تتخدر أيادينا للراقصات والأغاني الهابطة، ولا نكلّف انفسنا ولا جيوبنا ولا وقتنا لكي نشارك في أمسية شعرية أو توقيع كتاب أو حفل موسيقى كلاسيكية أو فولكلورية، أو لا نحاول ان نملك لوحة فنية او عملاً إبداعياً من إنتاج فنان لبناني يعبر عن روحه اللبنانية؟
ألا نخجل من التزلف والتبجيل لزعماء ونواب، ونقف لسماعهم ساعات ونهتف لهم؟ ألا نخجل حينما نقف على أبوابهم كالشحاذين والمتسولين ننتظر عطفاً على حالنا أو خدمة لأولادنا؟
ما هي هذه الحضارة المسماة لبنانية؟ هل هي العبودية أو الاقطاعية أو التبعية أو الملكيات أو الإمارات؟