طوني نادر العائد إلى لبنان بعد اختطافه في نيجيريا: ثمن الغربة غالٍ
عندما غادر طوني نادر بلدته القبيات قبل 4 اعوام طلبا للرزق في نيجيريا كان يعرف ان ثمن “الغربة” سيكون غاليا، ولكن آخر ما كان يتوقعه هو ان يكون الثمن صعبا الى درجة كادت تفقده حياته.
فرصة العمل التي سنحت له كانت بالنسبة اليه فرصة العمر، اذ لم يكن لديه اي عمل في لبنان يؤمن له مستقبله العائلي، خصوصا انه كان ينوي الارتباط بفتاة احلامه. ولكن تجربة الخطف التي عاشها نادر على ايدي عصابات مسلحة في نيجيريا، التي استمرت مدة 17 يوما، استدعت منه قرارا حازما بعدم العودة الى تلك البلاد، حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بمورد رزقه الوحيد. فماذا يقول طوني نادر عن هذه التجربة؟
“كنت في مهمة عمل في سيارة تابعة للشركة مع بعض المرافقين الامنيين، عندما اعترضتنا سيارة ترجل منها 4 مسلحين اطلقوا النار على مهندس نيجيري يعمل في الشركة وأحد المرافقين الامنيين فأردوهما، “ثم طلبوا مني بقوة السلاح الترجل من السيارة ووضعوني في صندوق سيارتهم، بعدما اخذوا مني هاتفي النقال”.
رحلة الخطف استمرت نحو ساعة ونصف الساعة الى ان استقرت في قرية رئيس العصابة، وتحديدا في منزله الذي لم يكن يختلف عن بقية بيوت القرية الفقيرة. “في البيت كان في انتظاري اشخاص نيجيريون كانت العصابة عينها اختطفتهم طلبا للفدية، ولكن “لم يستمر مكوثي معهم طويلا حتى نقلوني الى غرفة منفصلة لا يوجد فيها سوى فرشة اسفنج لزوم النوم الذي لم اعرفه طيلة فترة اختطافي”.
في اليوم التالي سأله رئيس العصابة عمن يمكنه التواصل معه في الشركة للتفاوض حول مسألة تحريره، “فزودتهم رقم صديق لي يعمل في الشركة”. تم الاتصال به وقالوا له انني بخير، وكل ما يريدونه هو الاموال للافراج عني. ولكن صديقي اصر على التكلم معي للاطمئنان الى وضعي، فاستجابوا لطلبه من دون ان يدعوني اتكلم معه الا للحظات.
صحيح ان نادر لم يتعرض للتعذيب او الضرب، ولكنهم “استطاعوا اللعب باعصابي كثيرا، اذ لم يدعوني أنام، فكانوا كلما سهت عيناي دقيقتين او نصف ساعة يعمدون الى ايقاظي.. وظلوا على هذه الحال لـ17 يوما حتى كدت انهار فعلا. لم يبخلوا عليه في الطعام “الوطني” كما يحلو للبنانيين تسميته، ولكنه لم يكن يأكله، ليس لسبب، الا لانه غريب جدا عن الطعام اللبناني او المتعارف عليه عالميا. لذا كان يتكل على أكل الاناناس وتناول المياه والعصائر.
طيلة الفترة التي امضاها في “الاسر” لم يكن مسموحا لنادر مغادرة الغرفة، ولم يسمح له بالاتصال بأي من افراد عائلته او اصدقائه. 3 اتصالات فقط سمح له باجرائها مع مالكي الشركة للتأكد منهم انهم سيدفعون المبلغ الذي طلبه الخاطفون، علما انني لم اعرف قيمة المبلغ الذي تم دفعه حتى بعد اطلاق سراحي.
عندما افضت المفاوضات الى دفع مالكي الشركة مبلغا من المال للخاطفين، اطلق سراحي مع زميلي النيجيري المخطوف الذي لم التق به ابدا طيلة فترة الخطف. وضعونا في قلب الغابة على مسافة قريبة من الطريق الرئيسي، حيث استقلينا تاكسي اوصلت كلا منا الى مكانه المقصود.
رحلة الخطف التي عاشها نادر في بلد تتعرض فيه حياته في كل لحظة الى تجربة مماثلة، استدعت منه قرارا لا رجوع عنه، العودة الى لبنان من دون الشعور بأي أسف على ما سيتركه وراءه. وهذا ما حصل فحجز نادر في أول طائرة متجهة الى بيروت حيث نقل فورا الى المستشفى بعدما تمكن مرض “الملاريا” من جسمه الذي أعياه التعب من قلة النوم والطعام.
المفارقة ان والدة طوني لم تعرف بخبر اختطافه حتى بعد عودته الى لبنان بأيام، عندما صادفت احدى قريباتها التي أحبت تهنئها بعودة ابنها سالما من نيجيريا. عندها فقط عرفت ان كل ما قيل لها عن انقطاع الاتصالات بين لبنان ونيجيريا ما هو الا حجة واهية لاخفاء ما هو اعظم.
اليوم غادر طوني نادر المستشفى… على أمل ان لا تضطره ظروف بلاده الى المغادرة مجددا الى بلاد لا يعرف مصيره فيها.
*نقلاً عن جريدة النهار