سعيدة في دبي... حيث يبغي الحاكم لشعبه السعادة! – بقلم: هناء حمزة
جبلنا ماغازين - هناء حمزة )دبي(
“هل انت سعيد في دبي؟”
رسالة نصية وصلتني كما وصلت لكل مقيم في دبي. وصاحب الرسالة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. والهدف: استبيان لمعرفة مدى رضا السكان عن حياتهم في المدينة .
حاكم دبي يهمه أمري وأمر كل سكان دبي، ويريد منا جميعاً أن نكون سعداء، ويطمح في أن تكون دبي مدينة سعيدة... إذا ستكون دبي مدنية سعيدة، فأنا كغيري من سكان هذه المدينة نعلم أن ما يطمح إليه حاكمها سيتحقق. فهو الرجل الذي جعل لأحلام دبي أقداماً فعلية تسير بها هذه البقعة من الأرض إلى السماء! نعم، فطموح دبي وحاكمها لا حدود له.
أبتسم عندما أطلع على الرسالة النصية... أختار زر "سعيد" وأضغط عليه من دون تردد قبل ان اقرأ الأزرار الاخرى "محايد" و"حزين". فأنا لست حزينة أبداً على الرغم من ألم الغربة. ولست محايدة أبداً على الرغم من الضغط اليومي والتعب والإرهاق والعمل الذي لا ينتهي. بل أنا سعيدة وسعيدة جداً يا شيخ محمد!
...وأبحث عن خانة تشرح لماذا أنا سعيدة فلا أجدها.
أعلم أن الشيخ محمد (حاكم المدينة) يريد النتيجة حتى يدرس الاستبيان ويطور ويرقي دبي الى مدينة سعيدة. وأتمنى لو أستطيع أن أشرح له لماذا أنا سعيدة... فأقرر أن أكتب هنا:
سعيدة يا شيخ محمد لأنني أشعر بأمان لا أشعر به في بلدي. فانام وباب بيتي مفتوح.
سعيدة لأنني أعود بعد منتصف الليل إلى المنزل وأنا غير خائفة.
سعيدة لأنني أعمل بجد ونشاط وأحصد مقابل جدي ونشاطي ما لم أحصده في بلدي.
سعيدة لأنني أستطيع أن أمارس أبسط ما أرغب بممارسته من حياة طبيعية يُحرم منها أبناء بلدي.
أنا هنا يا شيخ محمد في دبي منذ 12 عاماً. رأيت دبي تكبر وتتوسع وتزدهر... رأيت صحراء تصبح جنة، أنا الاتية من جنة باتت أشبه بقمم نفايات مجتمعة... رأيت أبراجاً تشيد بعزم، ومراكز تجارية تفتح بإرادة النجاح، وشهدت على أزمات لم تستطع أن تعيق إرادة دبي في النجاح. وعشت مع أكثر من 130 جنسية وعرق ولون وطائفة، ولم يزعجني أحد أو أزعج أنا أحداً... تقبلتنا دبي جميعاً ونحن من جئنا من اوطان لفظتنا وقذفتنا بعيداً عنها.
سعيدة أنا في دبي على الرغم من أن حضن امي بعيد عني، وبيت جدتي لا أصل اليه سيراً على الأقدام وكل أطلال طرابلس (مدينتي) لا تلمسها يدي... لكني سعيدة وسعيدة جداً. هل تريد أن تعرف لماذا يا شيخ محمد؟ لأن دبي استطاعت أن تقدم لي ما لم يقدمه لي وطني...
سعيدة جداً لأنني أعيش هنا في مدينة حاكمها يطمئن عليّ ويحرص على سعادتي ويريدني أن أكون سعيدة في "مدينة سعيدة"...
أنا يا شيخ محمد جئت من مدينة سعادتها ببركة طيبة أهلها، وحزنها بمرارة تجاهل الدولة لها... مدينة تُقطع الكهرباء عنها كل يوم وشوارعها تخاف أمي أن تسير ابنتي فيها.
جئت من دولة يجتمع قادتها على شعبها ويتقاسمون رزقه ويسلبون خيره ويفرقون في ما بينه، وشعب يحفر السعادة بالصخر رغم أنف حكامه.
جئت من وطن يعيش يومه بيومه ويخاف مما يخفيه له اليوم التالي، ومن دولة قانونها يظلم المرأة إلى إمارة حقوق المرأة فيها يصونها القانون.
أنا يا شيخ محمد من "لبنان قطعة السما" الذي لُوثته أيادي حكامه. أنا من طرابلس، أم الفقير...
لا أخفي عليك، تسعدني رفاهية دبي وخدمات الست نجوم فيها، وتفرحني شوارعها النظيفة وأمانها وسلمها، وتنعش قلبي مراكزها التجارية وأبراجها الشاهقة وحسن استقبالها لضيوفها والمقيمين فيها..
أنا ابنة شارع "السكر" الذي لو مرّ به غريب لَكان حديثَ نساء الحيّ لأسبوع...
اشعر بالسعادة والرضى والحب لإحساسي برحابة صدر دبي بنا جميعاً، نحن العرب والأجانب، المسلمين والمسيحين، السود والبيض والصفر، وكل ألوان البشر...
أقر وأعترف يا شيخ محمد ان ما يجعلني سعيدة أكثر هو عندما أجري مقارنة بين مدينتي ومدينتك... بين حكام شعبي وحكمك لشعبك... بين رؤيتك لدبي ورؤية قادة بلدي للبنان...
يجب أن أكون سعيدة - وسعيدة جداً - لأنني هنا أمضي أحلى أيامي وأربي ابنتي هنا. ويجب أن أكون حزينة لان قلبي هناك وروحي هناك...
أريد لِ"هناك" أن يكون مثل هُنا! فنحن هناك يا شيخ محمد حُرمنا من الأحلام، ونحن هنا نحقق الاحلام؛ وأنا سعيدة جداً، ولو كنت أشعر بألف مليون غصة...
هنيئاً لسكان دبي بها. وعسى أن تسير بيروت وطرابلس وكل مدننا العربية على خطاها يوماً ما!
*هناء حمزة – صحافية لبنانية في دبي